فيما يتم التركيز على فئات معينة من المجتمع في الحملات الانتخابية والنشاطات الجمعوية والسياسية مثل الشباب والأطفال والنساء واستعمالها مادة دسمة، تجد فئة أخرى تقدّم بها السن على هامش الاهتمام، بعيدة عن الحديث عن حقوقها الاجتماعية وهي فئة الشيوخ والعجزة أو ما يسمى بفئة السن الثالث. وبالرغم من فضل كبار السن على الشباب والأطفال، إلا أن الاهتمام بهذه الفئة يبقى ضيّقا في مجتمعنا حيث أن هناك من تثقله هموم الدنيا وتطارده المشاكل إلى آخر أيام عمره، وهناك من يجعل من الحدائق وبعض الأرصفة ناد له يلتقي فيه عددا من مثل سنه. وتقدر نسبة الشيخوخة بالجزائر بحوالي .... حسب الإحصاء الأخير للسكن والسكان، وهي نسبة ارتفعت مقارنة بالسنوات الأخيرة لكنها تبقى قليلة مقارنة بنسبة الشباب التي تمثل ثلاثة أرباع المجتمع الجزائري. ولمعاينة واقع هذه الفئة من المجتمع ببلادنا، قمنا بجولة إلى مراكز الضمان الاجتماعي وبعض الساحات العمومية واستطلعنا رأي بعض العجزة حول حقوقهم كفئة يمكن وصفها بالهشة. من بين أفضل الأماكن التي يقصدها الشيوخ والعجزة، مركز الضمان الاجتماعي الذي يعتبر عند البعض مكانا ومناسبة للخروج من البيت حيث يقول عمي الباي الذي وجدناه بمركز الدفع بالقبة أنه لامكان له يذهب إليه و يجد لدى استدعائه لإجراء المراقبة الطبية مناسبة للالتقاء بعدد من الشيوخ في مثل سنه لتبادل أطراف الحديث. وبالنسبة لهم، فالمركز مكان للترويح وعن النفس والنزهة، وهو رأي الشيخ سليمان الجالس في نفس الرواق مع صديقه الباي والذي دخل في الحديث مباشرة قائلا "عن أي حقوق تتحدثين وأي مكان لنا نذهب إليه يا ابنتي، " اشرفنا وما بقالنا والوا في هذه الدنيا". وإن كان مركز الدفع التابع للضمان الاجتماعي مكانا للترويح بالنسبة للبعض، فإنه جحيم بالنسبة لعدد آخر من المتقدمين في السن. ونحن في المركز وجدنا عجوزا تعاني من مرض القلب، قيل لها أن ملفها في الطابق الثاني عند رئيس المصلحة وعندما صعدت إلى الطابق الثاني تلهث قال لها العون في الطابق الثاني إن ملفها في الطابق الأرضي عند المراقبة وبعد مزاولتها، تم إرسالها مرة أخرى إلى الطابق الأول وقيل لها أن الملف عند فلان وقولي له أنك مبعوثة من طرف فلان، إلا أن هذا الأخير نفى أن يكون الملف عنده بل في الطابق الثاني، وراحت تتوسل أن يتم التكفل بها فقد جاءت من أجل الحصول على التعويض 100 بالمائة بدل 80 بالمائة على دوائها باعتبارها تعاني من مرض القلب المصنف ضمن الأمراض المزمنة، إلا انها اضطرت لمغادرة المركز قائلة" أنوكل ربي". وبعد لحظات من خروجها نطق أحد الأعوان أن دفتر تأمينها كان عنده وأنه أخلط بينها وبين مؤمنة أخرى.. ومثل حالات هذه المرأة كثيرون يضطرون في غياب الأبناء للتنقل الى المركز حيث يجدون في انتظارهم كل المتاعب بينما يبقى تكفل مصالح الضمان الاجتماعي بهذه الاجراءات لصالح العجزة مجرد حلم يطول أمد تحقيقه. وبساحة أول ماي، وجدنا مجموعة من الشيوخ جالسين في الحديقة المقابلة لمستشفى مصطفى باشا يتكلمون عن السياسة والحملة الانتخابية ومصدرهم المفضل "الجرنان"أو "قالي واحد يعرف مليح السياسة". فاقتربنا من أحدهم وسألناه عن يومياته فأجاب منذ الصبيحة هنا مع أصدقائي إلى غاية موعد الغذاء ثم صلاة الظهر والقيلولة، وفي المساء العودة إلى الحديقة إلى غاية المغرب وهكذا دواليك.. إنه برنامج ثابت من السبت إلى الجمعة, بينما قال شيح آخر "أنت محظوظ، أنا لا أجلس إلا لساعة و"القضيان" كله عليّ ..أولاد اليوم ما يعرفوش حتى يقضيو". وبما أن الحديقة لا تسع الجميع، وجدنا أعدادا أخرى من الشيوخ على أرصفة الأفواج ورحنا نجس النبض بالاستفسار عن وجهة نعرفها لفتح الحديث وكان رد الجميع متشابه تقريبا "نحن لا نتحمل البقاء في البيت طيلة اليوم، لقد كبرنا ولا نريد أن نشعر بذلك و لانريد أن نقلق غيرنا" وأشار أغلبهم إلى أنهم ما زالوا رغم تقدمهم في السن يتكفلون بشراء حاجيات البيت بطلب ملح منهم لأن ذلك حسبهم تأكيد للذات على أنهم ما "زالو ما طاحوش". وبينما نحن نستجوب الشيوخ، تراءت لنا عجوز فبادرناها "واش الحاجة ما زالك في مقتبل العمر "وبروح خفيفة خفة نساء القصبة قالت، إذن فأنت "بيبي" وإن كانت تقضي وقتها في الراحة أو تجد وقتا للترفيه تقول "لم يترك الوقت لنا مجالا للراحة، الزمان صعب ونحن ما زلنا نكافح من أجل أبنائنا"، أما عن أماكن الاستراحة فتقول إنها تفضل الذهاب عند حبيباتها ولا وجود لمكان أو هيئات تتكفل بخرجات السن الثالث. وعكس الدول الأوربية، فإن خدمات الضمان الاجتماعي لا تضع الشيوخ والعجزة في وضع مريح ويكاد ينعدم الاهتمام بهذه الفئة من قبل المجتمع وأغلبهم أفنى شبابه وماله وقد يتواجد بأجر تقاعدي زهيد جدا لايكفيه حتى قوت الشهر بينما لا تجد هذه الفئة من يتكفل بترفيهها بما يتطلبه هذا السن لظروف اقتصادية تتعلق بوضعية الأسرة، ولكن بإهمال كبير وتقصير من المجتمع في حقهم حيث غالبا ما يقابلهم بعبارة قاسية على غرار"عاش حياتو" ..أو "واش مازالوا غير يستنى الموت "أو مازالو دورة ويموت".