سوق "الشياتين" مشبع للدرجة التي لم يعد لأي "شيات" جديد حظ في أن يعثر على مكان له في رهط "المشيتين". مع الأسف الكلام ليس للسخرية، ولكنه واقع مر تعيشه كل القطاعات، ونقول كل، لأنه لا يوجد استثناء. حياتي كلها منذ بدأت أتدرج في العمل كمعاون بناء في أحدى الورشات بالصحراء مرورا كمسؤول في الأمن الصناعي في مؤسسة أجنبية، إلى أن دخلت ميدان الصحافة، وأنا أعيش مع مصيبة "الشياتين"، فكل فاشل من أجل أن يغطي على عيوبه "يزيد عليها" والزيادة عليها. هنا ليست سوى الوشاية بالآخر، أو استغلال طيبته، فمثلا في ميدان الصحافة يدخل إليك البعض لا يحمل سوى شهادته وعين كسيرة، تحضنه كما تحضن أخاك، وتقتسم معه اللقمة، وتتنازل له عنها أحيانا، والنتيجة أنك ستكون أول ضحاياه. وكي يصل بسرعة، عليه الوشاية بك، وعليه أيضا أن يفسد عليك الود بينك وبين مسؤوليك. وفي الوقت الذي لا تعمل أنت سوى بشروط مقبولة، يشتغل هو دون شروط. رأيت أشكالا من البشر طيلة حياتي والثلاثين من عمري جعلتني أشعر أني غريب، ليس عن محيطي، بل عن العالم كله. أحيان أتخيلني كائنا آخر غير البشر، وأحيانا أخرى أتخيلني بشرا ومن حولي آلات صماء. المصيبة أن هذه الممارسات تجدها في أنبل المهن، وأشرفها، وأذكر أني مازحت زميلا قائلا "سأحاول أن أدخل سوق الشياتين"، فرد علي بجدية "لو كانت فرصها متوفرة لما سبقتني لها". وبين هذا وذاك، مشكلتنا حتى وإن توفرت لنا الفرصة، فسنكون ضحية أنفسنا. الظاهرة تستحق الدراسة بجد، ليس عن طريق إعلامنا المحلي، لأن الكل يعرف ما فيه من رأسه إلى اسفله، أو خبراء محليين للأسباب التي ذكرتها، ولكن عن طريق ملاحظ أجنبي بعدما صارت الظاهرة لا تختلف عن ظاهرة تبديد المال العام وتهريبه، إن لم يكن هذا من نتيجة ذاك.