دخل المسرح الجزائري الطبعة ال 15 لأيام قرطاج المسرحية بعرض مسرحية "ما وراء البحر" التي انتجها المسرح لجهوي لولاية بجاية والتي أبحرت بالمشاهد إلى الخمسينات من القرن الماضي ونقلته إلى عالم الهجرة نحو الخارج آنذاك بكل ما تحمله هذه الكلمة من غربة وتشتت. وبين المخرج عبد العزيز يوسفي ببراعة كيف تحولت هذه المعانات الى نضال مرير داخل ارض المستعمر الفرنسي من اجل استرداد سيادة البلاد وكرامة العباد. ولقد كانت الفكرة الرئيسية من العرض الدرامي بسيطة بساطة الإخراج، حيث تمحورت حول قصة رجل عقد العزم على طرق أبواب المهجر فوجد نفسه يقارع العنصرية والاضطهاد والقمع لتتحول هذه الاحباطات والتراكمات النفسية إلى كفاح من اجل الانعتاق والتحرر. بيد ان المخرج عبد العزيز يوسفي نقل المتفرجين من حقبة الى اخرى، بحيث دخل بهم من جديد الى عالم الهجرة لكن خلال المرحلة التي تلت الاستقلال فتمكن من الوقوف بطريقة درامية جد سلسة على دواعي ظاهرة "الحرڤة" واسبابها مسلطا الضوء على الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي كانت وراء هذه الموجات الجديدة من الفرار نحو ديار الهجرة "الحراڤة". ولئن امتلأت قاعة المونديال " بالجمهور عن آخرها من اجل متابعة العرض المسرحي الجزائري فان نقاد المسرح والعديد من الإعلاميين عبروا عن "استغرابهم" لغياب النص المسرحي بما في ذلك الحوار والمناقشة حتى ان بعضهم اعتبر هذه الطريقة "بمثابة تقنيات مسرحية جديدة". وبغية تعويض الغياب التام للنص المسرحي والحوار، ركز المخرج عبد العزيز يوسفي على محورين أساسيين، يتمثلان في جانب الرقصات التعبيرية التي ادتها بروعة واناقة ومرونة الممثلات، هذا علاوة على الاداء الغنائي المرفوق بعزف مكثف للعديد من الانغام والالحان، حيث نجح المخرج الجزائري بجدارة واستحقاق في جلب المتفرج وجعله يتابع بشوق ولهفة كل فصول هذا العمل المسرحي من اولها الى اخرها دون الحاجة الى الاستماع الى الحوار.