رجال المطافئ الذين "لا يشعلون النار" ويتحمّلون وزر من يشعلها دوما بالمخاطرة بأنفسهم وحياتهم من أجل أمن وأمان الناس، والذين في غالب الأحيان يجدون أنفسهم في قفص الاتهام حين تأخرهم عن الحضور بالسرعة المطلوبة، رغم زحمة السير التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، يتعرضون اليوم للحريق ولا يوجد من يطفئ حريقهم، بعدما ظهر أنهم لم يتقاضوا أجور ساعاتهم الإضافية منذ خمس سنوات، وأنهم يشتغلون ساعات طوال إضافية من كل شهر دون أن يتقاضوا عليها راتبا. هؤلاء الرجال الذين يخاطرون بأنفسهم من أجل حياة الآخرين، لا يجدون من هو مستعد ليس بالمخاطرة بنفسه وإنقاذهم ولكن من يسمع معاناتهم فقط. وإن كان الإطفائيون اليوم لا يجدون من يطفئ الحريق الذي عندهم، فمن تراه غدا يطفئ حريقا إذا شب في بيوت الناس أو أحد من الذين لا يريدون الاستماع إليهم؟ ومن يدري قد تحوّل هذه الظروف رجال الإطفاء إلى رجال "إشعال"، بعدما وجدوا أن وظيفتهم كرجال إطفاء لم تعد تفي لهم بحقوقهم، فيخرجون إلى الشوارع ويقطعون الطريق ويحرقون العجلات المطاطية، فللصبر أحيانا حدود، فهم أيضا أرباب عائلات، لهم أطفال يتمدرسون، ولهم أعباء ومصاريف. وإن كانوا في كثير من الأحيان يطفئون الحرائق وينقذون الأرواح، فإن الحرائق داخل بيوتهم، التي تثقلها الطلبات مثلهم مثل باقي المواطنين في هذه البلاد التي لم يعد فيها الناس سواسية كأسنان المشط، بل صار فيها المشط بلا أسنان، لم يعد بإمكانهم إطفاؤها، فمن يطفئ حريقا شب في بيت رجال الإطفاء