في أوج الأزمة الجزائرية، شككت دوائر عديدة في الطبقة السياسية الفرنسية على قدرة الجيش وقوات الأمن على هزم الجماعات الإسلامية المسلحة، وذهبت إلى حد الاعتقاد بأن السلطة ستضطر إلى قبول تسوية مع الإسلاميين كمخرج وحيد من المواجهة * هذا ما كشفه بصريح العبارة وزير الدولة الفرنسي السابق للداخلية والأمن شارل باسكوا في الجزء الثاني من مذكراته الذي نزل قبل أيام قليلة على رفوف المكتبات تحت عنوان ''ما أعرفه''. وقال باسكوا المعروف بحربه المعلنة ضد الشبكات الإسلامية في فرنسا في مطلع التسعينيات أن عددا من المسؤولين الحكوميين الفرنسيين لم يراهنوا إطلاقا على قدرة الأمن الجزائري على التصدي للإرهاب وحربه المعلنة ضد الجزائر والجزائريين. وكشف ميشال باسكوا عن بعض مضامين اجتماعات مجلس الأمن الداخلي الفرنسي برئاسة رئيس الحكومة آنذاك ادوارد بالادور، والنقاشات المتباينة على مدار جلسات عديدة بشأن الأزمة الجزائرية بينه وبين وزراء من الوزن الثقيل. وفي هذا الإطار، قال شارل باسكوا ''إن تصورات وزير الخارجية الآن جيبيه ووزير الدفاع فرانسوا ليوتار تمثلت في ''قناعتهما بأن الجيش الجزائري لن ينجح في استئصال الجماعات الإسلامية المسلحة''، الأمر الذي سيفرض على السلطة في الجزائر خيار المفاوضات الحتمي''. وأضاف وزير الداخلية الفرنسي السابق بالقول ''إن تصورات آلان جوبيه وفرانسوا ليوتار كانت تنطلق وقتها من قناعة مفادها أن خيار المفاوضات يعبر عن رغبة لدى الجزائريين''، موضحا أن الوزيران المكلفان بالدبلوماسية والدفاع كانا ينطلقان في حديثهما حول الأزمة الجزائرية من تحاليل المديرية العامة للأمن الخارجي (جهاز التجسس الفرنسي)، ومصالح وزارة الخارجية. وأضاف باسكوا في سياق حديثه عن الأزمة الجزائرية في كتابه أنه حرص خلال جلسات مجلس الأمن الداخلي على انتقاد قناعات آلان جوبيه وفرانسوا ليوتار، وعمل دون هوادة على التشديد أمام زميليه على أن ''الجيش الجزائري لم يعط إطلاقا الانطباع وأنه تلاشى في حربه المعلنة ضد الجماعات الإسلامية المسلحة''. وقال باسكوا أنه استغل فرصة تبادل الآراء حيال الأزمة الجزائرية داخل الهيئة الأمنية لحكومة باريس للقول إن حرب الجزائريين على الجماعات الإسلامية المسلحة لم تكن نتيجة قرار مفروض من قبل السلطة وإنما خيار ''شعب بأكمله'' رفض منذ البداية التشدد والراديكالية. كما اعترف باسكوا في مذكراته بأنه لم ينجح في إقناع وزيري الخارجية والدفاع بتغيير تصوراتهما بشأن الأزمة الراهنة على الضفة الجنوبية من المتوسط. وقال باسكوا في هذا الصدد إن جوبيه وفرانسوا ليوتار ''بقيا متمسكان بآرائهما، وكان يتحدثان باهتمام عن مجموعة سان ايجيديو'' الكاثوليكية وخطتها من أجل إيجاد تسوية للأزمة الجزائرية بجمع أطراف الأزمة بما فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة على طاولة واحدة