عبّر العديد من شباب بلدية مغنية، خلال جولة استطلاعية قامت بها "السلام اليوم" عبر قرى ومداشر البلدية، عن فقدانهم الأمل في الحصول على مناصب عمل أو سكن، حيث بات هذان المطلبان مسألة تؤرّق الكثيرين، وتدفعهم إلى التفكير في الهجرة رغم أن هذه الشريحة تشكّل الجزء الأكبر من سكان المنطقة. بطالون وخرّيجو جامعات يحمّلون مسؤولي البلدية معاناتهم استاء بعض الشباب ممّن التقتهم "السلام اليوم" بمختلف مناطق دائرة مغنية، من الوضعية التي باتوا يعيشونها، معبّرين في ذات السياق عن سياسة التهميش واللامبالاة التي تمارَس في حقّهم من طرف مسؤولي البلدية، خاصة أن أغلبهم خرّيجو جامعات يعانون البطالة منذ سنوات عديدة. ومن الأولويات التي يريد الشباب المغناوي تحقيقها الحصول على منصب عمل وإيجاد سكن، وتُعتبر هذه المطالب من ضروريات العيش الكريم. يحدث هذا في الوقت الذي عجزت وكالات التشغيل عن تلبية مطالبهم، حيث لايزال أصحاب الحقوق؛ من حمَلة الشهادات الجامعية مهمّشين، وأكبر دليل على ذلك تجمّع عدد هائل من الشباب بدائرة مغنية أمام مقر الوكالة المحلية للتشغيل يوميا منذ الصباح الباكر، وإن كان الشغل يحتل صدارة الأولويات فالسكن يأتي في المرتبة الثانية، إلا أن هذا الحلم مرهون بأزمة حقيقية يعيشها القطاع على مستوى الولاية، فأي شاب قبل التفكير في الزواج لا بد له من التفكير في الشغل والسكن حتى يؤمّن حياته، هذا ما سمعناه من أغلب الشباب الذين تحدثنا إليهم عن مشاكلهم، ومنهم الشاب أحمد، الذي قال بلهجة غضب، إن عمره تجاوز الثلاثين وليس له بيت بمفرده أو عمل يضمن له العيش الكريم رغم أنه متحصل على شهادة جامعية منذ أربع سنوات، مضيفا أنه يقطن بجانب سبعة أفراد من عائلة في شقة صغيرة. معظم من تحدثنا إليهم يعيشون الوضع نفسه، فأغلبهم يقطنون بجانب عائلات كبيرة، نتيجة غياب السكن والشغل. مرافق شبانية ناقصة والموجودة بحاجة إلى مؤطرين من جهة أخرى، أكثر ما يؤرق شباب مغنية هو غياب المرافق الشبانية رغم الموقع الاستراتيجي للمنطقة، حيث تكاد تنعدم هذه المرافق بالبلدية، وإن وُجدت فهي بحاجة ماسة لمؤطّرين مع غياب المساحات الخضراء للترفيه عن النفس من طرف العائلات، ما يجعل المقاهي الملجأ الوحيد للترفيه عن النفس. وفي هذا الإطار طالب بعضهم بتهيئة الحدائق المهملة منذ فترة طويلة، إضافة إلى تأهيل دار الشباب. للإشارة، فإن بلدية مغنية يوجد بها حديقة واحدة أمام مقر الدائرة تعاني الإهمال منذ سنوات عديدة، كما أنها تحتوي على دار الشباب غير مهيأة كليا، في الوقت الذي تراهن السلطات المحلية على ضرورة تأهيل وإعادة الاعتبار للمرافق المهمَلة، غير أن ذلك بقي مجرّد حبر على ورق، وموعد إنجازه على أرض الواقع لم يحدَّد بعد. وليد 35 سنة بطّال يبيع السجائر قال: "واللّه ما ننتخب، علاش نفوطي كاش ما يتبدل علي، وملّي صرت في عمري 20 سنة وأنا نبيع الدخان، لا خدمة ولا سكنة ولا زواج!". 10 ماي.. موعد لا حدث عند أغلب من استطلعنا آراءهم شاب يبلغ 29 سنة، مستواه ثانوي بائع الخضار، تحدّث بكل يأس عن المسؤولين السابقين الذين وصلوا إلى مراكز بعد انتخابهم وبعدها تخلّوا عن وعودهم، قال في هذا الصدد محدثنا: "هؤلاء المترشحون غير يهفو فينا وفي الشعب، والله ما يديرو لنا والو! أنا بعد ما نفوطيش...". من جانبه، قال سفيان 26 سنة يعمل نادلا بمقهى: "عندي شهادة ليسانس في علم النفس وأنا نسربي القهوة ولاتاي... أنقولك يا أخي لي يترشح اليوم من أجل المصالح أنتاعه...". توجّهنا بعدها إلى محطّة نقل المسافرين، واخترنا الرواق الخاص بسيارات نقل المسافرين باتجاه قرية أولاد الشارف، وتحدّثنا إلى إحدى الفتيات، سهيلة 23 سنة، كانت برفقة أمّها، قالت إنها ستنتخب لأول مرة ولكن عشوائيا لأنها لا تعرف من الأحزاب السياسية إلا القليل، بل ولا تفهم في السياسة شيئا وأنها ستتوجه إلى مكتب الاقتراع في الفترة المسائية رفقة زميلاتها؛ لأنها فرصة للتنزّه بعد عملية التصويت في الشارع وبين الأسواق. أما أمّها فقالت: "أنا على خلاف ابنتي؛ لن أنتخب لأنني ببساطة لم أنتخب في حياتي ولو مرة". رحمة منظفة بإحدى المؤسسات التربوية الابتدائية والتي تتقاضى أجرا لا يزيد عن 12 ألف دينار قالت: "الانتخاب واجب ولكن علاش نفوطي راني في عشرين سنة خدمة وما نملكش مسكن، أودعت عدة ملفات ولم أستفد من مسكن يؤوي عائلتي، راني نكري ب 8000 دينار، وأتنقل من دار لدار...!". وبدورها، فتيحة 30 سنة موظفة، قالت: "خلال الانتخابات السابقة انخرطت في حزب سياسي، وبذلت مجهودات كبيرة خلال الحملة الانتخابية، بهدف جمع أكبر عدد من الأصوات وبالطبع لصالح الحزب نفسه، غير أنه وبعد وصول متصدّر قائمة الحزب ذاته إلى البلدية، لم أستطع الوصول إليه بل وكل وعوده لي بمنحي سكنا لم أتمكن من مقابلته وتخلى عني، وعليه الثقة مفقودة في منتخبينا، ولن أنتخب صراحة". منتخبون يبحثون عن مصالحهم.. أكثر ما سمعناه وقد اكتشفنا خلال استطلاعنا هذا أن الانتخاب لا يمثل حدثا في يوميات بعض المواطنين في الشارع التلمساني. وفي هذا الصدد قال مصطفى 45 سنة موظّف بإحد القطاعات العمومية قائلا: "الانتخاب لا يعني لي أي شيء... أعلم فقط أن المنتخبين همّهم الوحيد السلطة، ومنه اللّهث وراء جمع المال وتطوير العلاقات لقضاء المصالح المتبادَلة، والمواطن المسكين الذي ينتخبهم يبقى يتخبط بين أزمات متعدّدة منها البطالة والسكن والأمراض والتهميش على جميع المستويات". ورغم أن الكثير من الشباب رفضوا البوح بما يدور في أذهانهم حول استحقاقات 10 ماي المقبلة، إلا أن البارز هو مقاطعة صناديق الاقتراع، وعدم التوجه إلى الانتخابات. وحسب العديد لحدّ الآن لم يجدوا الحزب الذي يمثلهم، ولعل هذا أكبر دليل على فقدان هؤلاء الأمل في الحصول على مناصب شغل، وأكثر ما يطمح إليه هؤلاء إيجاد آذان صاغية لدى السلطات المحلية والولائية كافة، في أخذ مطالبهم بعين الاعتبار والتعجيل في إيجاد حلول تخفف عنهم معاناتهم اليومية.