في جو مهيب، التقى جمع من الأدباء على اختلاف مشاربهم مساء أول أمس بالمسرح الوطني محيي الدين باشطارزي، ليترحموا على روح الشاعر المتميز مالك بوذيبة الذي وافته المنية منذ أقل من أسبوع، لتكون هذه أول وقفة “تكريمية” لشاعر عاش في صمت وكتب في صمت ومات في صمت كذلك. لم نكن في حاجة إلى تذكر الشاعر مالك بوذيبة، لأن التذكر لا يصح إلا ما الذكريات، إلا مع حدث احتضنه الماضي. أما بوذيبة وفيره من أدباء منحوا الأدب من غير أن ينتظروا مقابلا، فلا يمكن أن يقبح أسير الماضي لنضطر إلى تذكره. كانت هذه غاية التأبينية التي دعت إليها الشاعرة المتميزة لميس سعدي في بهوالمسرح الوطني، وهي وقفة جديرة بالاحترام لاسيما أنها كانت أول ندوة تنظمها هذه الشاعرة بصفتها منشطة لصدى الأقلام لهذا الموسم. لم تعرف التأبينية حضورا مكثفا من قبل الأدباء ولا من رجال الصحافة الثقافية، ومع هذا حضرت وجوه ثقافية ربطتها صداقة بالراحل وإن كانت عبر نصوصه فحسب، وهوالاعتراف الذي جاء على لسان منشطة صدى الأقلام في نهاية التأبينية حيث قالت: “لم أتعرف شخصيا على مالك ولكنني وأنا أقرأ أشعاره الآن أشعر بمدى روعته وأشعاره.. إنه بحق شاعر كبير”، مطالبة بالمناسبة بطبغ أعماله الشعرية وتحليده عبرها. التأبينية عرفت مداخلات كل من سليمان جوادي، سعيد حمودي، وشهادة للشاعرة لميس سلوى سعي قرأتها الروائية والإعلامية أمينة شيخ، وهي مداخلات تقاطعت في معظمها في الإشادة بخصال الشاعر مالك بوذيبة وإنسانيته التي عرف بها من خلال تعاملاته أوحتى من خلال نصوصه التي قرأ بعضها بالمناسبة. وعرفت التأبينية حضورا متميزا للقاص الجزائري عبد حميد إيزة الذي اعتزل الحياة الأدبية ليجد نفسه مجبرا على الظهور في هذه المناسبة التي فال عنها في حديث جانبي مع “السلام اليوم”، أنها واجب لا تفرضه الصداقة فحسب، بل الصدق مع الذات الذي يجعلنا نعترف بعبقرية هذا الشاعر وبأخطائنا المزمنة إزاء أدبائنا في الجزائر، أخطاء تجعلنا رغما عنا أولتعودنا عليها نتجاهل “النبي” في حياته لنرفعه على الأكتاف حين يموت. وقدم الشاعر سعيد حمودي شهادة مؤثرة علن الشاعر الراحل، جعلت الحضور متأثرا أيما تأثر، في حين حمل حديث الشاعر الكبير سليمان جوادي عن الراحل إلى التأمل في حياة شاعر لم يأبه بالشهر والأضواء، مفضلا الحياة في صمت ليبدع نصوصا ستخلده بلا شك. وتوفي الشاعر مالك بوذيبة عن 44 عاما، وقد شيعت جنازته في نفس اليوم ببين الويدان ولاية سكيكدة. الشاعر الذي كان يشتغل مخرجا بإذاعة سكيكدة ترك طفلا وثلاثة دواوين شعرية هي : عطر البلديات، قمر لأزمنة الرماد، ما الذي تستطيع الفراشة إلى جانب عدة مخطوطات.وظهر مالك كصوت شعري قوي في الثمانينات واستطاع عبر قصائده المنشورة في الصحافة أن يلفت الأنظار إليه، واعتبر من “ المجددين” الذين تراهن عليهم القصيدة الجزائرية. وبالاختفاء المبكر لمالك بوذيبة يفقد الأدب الجزائري صوتا مهما كان يعد بالكثير.