لم يبق للجامعة العربية سوى إعلان وفاتها، وحفر قبرها، وتحضير مراسيم تشييعها وإلى الأبد، فهذه الجامعة، التي لم تقو يوما على اتخاذ موقف واحد لمواجهة العدو الصهيوني واسترجاع الحقوق العربية المسلوبة، وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة دولته، أصبحت اليوم تُشكّل خطرا حقيقيا على العديد من الدول العربية وبالأخص منها المتخندقة في صف المُمانعة والمقاومة، فالجامعة "إيّاها" قرّرت نهار أمس إلحاق سوريا "بلاد الشام" وأعرق بلد عربي، بمصير العراق والسودان وليبيا، باتخاذ قرار تعليق عضويتها في الجامعة العربية، استجابة للأوامر الأمريكية والصهيونية، وخضوعا لضغوطات البُعبع القطري، الذي أصبح ينعق وينفث نيران الحقد على العرب، لمجرّد أنه تحوّل إلى أهم بيدق ومُقاول لأمريكا وإسرائيل، ولمجرّد أنه بات يمتلك وسائل الحرب الناعمة، من قنوات إعلامية وأكياس الأموال التي ينثرها على مجالس المعارضات العربية التي تمّ تصنيعها في مخابر أمريكا وإسرائيل والغرب . قرار تعليق مشاركة سوريا في أشغال الجامعة العربية، والذي كان منتظرا خاصة بعد الموافقة المفاجئة لسوريا على المبادرة العربية، يؤكد مرّة أخرى، أن هذا الهيكل الميّت، ونعني به الجامعة "العبرية"، سيصيب كل الجسد العربي بالأوبئة والأمراض، لأنه وللأسف الشديد، باتت الجامعة العربية اليوم، شبه رهينة بيد بعض الدُّويلات الخليجية التي أسندت لها أمريكا وإسرائيل أدوارا أكبر من حجمها، فراحت تتفنّن في تأدية أدوار الإنبطاح، والمُقاولة على حساب أمن العرب ووحدتهم، وبصراحة، فإن السلطات السورية ربّما أخطأت الحسابات باستجابتها لدعوات هذه الجامعة، أو ربّما وهذا أكيد، كانت تعرف النتائج مسبقا، وراهنت على كشف عورات الحُكّام العرب، وكسب تأييد الشعوب العربية، فسوريا وبعكس ليبيا، والسودان وغيرها، كانت ولا تزال في مواجهة مفتوحة مع العدو الصهيوني، والأطماع الأمريكية والغربية في منطقة الشرق الأوسط، واستطاعت إلى حدّ بعيد أن تُلحق هزائم كبيرة باسرائيل، عبر دعمها للمقاومة في لبنان وسوريا، وقد ينسى البعض أن انتصار المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006 ما كان ليحصل لولا الدعم السوري المباشر، واشتراك جنودها وضُبّاطها إلى جانب المقاومين في معركتهم ضدّ الصهاينة، وربّما يشاء وضع الإنهزام العربي، لسوريا أن تنطلق في حسم المعادلة قريبا، ولوحدها، لكن بدعم الشعوب العربية الحرة، وإذّاك ستتغيّر الخارطة الإقليمية كلّها، لأن حركات المقاومة، ليس في سوريا ولبنان وفلسطين، بل في كامل العالم العربي والإسلامي، سوف لن تقف مكتوفة الأيدي هذه المرّة وهي ترى كيف أن عرب المذلة والإنبطاح، يسعون إلى تقديم سوريا إلى المذبح الصليبي، وهذا ما بدأنا نلمسه من خلال ردّات الفعل المتتالية من شتى أقطاب المقاومة وعلى رأسها حركة المقاومة في لبنان وفلسطين، فكلّ الأحرار شهدوا كيف تمّ "تحرير" ليبيا، وتقديمها على طبق من ذهب لدول حلف الناتو، فليبيا التي راهنت قطر وأخواتها في العمالة على إسقاط نظامها، ثبت أن الذي حصل هو أن هذه الدول أسقطت حقّ شعبها في العيش الكريم، بل وحق الليبيين في الحياة، واليوم نرى كيف أنّ من استعملتهم قطر والغرب من الشخصيات الليبية، كشلقم وجبريل والترهوني وغيرهم، أصبحوا يُجاهرون باتهاماتهم لدولة قطر، بأنها تريد السيطرة على ليبيا وخيراتها، وتأكد الشعب الليبي ككل، بأن إسقاط نظام القذافي لم ينه الحرب كما أشاعت قطر وحلف الناتو، بل إنه أجّجها ولن تتوقف عمّا قريب على الإطلاق، أما في حال سوريا، فلا يمكن أن ننتظر في حال العدوان عليها، سوى اندلاع حرب كونية وليس إقليمية فقط، لأن سوريا بموقعها الإستراتيجي، وأهميتها البالغة لكل من روسيا والصين، وإيران، وكل حركات المقاومة، سوف تشكل البركان الذي سيُفجر العالم ككل، لأنه من غير المنطقي، بعدما انضمّ بعض الحكام العرب إلى المؤامرة الصهيونية الأمريكية، أن تبقى سوريا والأطراف الداعمة لها، في حال سكون وانتظار، فغالب الظن أن سوريا ستُفاجئ الجميع بخرجات غير متوقعة تماما، لكنها محسوبة العواقب، لأن سوريا تعي جيّدا مواطن القوة والضعف في المنطقة، وهي قادرة على تحريك الوضع بآليات ذكية، خاصة بعد تحررها من التآمر العربي، الذي قادته قطر والأمين العام للجامعة العربية، فسوريا سجّلت على الجهات المتآمرة العديد من نقاط التناقض، يكفي أن نذكر منها أنها كانت تسكت على تصريحات التهييج التي كانت تطلقها الإدارة الأمريكية، والتي وصلت إلى حدّ دعوة المسلّحين في سوريا إلى عدم تسليم أسلحتهم، وسكتت عندما صرّح وزير الخارجية الفرنسي بأن المبادرة العربية وُلدت ميّتة، وتصريحات زعيم معارضة الخارج الذي قال مباشرة بعد لقائه بنبيل العربي أمين الجامعة غير العربية بأنهم يرفضون مبادرة الجامعة، إضافة إلى هذه المتناقضات، فإن آذان الجامعة العربية لم تسمع نداءات سوريا التي دعت إلى الإلتزام بالمبادرة العربية، وهذا ما يعني أن بعض حكام العرب وجامعتهم، قد اختاروا صفّ أمريكا وإسرائيل والغرب، وأنهم بذلك كشفوا وبشكل فاضح عن عوراتهم، وهذا ما ستُفسّره روسيا والصين والعديد من حلفاء سوريا على أنه استخفاف بها، وبموازينها في المحافل الدولية، وهذا ما سيُدفّع هذه الدول ثمنا باهظا، لأن اللعب في الحقل السياسي الدولي، وخاصة في ظل الأزمة المالية والإقتصادية التي تضرب أمريكا والعديد من الدول الأوروبية، هو لعب لا يخلو من المخاطر، لأن الغرب يسعى اليوم إلى خلق بؤر توتر عديدة في البلدان التي تملك الطاقة والمال، بغرض الهيمنة على مقدراتها وخيراتها، والغرب يستعمل اليوم أطرافا عربية وينفخها، ويعطيها حجما أكبر بكثير من حجمها، لاستعمالها كأدوات هدم لبلدان أخرى، لكن هذا الدور سوف لن يجعلها مستقبلا في منأى عن التهديدات، بل أكثر من ذلك، أنه في حال الإعتداء الأجنبي على سوريا ستون هذه الدّول هي أول من سيدفع الثمن، وهو ثمن لن تقوى على تحمّله، لسبب بسيط هو أنّها ستكون قريبة من ساحة العدوان، والشظايا بكل تأكيد ستصيبها، كما أن احتمال انفجارها داخليا سيصبح أكثر قابلية للحدوث، لأن شعوبها تعي جيدا أن قرار حُكامها أملته عليهم أمريكا وحليفتها إسرائيل، وثبت خلال العدوان على العراق واحتلاله، أن من قاوموا المحتلّ لم يكونوا من العراقيين فقط، بل من كافة البلدان العربية، وأن غالبيتهم وصلوا إلى العراق عبر سوريا، وأنه لولا الدور السوري المقاوم والممانع الذي دعّم العراق، لما فكّر الإحتلال الأمريكي في الإنسحاب منه، وأنه لولا الدور المقاوم لسوريا في لبنان وفلسطين، لمحت إسرائيل اللبنانيين والفلسطينيين من الخارطة، وما دام أنه تمّ فرض منطق المواجهة على الشعب السوري، فلا نرتقب، سوى أن دُويلات عميلة للصهاينة كدول التعاون الخليجي، وعلى رأسها قطر المتعطشة للدماء العربي، لأن أميرها لم يتمكن من رؤية دماء والده تسيل بعد انقلابه عليه، قلنا لا نرتقب سوى أن هذه الدويلات ستنمحي أنظمتها وعروشها وإماراتها وإلى الأبد، وأن المنطق سيفرض عودة الهيمنة الحقيقية للدول التي صنعت الحضارة، منذ قرون، وتحاول الدُّويلات اللقيطة، وحتى ذات الأصول الصهيونية، تغييبها وتغييب أدوارها الرّيادية، فطبول الحرب بدأت تُقرع وبقوة في بلاد الشام وكافة مناطق الجزيرة العربية، وبحسب المتابعين أنها ستكون حربا كبيرة ستثأر للعرب من مؤامرات الغرب والأتراك، وستعيد للفارسيين دورهم الريادي الذي لعبوه في العهود الأولى للإسلام، وإذاك سيبحث أمراء التآمر عن أماكن يهربون إليها وبدون رجعة.