img border="0" src="photos/MEHSSAS01112009.JPG" align="right" width="200" **الشعب الجزائري لا يمكنه أن يلعب دور الاحتياطي **راهننا يدعونا إلى إعادة النظر في محتوى الهوية الوطنية وإعطائها البعد الحضاري العربي الإسلامي العريق **الشعب الجزائر تطور خلال فترة الثورة بحوالي 50 إلى 60 سنة في تفكيره ** ذهبت بعيدا في مساري ولا يمكنني العودة إلى الوراء **العمل الكبير المنتظر القيام به اليوم لا يكمن في مسألة إن كانت فرنسا تعترف بنا أم لا، بل يجب أن ندخل مرحلة إنشاء قوة تجعل فرنسا تعترف بقدراتنا وقوتنا رغما عنها صنف المناضل والمجاهد احمد محساس انتظار اعتذار فرنسا عن جرائمها خلال احتلالها الجزائر، في خانة العمل الصبياني، مؤكدا أن الصيرورة التاريخية تقتضي العمل على إنشاء قوة تجبر فرنسا على الاعتراف بقدرات الشعب الجزائري رغما عنها، وإن كان اعتبر أن إثارة مسألة انتزاع الاعتراف الفرنسي ذرا للرماد في العيون للتشويش على قضايا أكثر أهمية، فإنه من جانب آخر دعا إلى إعادة النظر في محتوى الهوية الوطنية وإعطائها البعد الحضاري العربي الإسلامي العريق. * بداية نستسمح المناضل والمجاهد أحمد محساس، الدخول في الحوار من باب التاريخ، ماذا تقولون في هذا الجانب؟ التاريخ، أبينا أم كرهنا هو ماض في صيرورته وهو لا يملك أربعين وجها، والثورة الجزائرية جزء من هذه الصيرورة وليست لها صورة واحدة رغم التناقضات والايجابيات والتفسيرات التي تعرضت لها، لكن مع ذلك يبقى التاريخ واحدا لا يتجزأ. * إذا في مسار التاريخ وصيرورته هل لكم أن تقيموا لنا العلاقات الجزائرية الفرنسية التي إن وصفناها نقول أنها لم تكن طبيعية لحد الآن؟ أنا شخصيا ليست لي مشكلة مع التاريخ أو مع العلاقات الثنائية التي تربط الجزائر بهذا البلد لكن عندما يتعلق الأمر باحتلال أمة من طرف أخرى بالقوة لفترة تجاوزت القرن والثلاثين سنة فهذا هو الأمر غير الطبيعي وليس من السهل استساغته لأن الأمر يتعلق بانتزاع حرية واستقلال وسيادة شعب إلى جانب الوسائل الكفيلة بحفظ كرامته ومما لا شك فيه أن الوسائل المستعملة من أجل استرجاع السيادة والاستقلال كانت مشروعة. *مازالت فرنسا لحد الآن تماطل في الإعلان عن اعترافها بالجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري خلال فترة الاحتلال، ما تعليقكم على هذه المسألة؟ انتظار فرنسا تقديم الاعتذارات للشعب الجزائري يعد أمرا صبيانيا في رأيي ولا يعقل ذلك أبدا، فكيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وماذا بعد الاعتراف؟ هل نصبح بعد ذلك إخوة ؟ وبالتالي تنسى الجرائم التي ارتكبت؟ المهم في اعتقادي أن الاستعمار أصبح الآن واقعا، ولا يمكن تغيير مسار التاريخ، فإن الدول الاستعمارية ما زالت تعتقد أنها سيدة العالم بناء على ما توصلت إليه من تقدم على حساب مستعمراتها وإن كانت القوة السابقة مبنية على الكم العسكري فإن هذه القوة اليوم تتمثل في التحكم في التكنولوجيات الحديثة التي أصبحت بدورها تستعمل كسلاح لاستعمار جديد يستمد أبعاده من الاستعمار القديم وذلك بطبيعة الحال دفاعا عن مصالحهم غير المشروعة على حساب الشعوب التي تأكدوا أنها ضعيفة؟ * في المدة الأخيرة لا حظنا أن فرنسا أصدرت عددا من القوانين من أجل إعادة الاعتبار للحركى، ما قولكم في ذلك؟ هذا ما كنت أقصده بقولي أن الاستعمار يرجع دائما إلى المبادئ والسياسات التي كان ينتهجها خلال فترات الاحتلال. ويعود إليها اليوم لأن هناك ضروريات تدفعه إلى الضغط على الشعوب المستعمرة مثلما هو الحال مع الشعب الجزائري، وذلك من أجل ضمان السيطرة الفكرية والإيديولوجية، وهذا يدل أيضا على أن القوى المضادة للاستعمار عندنا توجد في حالة ضعف وهو أمر يجب أن نعترف به. فقد توصلنا خلال حقبة قصيرة في التاريخ أن نكون قوة تمكنت من قهر القوة الاستعمارية الفرنسية المسنودة من طرف الحلف الأطلسي، واليوم لم تنمكن من بناء قوة معنوية لمواجهة مخلفات الاستعمار رغم ما نملكه من إمكانيات مادية وبشرية باستطاعتها أن تنشئ طاقة وطنية، في حين تمكن جيل الثورة أن يكون قوة من العدم. * ألا تعتقدون أن القوانين التي تصدرها فرنسا لصالح الحركى والمتعاملين منعها إهانة للشعب الجزائري؟ بطبيعة الحال، بل ويتجاوز الإهانة، حيث أن ما نعتبره نحن خيانة فإنه في منطق كل الشعوب التي تعرضت لنفس الوضع عبارة عن الخيانة وإن كانت فرنسا تعتبر هؤلاء الخونة أبطالا، فمن نكون نحن إذن؟ وواقع الحال يؤكد أن في مقابل الأبطال هناك الخونة، ولا شك في الأمر إذا كان لهؤلاء دور فعال في الميدان لإظهار هذا الأمر هو الدور السياسي الذي أسند لهم في حبك هذه اللعبة، وهذا من بديهيات الأشياء لأن هناك من ما زال يؤمن بعمالته وولائه للاستعمار الفرنسي. *نحيي هذه السنة الذكرى ال 55 لاندلاع الثورة التحريرية، ما ذا يمكنكم القول في هذا الوقت بالذات؟ نحن لم نكن نتصور أننا سنقيم الجنة بعد الاستقلال في الجزائر، بل كنا واقعيين في تصورنا فبعكس كل التناقضات والتخلف الذي كان عليه الشعب الجزائري اجتماعيا وعلميا واقتصاديا ونواحي عديدة أخرى كانت نتيجة للسياسة الاستعمارية، وهذا ما كنا نريد إنهاءه خلال الفترة التحريرية وبعد الاستقلال ولكن هذا لا يمنع من الاجتهاد من أجل إيجاد الحلول لأوضاعنا وإن كان ضعفنا في هذا الجانب ما زال مكرسا. أنا هنا لا أنفي أن تكون هناك أشياء كثيرة تحققت وإنجازات وجدت على أرض الواقع في العديد من الميادين كالتعليم والتنمية الاقتصادية لكن الخطر الكبير في هذه المسألة يتمثل في غياب إستراتيجية وطنية واضحة المعالم، إذ هناك تراجع في قيم المجتمع الجزائري فبعد أن كان مثالا للوحدة والتضحية والعمل والقدرة على التنظيم ها هو اليوم أصبح يعطي صورة مغايرة تماما لما يجب أن يكون عليه، بحيث نلاحظ يوميا تزايد عدد الفضائح والسرقة إلى جانب المشاكل التي لم نكن نعرفها من قبل كالتفسخ الاجتماعي والتراجع الكبير في القيم الاجتماعية. * في هذا الإطار لديكم رؤية خاصة للمجتمع الجزائري؟ المشروع موجود، أنا لم آت بشيء جديد، فنحن ننتمي إلى حضارة عربية إسلامية تمتد إلى أكثر من 15 قرنا من الزمن والتي خلفت تجربة إنسانية رائدة في العالم عبر تراكمات ما زالت آثارها شاهدة إلى اليوم في العديد من الشواهد في منطقتنا. وفي إطار الديناميكية التاريخية كان على الجزائر أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم، ومع ذلك فهذا لا يجب أن يبقينا رهائن لنماذج أثبتت فشلها وتعود إلى فترات الضيق أو الاستعمار. فكما رفضنا وضعنا تحت السيطرة الاستعمارية سابقا، لدينا اليوم تحديات أخرى يجب رفعها، فراهننا يدعونا إلى إعادة النظر في محتوى الهوية الوطنية وإعطائها البعد الحضاري العربي الإسلامي العريق من خلال ديناميكية جديدة تمكننا من الرقي إلى المستوى العالمي، وذلك بوحدة العمل والتفكير العلمي الدروس وهو ما قامت به المجتمعات التي أثبتت وجودها، ففي التاريخ دروس وعبر كثيرة لمثل هذه التجارب. * هناك تراجع في ترسيخ القيم الوطنية، ما مرد ذلك في اعتقادكم؟ يرجع الأمر أولا للديناميكية الاستعمارية ثم فشل التسيير الذي وقع فيه النظام عقب الاستقلال، لأن الثورة جاءت في محتواها بأمر جديد لم يكن من قبل ولا أدل على ذلك أن الشعب الجزائري تطور في تفكيره وأبعاده خلال فترة الثورة بحوالي 50 إلى 60 سنة. لكن مشاكل التنمية التي كانت تزيد من تخلفه جعلته يعثر فيها في وقت لم يتمكن الذين كانوا يقودونه من وضع الوسائل والآليات التي تمكنه من تجاوز المرحلة الانتقالية التي كان يمر بها. كما تجاوز مرحلة الثورة التي كانت بالنسبة له قفزة نوعية لا يمكن التشكيك فيها أبدا، واليوم قلنا لا بد من قفزة تاريخية أخرى بإمكانها توسيع آفاقنا وحدودنا وتنتج مجتمعا جديدا في مستوى حضاري مرموق. وأشير أيضا في هذا الإطار إلى أن نظامنا الحضاري موجود لكن وسائل ربطه غير موجودة، والعمل الكبير اليوم المنتظر القيام به لا يكمن في الدوران في مسألة إن كانت فرنسا تعترف بنا أم لا، بل يجب أن ندخل مرحلة إنشاء قوة تجعل فرنسا تعترف بقدراتنا وقوتنا رغما عنها. وهذا بالعودة إلى الهوية الواحدة الموحدة والتي بها يمكن مواجهة الاستعمار ومخلفاته. * بالنتيجة السي محساس، هل يمكن القول أن قضية السعي لانتزاع الاعتراف الفرنسي بجرائم الاحتلال في الجزائر أمر مفتعل لتحويل أنظار الرأي العام عن قضايا أخرى أكثر أهمية؟ من مهام مثل هذه القوى عادة القيام بخلق المغالطات، فعوض أن نهتم بتطوير قوتنا الذاتية البشرية والمادية وجدنا أنفسنا غارقين في قضية كهذه وهي لعبة من الألاعيب التي كان يقوم بها الاستعمار في كثير من مراحل الثورة ومن المؤسف اليوم أنه لا يوجد أي رد فعل حقيقي، بل إن ما يجري، اعتبره رد فعل صبياني. * نعود إلى شخص المناضل والمجاهد أحمد محساس، إذا حاولنا أن نصفه في بورتريه خاص به، ماذا يمكننا القول؟ وإن أمكن تنوير القارئ بالأشياء التي لا يقرِؤها عادة في الكتب والوثائق؟ بداية قررت أن أتوجه هذه السنة إلى الحج لعلي أنهي مسيرتي بمسك الختام إن شاء الله، ثم إن هذه المسيرة التي كتب لي الله أن أتممت فيها 86 من العمر هذا العام والتي منها 70 سنة من النضال عشت فيها 40 سنة في التهميش، الحمد لله الذي مكنني من البقاء على قيمي ومبادئي التي ترعرعت عليها والتي أنارت هدفي الذي كان يتلخص في استقلال الجزائر وإعادتها إلى إطارها الطبيعي المشبع بالبعد العربي الإسلامي، واليوم لدي مسؤولية أدبية في هذه القضية. أنا لا أستعمل الماضي لأعيش بل استعمله لإفادة الأجيال القادمة لتتجنب الأخطاء التي وقع فيها السلف ولتتأكد هذه الأجيال أن الأجداد كانوا يفكرون في مستقبلهم وان للشعب الجزائري هدف يريد الوصول إليه، أما عن شخصي فأنا ذهبت بعيدا في مساري ولا يمكنني العودة إلى الوراء، رغم أن كل العوامل غير مشجعة لكن من العدم يمكن أن نصنع المعجزات. لا شيء يعيد الهمة للجزائر إلا بالإيمان والوحدة بالهدف والعمل الذي يسند هذا الحلم، ففي هذا الخضم أريد المشاركة في إنتاج وعي جديد ومسيرة جديدة وإن كان هذا الطموح ليس بالجديد بالنسبة لي، وأقترح في هذا المنوال إدخال نوع جديد من تقدير الأمور انطلاقا من الوطنية المحلية إلى البعد العربي الإسلامي والتي هي في عمومها واحدة غير مجزأة. * هل من كلمة أخيرة يمكن توجيهها للأجيال الحالية والقادمة؟ الشعب الجزائري لا يمكنه أن يلعب دور الاحتياطي بل لعب ويلعب الدور الأساسي في الميدان وأنا جزء من هذا الشعب الذي له كلمته في العالم العربي والإسلامي.