أظهرت زيارة بيار رافران الأخيرة، مبعوث الرئيس الفرنسي إلى الجزائر، المحاولات الفرنسية الرامية إلى ترميم الصورة المحطمة التي كسرتها السياسات الفرنسية الحمقاء تجاه الجزائر، والنظرة الإستعلائية التي تعامل بها فرنساالجزائر، إلا أن رد فعل الجزائري تجاه الاستفزازات الفرنسية جعل قصر الإليزي يسارع في محاولة ترميم ما خلّفته موجة الحماقات المرتاكمة، خاصة التي ارتكبها وزير الخارجية السابق كوشنر. ورغم أن الزيارة في اساسها اقتصادية بحتة، إلا أنه يظهر أن فرنسا لا تحاول دخول حقل الألغام السياسية بينها وبين الجزائر حتى لا تنفجر في وجهها وتحاول معالجة الملفات كل على حدة. تدخل زيارة بيار رافران الاخيرة للجزائر، في ما يعتقد أنها تلطيف للأجواء من الطرف قصر الإليزي في ما يخص العلاقات مع الجزائر، حتى وإن كانت الزيارة لا تحمل في طياتها السياسية الكثير، فإنها من ناحيتها الرمزية تعبر عن حسن نية الطرف الفرنسي تجاه الجزائر ومحاولة أخذ العبر من مواقف الجزائر تجاه الشرخ الذي سببه وزير الخارجية السابق برنارد كوشنر. ويحمل معه مبعوث ساركوزي الكثير من الملفات الاقتصادية التي يحاول الطرف الفرنسي اقناع الجزائر بها بعدما صارت فرنسا طرفا ضئيلا في المعادلة الاقتصادية الجزائرية، لاسيما وأن الحكومة الجزائرية صارت ترى في احترام قوانينها الداخلية في مجال الاستثمار المعيار والمحك الوحيد لكل مستثمر اجنبي، وهي الإشارات التي لم تحاول فرنسا فهمها. والأكثر من هذا، حاولت القفز على عدة حبال واللعب على عدة جبهات من أجل التأثير على موقف الجزائر التي استطاعت أن تصوغ قوانينها الداخلية في مجال الاقتصاد وفق مصلحتها الخاصة. وتدخل مهمة رافران في ما يمكن ان نسميه مبعوثا اقتصاديا، لاسيما وأنه لم يحمل معه أي ملف سياسي، وهو ما يؤكد أن فرنسا تحاول تأجيل الملفات السياسية والتي ترى انها توصلها إلى أبواب مسدودة مع الجزائر، ففضلت بعث أفق الاستثمار وفق الشروط الجزائرية. ومن جهته، أكد مبعوث ساركوزي حين حلوله بالجزائر "أن فرنسا ترغب في تطوير شراكة صناعية مع الجزائر تكون مربحة لكلا الطرفين في إطار إجراءاتها الجديدة في مجال الاستثمار"، مضيفا بالقول "نريد تهيئة المستقبل من خلال مشاريع صناعية طويلة المدى ورغبة في تحقيق شراكة مربحة تعود بالمنفعة على الطرفين".. وهي إشارات واضحة على أن فرنسا تعمل ما بوسعها من أجل تنقية الأجواء الاقتصادية بينها وبين الجزائر، كمرحلة أولى على الأقل، ما دام أن الملفات السياسية تبدو شائكة في مرحلتها الأولى. وقال رافران ايضا خلال زيارته الأخيرة للجزائر "لقد جئت بهدف الإصغاء للسلطات الجزائرية، لألتزم بالتالي بتوجهاتها"، مؤكدا على قرار البلدين "الرامي الى تعزيز التعاون مع مراعاة توجهاتهما التشريعية"، وهي دلالة واضحة على أن فرنسا تبحث عن الاستثمار في الجزائر وفق الشروط الجزائرية، وقوانينها الداخلية، وهي رسالة واضحة من فرنسا على أنها مستعدة لتوسيع أفق التعاون عبر مراحل، نظرا لحساسية التاريخية بين البلدية وكذا الكثير من الملفات السياسية التي فضل الجانبان تفادي التطرق إليها، على الأقل في الوقت الراهن.