قال مارك جون وهو شاب زنجي يعمل بوكالة تابعة لمتعامل الهاتف النقال ''أم تي أن'' في حديث خص به ''النهار''، أن مبيعات الفرع الذي يعمل به قد فاق كل التوقعات وأكد بأن غالبية الزبائن هنا في بريتوريا من مشجعي المنتخب الجزائري إذ بلغ عدد الشرائح التي بيعت خلال الأربعة وعشرين ساعة الماضية أكثر من 1500 شريحة، وهو رقم قياسي بالنسبة له وشهادة حية على التنقل القياسي لمشجعي الخضر والتواجد المكثف لهم، إلى درجة أن المتجول بشوارع العاصمة الجنوب إفريقية يخال نفسه في إحدى الولايات الجزائرية. فمنذ الساعات الأولى من الصباح يبدأ تدفق عشاق محاربي الصحراء من كل الممرات والأزقة في صورة كتل بشرية وسيول من الشبان المتزينين بقمصان كتيبة الناخب الوطني رابح سعدان، تصب كلها في شارع ''برونات'' بمحافظة ''هاتفيلد'' وعند التقاء حوالي 1200 مناصر في الشارع الرئيسي تحول المكان إلى ساحة للرقص والهتافات المدوية وسط أجواء مفعمة بالحماس أمام ذهول مشجعي منتخبات الأرجنتين، اليابان وحتى الجنوب إفريقيين الذين لم يترددوا في مشاركة نظرائهم الجزائريين في ''الزهو'' والتقاط صور تذكارية بآلات التصوير والكاميرات الرقمية. ''لبنان فاست فود'' يتحول إلى مرقص ومطعم شعبي وبما أن العثور على مطعم يقدم أكلات من لحم حلال ومذبوحة على الطريقة الإسلامية من باب المستحيلات السبع، تحول المطعم الراقي ''لبنان فاست فود'' الذي يعرف إقبالا قياسيا لمشجعي الخضر وحتى الجالية العربية المتواجدة هنا، إلى نقطة رئيسية لإلتقاء المشجعين، وبمجرد انتشار خبر تواجد مطعم يقدم وجبات حلال حتى تحول المحل إلى متجر عاجز عن تقديم طلبات زبائنه المتزايدة، ونظرا لطيبة صاحب المحل فوزي أحمد القرميشي قام بتجنيد حتى بناته لتوفير أحسن الخدمات لأنصار الخضر ثم قام بإخراج مكبر صوت وإطلاق أغاني المنتخب الجزائري، وفي تلك الأثناء تحول المطعم المكتظ عن آخره إلى مكان للرقص وترديد شعارات المنتخب في صوت رجل واحد هز أركان الشارع الرئيسي لبريتوريا. اللحم الحلال يجلب من مذبح إسلامي في بريتوريا وفي حديثه إلينا أجزم السيد فوزي أحمد بصفته من مسلمي لبنان، بأن اللحوم الحمراء والبيضاء التي يقدمها لمطعمه يتم ذبحها على الطريقة الإسلامية وهو أمر لا شك فيه على حد تعبيره، وبخصوص المكان الذي يتم فيه الذبح كشف بأن بريتوريا تحتوي على مذبح اسلامي يشرف عليه هنود مسلمون، كما أن الجالية المسلمة هنا تقوم كل شهر بحملة تفقد لمراقبة اللحم الحلال التي تقدم للمسلمين وحتى لموظفي سفارات الدول الإسلامية، وعن تلك الأجواء الإستثنائية التي يعيشها مطعمه رد محدثنا بأن لديه فكرة عن المشجعين الجزائريين وطريقة مؤازرتهم وتعلقهم بفريقهم الوطني سيما وأنه عاش مدة طويلة في باريس وتعايش مع الجالية الجزائرية هناك، لكنه لم يكن يعتقد بأنهم حماسيون لهذه الدرجة، وأعرب السيد فوزي عن سعادته بتلك الأجواء مؤكدا أنه على أتم الإستعداد لخدمة الجزائريين ليس فقط لأنهم عرب بل لكونهم ممثلي الوطن العربي ككل. الأنصار أجّروا السيارات والأبواق ''هوّلت'' المدينة ولم يكتف مشجعو الخضر المنتشرون في كل زوايا المدينة بالتجول بالرايات الوطنية مشيا على الاقدام، حيث تفاجأ الجميع بتزايد السكان المحليين بالسيارات المزينة بالأعلام الجزائرية تصول وتجول في كل الطرقات وتزاحم أنصار البافانا بافانا بأبواقها وهتافات ركابها، وقد اعتقد الجميع أن الأمر يتعلق بسيارات الجالية الجزائرية لكن سرعان ما تبين أن السيارات تقل مشجعين تنقلوا ضمن السفريات الخمس، حيث قاموا رغم إرتفاع الاسعار بسبب المونديال بتأجير السيارات من الوكالات الخاصة، كل هذا من أجل صنع أجواء جزائرية خالصة. الأنصار ''تلّفوها حتى لفرقة فولكلورية متجولة'' ومثلما جرت عليه العادة في مثل الإحتفالات الرياضية التي تحتضنها الدول الافريقية من خلال توفير أجواء تعبر عن تراث القارة السمراء، ولباسها وآلاتها الموسيقية التقليدية، كانت لإحدى تلك الفرق جولة في بريتوريا، لكن مشجعي رفقاء بلحاج لم يكتفوا بمتابعة تلك الفرقة بل ''تلفوها'' لأعضائها لما جردوهم من طبولهم وأخذوا يقرعونها على الإيقاع المعروف في ملاعبنا ويرقصون مما جعل الجميع يندهش بالفرجة التي صنعها الجزائريون بأغانيهم الرائعة. القمصان الجزائرية الأغلى ونفدت من الأسواق وبما أن نهار أمس كان يوم عطلة عرفت الأسواق المحلية اقبالا منقطع النظير لكن ما لفت انتباهنا ونحن نتجول في السوق الرئيسية لبريتوريا نفاد الأقمصة الجزائرية التي لم نعثر على أثر لها، إلى درجة أننا اعتقدنا بأن التجار لم يقتنوها أصلا، لكن عندما سألنا أحدهم قال أنه باع 200 قميص وأكد بأنه ندم على عدم اقتناء أكبر عدد ممكن ولم يخف علينا أن القمصان الأخيرة بلغ سعرها 300 راند مقابل 190 راند لقمصان باقي الدول. أركيسترا الخضر بدأت التحضيرات الفعلية قبل اللقاء ب 48 ساعة وبعد استكشاف مدينة بريتوريا واستطلاع كل زواياها أخذ مشجعو محاربي الصحراء يرتّبون أنفسهم بشكل جدي مع اقتراب لقاء سلوفينيا في بولوكوين، وذلك من أجل تشكيل قوة حقيقية فوق المدرجات والوقوف إلى جانب اللاعبين ودفعهم إلى تحقيق الفوز في أول خرجة، وقد عرفت إقامة الأنصار اجتماعات متتالية ردد فيها الجميع أهم الأغاني التي من المنتظر أن تهز أرجاء الملعب وكأن الأمر يتعلق بأركيسترا حقيقية. عتاد الإقامة ''دار الهول'' والطبول ستكون حاضرة وبما أن أنصار الخضر ممن تنقلوا عبر الرحلات الخمس التي انطلقت من مطار هواري بومدين أقاموا بمنطقة تضم عددا من الأحياء الجامعية، لم يفوت عدد من الأنصار المشاكسين الفرصة لإختراق مختلف الإدارات والفروع الجامعية، حيث تمكن أحدهم من العثور على مجموعة من العتاد الموسيقي وقام بجلب عدد من الطبول وآلة بيانو التي وجدت من يعزف عليها باتقان لتتحول قاعة الشاي إلى قاعة حفلات دوت الإقامة إلى غاية ساعات متأخرة من الليل، وقد أكد أحدهم أنه يحول تلك الطبول إلى الملعب واستغلالها لإضفاء أجواء حماسية. وهو الأمر الذي لم يجد ما يعلق عليه المؤطرون والقائمون على شؤون الحي إلى درجة أن المقيمين الجزائريين أصبحوا يوفرون لأنفسهم ما يحتاجونه لوحدهم وحتى الأعطاب الكهربائية تم إصلاحها وقد علق أحدهم بأن الجزائريين ''ما تغيبلهم في والو.. كاين الموسيقار وكاين الكهربائي''. الإيزارات والوسائد تحولت إلى رايات ومن أجل تمرير رسائل إلى العالم من خلال الرايات التي يتم تعليقها بالمدرجات جاءت فكرة استغلال الإيزارات والوسائد بيضاء اللون إلى رايات ولافتات، حيث قام عدد من الأنصار باقتناء علب الطلاء وأقلام اللباد من المراكز التجارية لتتحول جل الغرف إلى ورشات لتحضير الرايات، ووسط أجواء تملؤها الحوية والنشاط تم ضبط كل الأمور كي تكون الرايات الجزائرية الأكثر حضورا. أما الوسائد فكتب عليها اسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في شكل كل حرف على وسادة يحمل مناصر واحد. راية غزة بالإنجليزية ستكون الأفضل ومن بين أهم الرايات التي تم إنجازها راية موجهة إلى كل العالم كتبت عليها باللغة الإنجليزية ''GAZA YOU RE NOT ALONE '' أي أن غزة لن تكوني وحدك والشعب الجزائري كله وراءك، وقد فضل صاحب الفكرة تمرير رسالة متشبعة بروح القومية العربية والإسلامية والإيمان بالقضية الفلسطينية.