على الرغم من أنّ لقاحات الأطفال تندرج ضمن الحملة الوطنية للتلقيح، وتمنح بالمجان، إلاّ أنّها تباع ب 1000 دينار وقد تصل إلى 1800 دينار في العيادات الخاصة، وذلك في ظل الأزمة الحادة التي تشهدها مراكز الأمومة والعيادات متعددة الخدمات. إلاّ أن الانقطاع في مخزون اللقاحات على مستوى القطاع العام، وتسريبها بطرق ملتوية إلى العيادات الخاصة، كان فرصة لهذه الأخيرة للمتاجرة بصحة من لا حولهم ولا قوة، لتحقيق المزيد من الأرباح. ولتقصي حقيقة ما يجري، ارتأت ''النهار'' تسليط الضوء على هذا المشكل العويص الذي أرّق الأولياء، وتحول إلى كابوس حقيقي لهم، بالنظر إلى زيادة نسبة احتمال إصابة الأطفال غير الملقحين بمختلف الأمراض، وهو الحال بالنسبة ل ''ر.ب'' الذي لم يتمكن من تلقيح ابنه الذي يبلغ 7 أشهر بلقاحي الشهر الرابع والخامس، بحجة عدم توفره، أو نفاذه بسرعة، إذ أكد لنا أنه قصد العيادة متعددة الخدمات لبرج الكيفان 15 مرة، وفي كل مرة يقال له فيها أن اللقاح غير متوفر، بالمقابل تم توجيهه إلى عيادة خاصة في ذات المنطقة، توفر اللقاح مجانا في المرة الأولى، على أن يسدد الوليّ 2000 دينار عند تلقي الطفل للقاحات القادمة، ولم يقتصر الأمر على تلك العيادة، بل امتد ليشمل عيادات أخرى، وسط تباين في الأسعار، حيث توجد عيادات تعرضه ب 1800 دينار فقط، وإذا ما قمنا بعملية حسابية بسيطة، فإن العبوة الواحدة للقاح تكفي ل 10 جرعات، لتباع بذلك ب18 ألف دينار دون أي عناء. والمشكل الذي يطرح بشدة، هو صلاحية اللقاحات المستعملة، وما إذا تم احترام شروط التبريد الخاصة بها، كونها سريعة التلف، في حال لم يتم التأكد من شروط السلامة، وهو الأمر الذي يزيد من احتمال إصابة الأطفال بالشلل، السعال الديكي والبوحمرون، وحسب مصادر موثوقة من وزارة الصحة، فإن اللقاحات فاسدة، ولن توفر أية حماية للطفل في حال تلقيه لها. وفي هذا الشأن؛ أفادت مصادر رسمية من وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات ل ''النهار''، عن الشروع في حملات تفتيش واسعة على مستوى مراكز الصحة الجوارية، والعيادات متعددة الخدمات، بالإضافة إلى العيادات الخاصة، لكشف كيفية تسرب اللقاحات إليها. الشّروع في جرد كافّة السجلات لتقصي وجهة اللقاحات وأوضحت المصادر التي أوردت المعلومات، أن المفتشين الذين يقدر عددهم ب 300 مفتش، سيقومون بعملية جرد ومسح كاملة للسجلات الرسمية التي قيدت عليها كميات اللقاحات المستخدمة، وهل تم تلقيح الأطفال بها حقيقة، وأضافت ذات المصادر؛ أنه ستتم مقارنة كافة البيانات مع الكميات التي تم استخدامها مع المخزون، لكشف إذا ما تم استخدامها فعليا، أو تسريبها إلى العيادات الخاصة. وعلى صعيد متصل، كشفت مصادرنا، أن حملات التفتيش ستمس كذلك العيادات الخاصة، التي تمكنت من الحصول على اللقاحات، مؤكدة في هذا الشأن أن عملية اقتناء هذا النوع من الأمصال، تدخل في إطار برنامج الحملة الوطنية للتلقيح الذي تقوم الدولة بتمويله من الخزينة العمومية، مشيرة إلى أنّ توفر هذا النوع من اللقاحات عند الخواص، تم من خلال التهريب، خاصة على مستوى المراكز الصحية الجوارية، وأن عملية التدقيق التي سيقوم بها أعوان التفتيش، من شأنها الكشف عن الوجهة التي سربت إليها اللقاحات، وبالمقابل سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المخالفين، وفي إطار متصل، ذكرت مصادرنا أن وزارة الصحة عمدت إلى تقليص الكمية التي تستفيد منها المستشفيات العمومية والمراكز الصحية، وتغيير نمط توزيع اللقاحات على المستشفيات والمراكز الاستشفائية عبر الوطن. بالإضافة إلى ذلك، ستفتح تحقيقات في كيفية تلف كمية معتبرة من لقاحات الأطفال بمركز بوشنافة بالعاصمة، بحجة انقطاع الكهرباء عن المركز لمدة يومين. عمادة الأطباء: عدم توفّر اللّقاحات قنبلة موقوتة على الصحة العمومية كشف الدكتور بقاط بركاني، رئيس مجلس عمادة الأطباء الجزائريين، أنّ عدم تلقي الأطفال للقاحات المضادة للديفتيريا، التيتانوس، الكوليرا، خصوصا في الشهر الثالث، الرابع، الخامس، يشكل خطرا كبيرا على صحتهم، مؤكدا أن لقاحات الأطفال الرضع في هذه الفترة من العمر، لابد أن يتم في وقته، سيما مع كثرة الأمراض التي قد تصيبهم على المدى البعيد. وأوضح ذات المتحدث، في اتصال مع ''النهار''؛ أن المشكل الذي فرض نفسه بشدة في الآونة الأخيرة، هو عدم وفرة اللقاحات على مستوى المراكز الصحية، حيث اشتكى العديد من الآباء والأمهات من النقص الفادح في لقاحات الأطفال الرضع، خصوصا في شهرهم الثالث والرابع، وسط مخاوف شديدة من أن يفرز ذلك مضاعفات صحية تضر بسلامة أبنائهم، وذكر بقاط أنّ عدم تلقي الطفل للقاح سيتسبب في إصابته بأمراض لا عد ولاحصر لها على المدى البعيد، في الوقت الذي نسمع فيه من قبل مسؤولي وزارة الصحة، منذ أشهر طويلة أن اللقاحات موجودة، إلا أنه في الواقع لا شيء متوفر. وأكد بقاط أنّه في حال عدم تدارك الوضعية، فإنّها ستكون قنبلة موقوتة على الصّحة العمومية، مطالبا عن المسؤول الأول القطاع تحديد المسؤولين عن هذه المهزلة، التي تمس أهم عنصر وهو الوقاية، كون ميكروبات الدفتيريا والتياتوس لا تزال متواجدة في الأجواء.