قدم خبراء اقتصاديون جزائريون "صورة قاتمة" عن واقع وآفاق البنية الاقتصادية على مستواها الكلي والجزئي، مؤكدين أن الطريقة التي تم من خلالها انفاق المليارات من الدولارات خلال العشرية الماضية "2001 – 2011"، لم تحقق التنمية المنشودة. وما يعقّد الوضع أكثر على المدى القريب والمتوسط، هو تجذر الازمة الاوروبية التي ستلقي بظلالها على الاقتصاديات الناشئة، ومن ضمنها الجزائر التي ترتبط بشكل شبه مطلق باقتصاديات الاتحاد الاوروبي والعملة الموحدة "الأورو"، أضف إلى ذلك تنامي الجرائم الاقتصادية التي ما تزال تكبد الدولة خسائر بالمليارات سنويا. وكشفت تقارير المفتشية العامة للمالية، أنّ الخزينة العمومية تكبدت خسائر تفوق 7 مليارات دينار، وذلك بسبب الجرائم الاقتصادية المتتالية، التي كان عدد من البنوك وعشرات المراكز البريدية مسرحًا لها خلال الفترة الممتدة ما بين 2001 و2011. وقالت المفتشية إن هذه الجرائم غالبًا ما كان أبطالها كوادر وموظفين، وكذا من يُعرفون ب "الوسطاء". والمثير أنّ كثيرًا من تلك الجرائم جرى اكتشافها بعد سنتين من حدوثها، وهوما يصفه متابعون ب "الخطر"، وسط أحاديث لم تنته عن إصلاح مالي وتكثيف أنظمة الرقابة. وقالت المفتشية العامة للمالية، في وقت سابق عن تنامٍ رهيب لمعدلات الرشوة، مثل ملف البنك التجاري والصناعي الجزائري، الذي خلّف وراءه ثغرة ب 11.6 مليار دينار، بما يعادل (1.32 مليون يورو)، إضافة إلى الصندوق الجزائري الكويتي، الذي خلّف ثغرة ضخمة بواقع 30 مليار دولار. وقد أبدى الخبير الاقتصادي سليم لعجايلية في تصريحات أدلى بها للموقع الالكتروني "إيلاف"، قلقًا إزاء استمرار نزيف الاقتصاد الوطني من جراء الخسائر الجسيمة المنجرة عن تجذر ظواهر مثل الفساد والتبذير والتهرّب الضريبي، ما ينذر بتبعات وخيمة، ما لم يتم تدارك الوضع وبشكل مستعجل. وكان الطاقم التنفيذي قد اعتمد وبشكل مطلق على تمويل النفقات العمومية، ما قفز بإجمالي موازنات البرامج الاستثمارية إلى أكثر من 450 مليار دولار، توزّعت على مخطط الإنعاش (2001 2004)، ودعم النمو(2005 2009)، والمخطط التكميلي (2010 2014)، في وقت يتحدث متابعون للشأن الاقتصادي الوطني عن أكثر من 500 مليار دولار، سيتم إنفاقها بحلول سنة 2014، ويدعمون كلامهم بكون "الاستثمارات غير المكتملة" (المشاريع التي ظلت عالقة منذ سنة 2004) ابتلعت وحدها 150 مليار دولار.وقال لعجايلية أنّه وفي ظلّ تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فإنّ قيمة النفقات، على ضخامتها، جرى توجيهها إلى اقتصاد له قدرات امتصاص ضعيفة، فلا توجد فيه مؤسسات وطنية ووسائل إنتاج قادرة على الالتزام بتطبيق ما يُرسم من خطط وبرامج.وينتقد لعجايلية الارتفاعات المستمرة لموازنات الدولة خلال السنوات الأخيرة، والتي طالت نفقات التسيير تشمل أجور موظفي القطاع العام فخلال سنة 2011 ارتفعت هذه النفقات مقارنة مع سنة 2010 بنسبة 25 %، ويُرتقب أن ترتفع في سنة 2012 بنسبة 7 % مقارنة مع السنة الحالية، ما سيعمّق عجز الميزانية إلى مستوى يتعدّى 54 مليار دولار، بسبب الزيادة المفرطة في النفقات، علمًا أنّ قيمة العجز المتوقعة تعادل ربع الناتج الداخلي الإجمالي للجزائر، وهي نسبة مقلقة .يضاف إلى هذا، أنّ بنية الاقتصاد الوطني القائمة على المحروقات بنسبة 98 %، تجعله عرضة لتقلبات غير مأمونة، طالما أنّه في حالة استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية، وخصوصًا في أوروبا، فإنّ الطلب سيتراجع، لتتبعه الأسعار، ومعها قد تتدحرج إيرادات البلاد. من جانبه، يشير رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، رضا حمياني، إلى أنّ الجزائر استثمرت 500 مليار دولار منذ العام 2000، لكنّ النمو الاقتصادي لم يتجاوز 3 % سنويًا، مشيرًا إلى أن نمو قطاع المحروقات أصبح معرقلاً للنمو الإجمالي، بسبب تراجعه من سنة إلى أخرى. ويحذر حمياني من مخاطر استمرار الدولة في الاعتماد على جباية المحروقات في إعداد الموازنة السنوية بأكثر من 60 % حاليًا، مضيفا أن نموذج النمو الحالي أثبت فشله، وعلى الحكومة إعادة النظر في ذلك، وتغيير النمط الاقتصادي المنتهج منذ 2001. ويلفت حمياني إلى أنّ الجزائر ستنهي سنة 2011 الأولى منذ استقلالها بواردات تناهز 60 مليار دولار، بينها 11 مليار دولار في مجال الخدمات وحدها، وسط سبات الآلة الإنتاجية المحلية، والتدمير، الذي طال النسيج الصناعي، الذي يسهم في 5 % فحسب من الناتج الداخلي الخام. بدوره، يسجل الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول أنّ الحكومة تنفق 15 مليار دولار سنويا لتغطية الحاجيات الاجتماعية لمواطنيها، وهومخصص مهم، لكنه يفتقد العقلانية. ويحذر مبتول من أن سوء التسيير وتفاقم الفساد يهدر قسمًا هائلاً من النفقات العمومية، ما يجعلها بلا أثر اقتصادي، وسط غياب رؤية ناجعة، ولا يفهم مبتول كيف لبلد أنفق 436 مليار دولار خلال سنوات قليلة، أن يبقى عاجزًا عن إحداث الوثبة المطلوبة. ويشدد مبتول على ضرورة الخروج إلى اقتصاد خارج المحروقات، ويحذر من أنّ أي تجاهل لذلك، مما سيدفع بالأمور إلى منعرج أخطر بعد عقدين من الآن. من جهته، قال الطاهر خليل رئيس غرفة التجارة والصناعة، إنّ المؤسسات محلية كانت أم أجنبية، تفضّل النمو في محيط شفاف للتخطيط للمستقبل على المدى البعيد، واعتبر أنّ تقسيمًا عادلاً للمنتجات الداخلية الخام والموارد المالية قد يعزز مكافحة الفساد ورفع نسبة استقطاب الاستثمارات ومعدل النمو. أما حميد مهبل، فركّز على أهمية تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الاستفادة من المشاريع، مع القضاء على كل محاولات الرشوة، وأشار مهبل إلى أنه بسبب هذه المحاولات وجد العديد من المتعاملين، لا سيما الشباب أنفسهم، غير قادرين على تثمين مشاريعهم أو تسديد الديون، التي منحتها لهم البنوك، لإنشاء مؤسساتهم.