وسط اتساع دائرة المقاطعة، في صفوف الدول الغربية للمؤتمر، لا سيما بعد إعلان ألمانيا ونيوزلندا عدم مشاركتهما فيه، فضلا عن قيام بريطانيا بخفض مستوى مشاركتها فيه، انعقد أمس بجنيف مؤتمر "ديربان" لمكافحة العنصرية والتعصب، حيث نجح اللوبي الصهيوني بالولاياتالمتحدة في منع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، من المشاركة في أعمال المؤتمر، مما يعتبر إنجازا كبيرا بالنسبة لإسرائيل. ورغم تغيير أوباما لسياسة إدارته اتجاه العالم، لا سيما العالم الإسلامي بعد إعلانه من منبر تركيا أن بلاده ليست في حرب مع الإسلام والمسلمين، وقبله كان الحوار التاريخي المشهور اتجاه إيران وإعلانه من خلاله أن الولاياتالمتحدة تريد طي صفحة الماضي مع الجمهورية الإسلامية، وأخيرا حضوره قمة الأمريكيتين وإعلانه أيضا عن استعداد بلاده للتعاون مع الدول الجنوبية في إطار الاحترام المتبادل والشراكة المتكافئة، إلا أنه قاطع مؤتمر "ديربان" لمكافحة العنصرية والتعصب، بحجة أنه فشل في تعديل البيان النهائي للمؤتمر، وهو الأمر الذي يرى فيه المحلّلون السياسيون أن الاستراتيجية الأمريكية هي ذاتها اتجاه إسرائيل ولن تتغير مع مجيء أوباما، لا سيما بعد إعلان هذا الأخير من تل أبيب، مرتديا الطاقية الإسرائيلية، أثناء حملته الانتخابية أنه سيعمل من أجل أمن إسرائيل، ومعترفا بالقدس كعاصمة لإسرائيل. ويرى المتتبعون للوضع أن انتقاد الدول المشاركة في المؤتمر، للصهيونية العنصرية وسياسة إسرائيل تجاه حقوق الفلسطينيين، هو وراء إحجام الولاياتالمتحدة من المشاركة في أعمال "ديربان" ممّا حدا بالممثلين الإسرائيليين والأمريكيين إلى الانسحاب من المؤتمر. فضلا عن أن إسرائيل دأبت على محاربة مؤتمر "ديربان" الأول منذ انعقاده في جنوب إفريقيا عام 2001، بسبب ما سمياه باللغة المعادية للكيان الصهيوني، خاصة بعد إقدام الدول العربية على مشروع قرار يعتبر الصهيونية حركة عنصرية، إذ أنه وخلال ذلك المؤتمر وجَّه المتحدثون انتقاداتٍ شديدةً للممارسات الصهيونية في الضفة الغربية وقطاع غزة، واصفين الكيان الصهيوني بأنه نظام عنصري يهدف إلى التطهير العرقي من خلال ارتكابه جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وأن حركته حركة عنصرية. ولم تكتف إسرائيل بمقاطعة المؤتمر ودعوة الدول التي تربطها معها علاقات وثيقة لمقاطعته، والضغط عليها لتحذو حذوها، بل جندت في السنوات الأخيرة كل طاقاتها للحيلولة دون اقتفاء المؤتمر الثاني أثر المؤتمر الأول. الولاياتالمتحدة لم تكتفِ بمقاطعة المؤتمر فقط، بل تسعى حاليًّا -حسب ما يراه المحللون السياسيون- إلى إحباط توصيات المؤتمر من خلال الضغط على منظمات حقوق الإنسان التي تتلقَّى معونات أمريكية، لا سيما مع تحركات منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان مع المنظمات الدولية في المؤتمر، والذي ستشارك فيه الجامعة العربية بوفد برئاسة الأمين العام للجامعة، عمرو موسى، لإعداد ملفات حول جرائم الكيان الصهيوني ضد الإنسانية التي ارتكبتها خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، للعمل على استصدار توصية من المؤتمر باعتبار ممارسات الكيان جرائم تستحق العقاب والمطالبة بمحاكمة مرتكبيها أمام محاكم دولية خاصة بمجرمي الحرب، وعليه، فالسياسة الأمريكيةالجديدة هي ذاتها التي كانت سائدة من قبل رغم الجذور الكينية لأوباما.