وصلت العلاقات الجزائرية الفرنسية، اليوم، للحد الذي لم يعد من التصريحات السياسية بين الطرفين إخفاءها، ولعل فرنسا دأبت على سياسة فرض الأمر الواقع على السلطات الجزائرية، مستغلة في ذلك ظروف الجزائر عبر مراحل متعددة منذ استقلالها إلى الآن. إلا أن الملاحظ في مشهد العلاقات بين البلدين، أن الجزائر اتخذت منهجا مغايرا في خطوة جريئة من ناحية العلاقات بين البلدين، فمنذ 1999 صارت العلاقات بين البلدين من وجهة النظر الجزائرية مبنية على التعامل ب "الندية"، متجاهلة أي ضغوط تفرضها فرنسا لأجل التأثير على السياسة الجزائرية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، ويبدو هذا التغير جليا من خلال محاولة فرنسا تكسير السياسة الجزائرية الجدية من خلال اسغلال قضية الدبلوماسي زيان حساني الذي أخذته السلطات الفرنسية شبه رهينة باتهامات باطلة لمحاولة ثني الجزائر عن خيارات سيادية اقتصادية هامة، ناهيك عن قانون العار الممجد للاستعمار الذي حاولت به بعض الوجوه الفرنسية التعبير عن أحقادها الإستعمارية لتظهر في صورتها الحقيقية التي لم تتغير، وهي أن فرنسا رغم التغير الذي طرأ على العالم ما زالت تصر على ممارسة سياسة المساومة على مستعمراتها السابقة، كنوع من الاستعمار الجديد الذي وجدت فيه فرنسا ضمانا لمستقبلها داخل مستعمراتها السابقة من أجل استغلال ثرواتها والاستثمار بحسب الشروط التي تفرضها هي وتخدم مصالحها. إلا أن الجزائر اليوم لم تعد جزائر الثمانينيات، أو حتى التسعينيات، لتخضع لفرنسا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، وهذا ما صار يغيض فرنسا اليوم، لأنها صارت ترى أنها بدأت تخسر أوراقا فاعلة كانت إلى وقت قريب تضمن مصالحها في الجزائر، بل وتجد من يؤيدها داخليا، ففرنسا اليوم لم تعد كما كانت في السابق، لا من ناحية الاستثمارات ولا من ناحية العلاقات السياسية، لأنها صارت مثلها مثل أي دولة تريد الاستثمار في الجزائر، لأنها اليوم مطالبة بتقديم الأفضل والأجود، وغير هذا لا يمكن أن تكون على قدم المساواة مع دول قدمت مشاريع هامة للجزائر بأقل تكلفة. ليأتي قانون المالية والاستثمار الجديد والشراكة الاقتصادية الذي أقرته الحكومة الجزائرية حفاظا على استقرارها وخدمة لمصالح الشعب الجزائري، كضربة قاصمة للأهداف الفرنسية التي كانت ترى في غضب الجزائر مجرد سحابة صيف عابرة، لهذا شحذ الكثير من السياسيين في فرنسا الهمم للضغط على الجزائر لتغيير قوانينها في مجال الاستثمار لتتماشى مع أهدافها هي وحدها، ولأن الولاياتالمتحدةالأمريكية فهمت الدرس واستوعبته، وكذا إيطاليا وإسبانيا، فقد أبدت كل هذه الدول اهتماما بالغا بكل هذه المتغيرات، دون أن تتدخل في الشأن الإقتصادي الداخلي للجزائر، حيث أعربت الولاياتالمتحدةالأمريكية أن السياسة الاقتصادية الجزائرية شأن جزائري داخلي، لتجد فرنسا وحدها تغرد خارج السرب، مصرة على العيش في أوهام الماضي وملحة على أن وجودها في الجزائر في كل الظروف أمر مفروغ منه، دون أن تقدم مقاييس اقتصادية أو حتى سياسية وأخلاقية تحفظ لها مصالحها في الجزائر، ولعل أقلها هو اعترافها بجرائمها في الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية. يأتي رفض السلطات الجزائرية استقبال وزير خارجية فرنسا، ردا ضمنيا وقويا ورسالة شديدة اللهجة للفرنسيين، أن الجزائر لم تعد تقبل بلعبة لي الذراع واستغلال الظروف. وعلى فرنسا أن تفهم أن تعاملها مع الجزائر سيكون من اليوم فصاعدا، تعامل دولة مع دولة وفقا للمصالح المشتركة بين البلدين، وغير ذلك فلن يعدو سوى اعتداء على السيادة الوطنية.