الكثير من فلاسفة التاريخ عندنا تعمدوا النبش في تاريخ المقاومة الجزائرية وثورة التحرير المظفرة من باب الاجتهاد، في البحث عن أخطاء بسيطة، وليس بهدف إنارة الرأي العام وانصاف الشهداء والمجاهدين الأحرار، بل لإعطاء نظرة سيئة عن مسيرة نضال شعب، أقسم أن يحرر بلاده من براثن الاستعمار، متناسين جرائم فرنسا التي تصنف ضمن جرائم ضد الإنسانية. وفي هذا الإطار، كانت مجلة "الجيش" لسان حال الجيش الجزائري، سليل جيش التحرير قد عالجت في عددها 553 لشهر أوت 2009، قضية تجارب الأسلحة الكيماوية التي استخدمتها فرنسا الاستعمارية ضد أبناء الجزائر المحروسة منذ أول يوم للاستيطان. الأستاذ عمار منصوري، وهو باحث في الهندسة النووية، ذكر في بحثه الخاص بمجلة "الجيش"، أن العالم يتذكر كل عام من شهر أوت انفجاري القنبلتين النوويتين اللتان فجرتهما أمريكا في "هيروشيما" و"ناكازاكي" باليابان، في حين يتجاهل العالم حسبه أولى تجارب الأسلحة الكيماوية التي هندستها قوات الاستعمار الفرنسي مباشرة بعد دخولها الجزائر بداية من عام 1830. "الأميرالان" الفرنسيان "دو بومونت" و"ديبري" قصفا مدينة الجزائر بطن من مسحوق كيماوي، عشية الاحتلال لعام 1830، ومنذ 1830 وإلى غاية 1962 تاريخ استقلال الجزائر، لم تتوقف حسب مجلة "الجيش" عمليات قصف الجزائريين بالأسلحة الكيماوية، المحرمة دوليا،من طرف قوات الاستعمار الفرنسي التي غزت الأراضي الجزائرية بداية من مدينة الجزائر، التي تعرض سكانها عشية الغزو حسب ذات المجلة إلى عملية قصف بمسحوق كيماوي يبلغ وزنه طنا، لوقف مقاومة سكان الجزائر ودفعهم للاستسلام. وتضيف المجلة أن كلا من الأميرال "دو بومونت وديبيري"، كانا وراء هذه الجريمة النكراء التي بدأت من حصن "الإمبراطور"، وهو أهم حصن دفاعي لمدينة الجزائر، استولى عليه الغزاة الفرنسسيون يوم 4 جويلية 1830، بعد تفجيره. وحسب المهندس عمار منصوري، صاحب البحث، فإنه يحتمل استعمال الأسلحة الكيماوية في هذا القصف الجبان. في هذا السياق، ذكرت "الجيش" عملية إبادة تعرض لها سكان "قبيلة بني صبيح" يوم 12 أوت 1844 على يد العقيد "كافينياك" الذي حاصر أفراد القبيلة، عند لجوئهم للاختباء في أحد الكهوف، وهنا تمت إبادتهم باستعمال الدخان الناتج عن عملية إشعال النار، نفس الأمر تضيف المجلة تعرض له سكان قبيلة "أولاد رياح" الذين قتل منهم أكثر من ألف على يد السفاح الفرنسي العقيد "بيليسيي" الذي قال بشأن هذه الجريمة: "قمت بعملية تحميض العرب وشوائهم على النار بدم بارد". مجلة "الجيش" خلال تطرقها لسياسة الاستعمار الكيمياوية، كشفت عن محطات هامة نتج عنها عمليات إبادة، تعرض لها الجزائريون بالأسلحة السامة، كعملية قصف سكان مدينة الأغواط يوم 2 سبتمبر 1852 بقدائف "الكلوروفورم "، على يد جنرالات فرنسا من بينهم الجنرال "يوسف" و"بوسكران" و"بيليسيي"، الذين أبادوا أكثر من 2800 جزائري من سكان الأغواط التي كان يقطنها 4000 ساكن. ويعتبر "الكلوروفورم" حسب المهندس عمار منصوري صاحب البحث من السوائل الكيمياوية سريعة التطاير، اكتشف بفرنسا وأمريكا وألمانيا في آن واحد عام 1831. فرنسا الاستعمارية حسب المجلة ذاتها جسدت برنامجها البيولوجي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث اختارت منطقة "بني ونيف" ببشار كمحطة لتجاربها القذرة، استعملت فيها الجزائريين كفئران تجارب، بمركز "ناموس، ب 2" الذي أصبح مع بداية عام 1935 ثاني أكبر المراكز الخاصة بالتجارب الكيمياوية والبيولوجية في العالم، بعد مركز الاتحاد السوفياتي سابقا. وفي هذا الشأن، قال وزير الدفاع الفرنسي "بيار مسمار"، الذي تحمل حقيبة الدفاع بين عامي 1960 وعام 1969 "كانت كل الدول المتقدمة تسعى إلى تطوير أسلحة كيمياوية، صاعقة تشل بها حركة العدو، ولم يكن بوسعنا البقاء خارج هذه الدول".