تبرز المحاكم في أحيان كثيرة قصصا من الواقع تكون أقرب منها إلى الخيال، خاصة عندما يكون مسرحها قلب المجتمع الجزائري الذي عرف تفكك العديد من قيمه وتقاليده، بدليل مأساة الفتاة ''أ.ص'' التي عاشت حياتها في فرنسا قبل أن تقرر والدتها سنة 1996 إدخالها التراب الوطني، لتعيش مع جدتها وخالها الذي تحمّل مسؤوليتها، دون أن يدرك يوما أنه سيرافقها خلال شهر مارس من سنة 1998 إلى مصالح الأمن لحجوط، من أجل التبليغ عن أشخاص معروفين قاموا بالإعتداء على ابنة أخته. تقدم المتهم الرئيسي لخطبة الفتاة التي كانت قاصرا وقت الوقائع بعد أن تعرفا على بعضهما البعض في مركز التكوين المهني والتمهين في حجوط، إلا أن أهل والدتها رفضوا فكرة ارتباطها به، وهو ما لم تقتنع به وبقيت على علاقة خفية معه بالرغم من معارضة الأهل، وهو ما جعل المتهم ''ج.س'' الذي كان يبلغ من العمر وقتها 24 سنة يقنعها بحل يرضخ الجميع قبول علاقتهما، وهو ما قبلت به الفتاة التي أصبحت تتردد على بيت جدة هذا الأخير عدة مرات، قبل أن تفاجأ في أحد الأيام بشقيق المتهم يخبرها أن شقيقه غادر الجزائر متوجها إلى فرنسا، وقد طلب منها اللحاق به في أقرب فرصة.ودون إدراك للعواقب التي ستنجر عن تصرفاتها راحت المعنية بالأمر تحضر لإجراءات السفر بمساعدة شقيق المتهم الذي حجز لها تذكرة السفر، كما قامت بصرف مبلغ مالي كان معها لتتجه إلى مطار هواري بومدين على متن سيارة أجرة، لكنها وفور محاولتها المرور في الجناح الدولي في اتجاه الطائرة أوقفت من طرف المراقبة التي اكتشفت أنها قاصر، ولا تحوز على تصريح أبوي لمغادرة البلاد، لتقضي ليلتها تلك في جناح الخطوط الداخلية للمطار قبل أن تتعرف على شخص من ولاية تسمسيلت، أخذها معه إلى عدة أماكن بعد أن اعتدى عليها جنسيا، ويتركها في بيت شقيقته ويعود إلى العاصمة، أين اكتشف أن الشرطة تبحث عنها فعاود الإتصال بأخته لإخبارها بالأمر، ليتكفل بها شقيقه في وقت لاحق وينقلها إلى منزل شخص آخر بقيت ليلتين عنده، وتعرضت فيه إلى اعتداء جنسي آخر، بعد أن قام الجاني بتخديرها باستعمال مشروب غازي ممزوج بمشروب كحولي.الفتاة وفي ظل تلك الظروف تمكنت من الإتصال سرا بخالتها التي طلبت منها العودة إلى المنزل مهما كان حالها، وهو ما أقدمت عليه الفتاة خاصة بعد أن قرر الجناة التخلص منها بعد تأكدهم من أن الفتاة مبحوث عنها ليوصلها أحدهم إلى محطة المسافرين في تسمسيلت، وقام بتأجير سيارة أعادتها إلى ذويها في حجوط.وبعد التحقيق تم تحديد هوية الجناة وألقي عليهم القبض وقدموا بعدها إلى العدالة التي قضت ضدهم بأحكام مختلفة، فيما بقي المتهم الرئيسي في حالة فرار كونه كان في فرنسا، أين ارتبط بفتاة مغتربة ورزق منها بطفل وعاش حياة طبيعية، إلى غاية إلقاء القبض عليه مؤخرا في مطار هواري بومدين بمجرد دخوله أرض الوطن، ليمثل أمام محكمة الجنايات بعد مرور 12 سنة كاملة من الوقائع التي أنكرها تماما، مؤكدا أن لا علاقة له بما حصل للضحية قائلا، إنه رغب فعلا في الزواج بها وأنه لم يكن فارا حينها، بل اضطر إلى السفر لظروف خاصة، ليطالب النائب العام بتسليط عقوبة 7 سنوات سجنا نافذا في حقه، أما المحكمة وبعد غلق باب المرافعات عادت لتنطق بحكمها الذي برأ المتهم من كل ما نسب إليه،وهو الحكم الذي كانت زوجة المتهم المغتربة تنتظره بفارغ الصبر من أجل طي صفحة الماضي بالنسبة إلى زوجها ووالد ابنها.