مع إعلان وزير التربية الوطنية أبو بكر بن بوزيد ، عن قرار الحكومة القاضي برفع أجور مستخدمي قطاع التربية، والتي وصلت إلى 40 مليون سنتيم، بدأت عقول المعلمين في تسطير برامج ونسج مشاريع ينفذونها بعد دخول الزيادة إلى جيوبهم، خاصة وأنها جاءت بعد سنوات من الإنتظار، ولمعرفة هذه المشاريع البسيطة والمشروعة لمربي الأجيال، قصدنا عددا من المؤسسات، وكانت لنا دردشةٌ مع المعلمين حول مشاريعهم مع الزيادة الجديدة. ..''لماذا كل هذا الإهتمام بأجور المعلمين؟'' أول معلم تقربنا منه بقاعة الأساتذة في المؤسسة التي زرناها، دُهش من موضوع الإستطلاع قائلا :''لماذا كل هذا الإهتمام برفع أجور المعلمين؟، لماذا لا تتحدثون عن أجور سوناطراك والمؤسسات الكبرى الغارقة في الفساد؟''، قبل أن نحاول إقناعه بالموضوع، غير أن الرجل أصرّ على تهجمه، وقال إنه مباشرة بعد تلقي الزيادة، ستعرف الأسواق التهابا في الأسعار، لأن الجميع وكل التجار ينتظرون الزيادة في أجور المعلم البسيط، حتى يزيد هو أيضا في سعر سلعه، وكأن أجر المعلم هو من يستهلك الملايين التي تعود بها المحروقات على خزينة الدولة!. وواصل المعلم انتقاده للزيادات قائلا:''ماذا يمكن لهذه الزيادات أن تقدم إلى رب عائلة متكونة من سبعة أفراد؟، أنت شابٌ صغير وبدون مسؤولية ولا يكفيك أجر المعلم حتى نهاية الشهر!''. وختم حديثه معنا بالقول، أن كل مال الدنيا لا يعوض صحة المعلم وهو ''يحرق'' عقله ليتعلم ابن فلاح بسيط معادلة في الرياضيات أو حفظ سورة الفاتحة. ''الزيادات ستصب في جيوب البنوك...'' وأجمعَ العديد من المعلمين والمعلمات الذين التقتهم ''النهار'' في إحدى المؤسسات التعليمية بالجزائر الوسطى، أن هذه الزيادات ستصبُ في حسابات البنوك التي تدين لهم بالمال مقابل اقتنائهم لسيارات، كما هو حال المعلمة ''حليمة'' صاحبة العشرين سنة في تربية الأجيال، حيث قالت أن البنك يدين لها بضعف الزيادة التي ستستفيد منها، وأن هذه الزيادة ستصبها مباشرة في حساب البنك، ولن تشتري بها ولا شيء، قائلة ''عندي هدف واحد في حياتي، وهو دفع الدين الذي هو على رقبتي، فإذا مِتُ، سأقابل ربي بدون دين''، هذه الفكرة نفسها وجدناها عند زميلها المعلم ''بوبكر''، الذي قال إن الزيادة التي سيستفيد منها مع نهاية شهر ماي، ستوجه مباشرة إلى قضاء دين البنك، الذي أصبح هاجسا يؤرقه ويمنع عنه النوم، وقال أن صب قيمة مالية مثل تلك الزيادات التي سيستفيد منها عند البنك، ستمكنه من تقليص الخصم الشهري الذي يخضع له راتبه. الزيادة في الشتاء والأعراس في الصيف فيما فكر البعض من المعلمين، تخصيص رأس المال الذي سيستفيد منه لقضاء ديون البنك، حين أكّد لنا العديد من الأساتذة، أنهم يفكرون في تزويج أبنائهم خلال الصيف القادم، وهو حال مديرة مؤسسة تربوية التي فتحت لنا أبوابها بالعاصمة، والتي أكّدت أن ابنها سيعقد قرانه هذا الصيف على خطيبته، التي تنتظره منذ ثلاث سنوات، وقالت إنها ستقوم بتزين البيت وتهيئته من جديد، فيما ستخصص الشق المتبقي من المال في تنظيم حفل الزفاف، خاصة وأنها تريده حفلا كبيرا، كونه ولدها البكر، وأول زواج تقيمه في بيتها، وهو نفس مشروع زميلتها خليدة، التي أكّدت أنها ستساعد أخاها على الزواج، وقالت إن الزيادة ليست كبيرة، موضحة.. ''زوج دورو وندوهم على مراحل''، في إشارة إلى قرار الوزارة التي قررت دفع الزيادات في الأجور بأثر رجعي لكن عبر مراحل، فأضافت:''على الأقل سأساعد شاب جاي للدنيا على بناء أسرته وشق طريقه في الحياة''. صالونات الحلاقة والتبزنيس.. مشاريع في الأفق أستاذتان أخريان قالتا إن ''خبزة التربية'' لم تعد تكفي، ولذلك، قررنا التوجه إلى التبزنيس، الأستاذة ''مريم.س''، قالت إنها قررت فتح صالون للحلاقة بعد تلقي الزيادات المتأخرة كلها، حتى يتم تجهيزه بشكل يروق للوافدات عليه، فابنتها تملك شهادة في الحلاقة والتجميل، و''خبزة الحفافة'' أصبحت ب ''شلاغمها'' في البورصة، ولذلك، صارت صالونات الحلاقة أكثر إقبالا من المخابز والمطاعم، في حين، اقترحت زميلتها فتح محل لبيع الملابس، فجارتها تقتني الألبسة بسعر منخفض من سوريا، وتعاود بيعها في الجزائر بثمن مرتفع، خاصة ما تعلق بألبسة ''جهاز العروس''، ولذلك، فالأستاذة ستسلك هذا الطريق من أجل الظفر بمبلغ مالي وفير، يمكنها من جمع ''تشحيحة العاقبة''، لمن تبقى من أبنائها، فهي الأخرى لديها بنات وذكور تسعى إلى تزويجهم، ولكن غلاء المهور والمصاريف المرتفعة حال دون إدخالهم القفص الذهبي. وغير بعيد عن الأستاذتين اللتين يبدو أن حديثنا إليهما راق لهما، كانت تقف أخرى تنتظر قدوم زوجها المستقبلي لنقلها، أو قد يكون ''خطيبها''، فقالت أنها ستتزوج هذا الصيف، لأنه طال انتظار الحصول على المال من أجل تجهيز نفسها، وبما أن بن بوزيد قرر ضخّ الزيادات هذا الشهر، فذلك سيسهل من مأموريتها في اقتناء الألبسة والمجوهرات التي ارتفعت أسعارها بشكل لافت، ومع ذلك - تقول الأستاذة التي رفضت الكشف عن اسمها- أنها ستقصد صائغا لطالما كانت تشتري من عنده المجوهرات، لتختار ما يليق بها مع دفع المستحقات بالتقسيط، ''ناس ملاح يبيع فاصيليتي، من بكري نشري من عندو''، هي إذن عينة لبعض الراغبات في ''التبزنيس'' من النساء، ولأن الرجال أيضا لديهم مشاريع في المجال، فقد حاولنا فتح الموضوع مع أحدهم، الذي قال أن في حال دخول الزيادة كاملة، فلن يتوانى عن فتح محل للأغذية العامة في الحي الذي يقيم فيه، لأن المكان شبه منعدم، والسكان يقطعون الكيلومترات لشراء كيس حليب أو رغيف خبز، ''من بكري كنت حاب نحل حانوت بصح الشهرية قليلة ودوك كي فرج ربي، نفتحو ونديرلو خدام حتى نخرج ونشدو انا''... ''الزيادة قليلة وتروح في الكرش'' غادرنا المؤسسة التربوية التي التقينا بها ببعض المعلمين، لنتجه بعدها إلى مؤسسة أخرى، وهناك التقينا بمجموعة من المعلمات اللواتي كن بالقرب من المؤسسة التي يعملن بها، وكان ذلك في حدود الساعة الحادية عشر وانصف صباحا، اقتربنا منهن للحديث معهن عن الزيادات في الأجور التي سيحصلن عليها بأثر رجعي، ابتداء من جانفي الماضي، في البداية رفضن الإدلاء بأي تصريح بحجة أننا من الصحافة، لتعلق إحداهن:'' ألتهاو برواحكم وخلونا في حالنا كرهتونا حياتنا وانتم تهدرو علينا وعلى الزيادات..'' لتوافقها الرأي زميلتها..غير أن إحداهن خرجت عن الصف فأشارت لنا بيدها، ودعتنا لأخذ زاوية بالقرب من المدرسة للحديث معها، من دون أن تعير أي اهتمام لزميلاتها اللواتي رفضن الحديث معنا، فكانت تبدو في العقد الرابع، ترتدي حجابا طويلا وخمارا أسود كأن حزنا قد ألمّ بها..تداركنا أنفسنا مستجيبين لطبلها من دون أن ننطق بكلمة، هي السيدة ''وهيبة. س''، أستاذة لغة فرنسية التحقت بمهنة التدريس منذ 20 سنة، وهي اليوم أم لخمسة أبناء من صلبها، وفي نفس الوقت، أم للعشرات والآلاف من التلاميذ الذين تخرجوا على يدها، والذين هم اليوم إطارات في الدولة..حدثتنا عن تجربتها في مجال التدريس وتمنت لو أن الزمن يعود بها إلى الوراء، لاختارت مهنة أخرى غير التدريس لأسباب عديدة..ولما سألناها عن الزيادات في الأجور التي أعلنت عنها الحكومة مؤخرا، والتي ستدخل بأثر رجعي، توقفت عن الحديث للحظات..ابتسمت لتضيف قائلة:''راكم تهدرو على الزيادة وعلابالكم بلي تروح قبالة للكرش يا خاوتي''..