قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} البقرة. فاستحضار القلب هذا البر والإحسان واللطف، يوجب قربه من الرب سبحانه وتعالى، وقربه منه يوجب له الأنس، والأنس ثمرة الطاعة والمحبة، فكل مطيع مستأنس وكل عاص مستوحش. المحبة هي الطريق كثيرا منا علاقته بالله روتينية فهو يتعبد لله وفقط، لأنه اعتاد ذلك منذ الصغر. إننا نريد أن تكون العلاقة بيننا وبين الله علاقة حب، قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، ولاحظ أن الله ابتدأ بقوله {يُحِبُّهُمْ} فالعلاقة بينك وبين الله علاقة حب وأساسها الحب "فليس العجب من عبد يتودد إلى سيده لكن العجب كل العجب من ملك يتودد إلى عبيده". من يكن قلبه مشغولاً بحب الله عامراً بالإيمان به سبحانه، يجد في نفسه الأمان والسلام والاطمئنان، ويشعر بالأنس بالله في كل لحظة في حياته، مستأنساً بذكره له سبحانه وتعالى، بعبادته له بتلاوته للقرآن الكريم. والأنس بالله شعور يمتزج بالهيبة والخشوع، يغمر كيان الإنسان كله مما يجعله يجد سعادته في خلوته، وهناءة في وحدته، يناجي ربه، يشكو همه إليه. يشكره على نعمته، يتغنى بالدعاء له والثناء عليه والتسبيح والتقديس له عزوجل، ويشعر بأن كل ما في الكون من مخلوقات نغمات مميزة تشترك معه في التسبيح لله عز وجل فيحس بأن هناك ألفة ومودة بينه وبين الطبيعة وجميع المخلوقات الأخرى. هناك صداقة بينه وبين الكون. إنه يفهم لغة الكون والكون يفهم لغته، وهذه اللغة المشتركة بينهما هي التسبيح والشكر لله، والإحساس بآثار حب الله في الوجود كله. وبعض الناس يعتقدون أن الوحدة تعني أن يعيش الإنسان وحيداً أي وحدة الوجود الإنساني، في حين أن الإنسان المستأنس بالله في كل لحظة أيقن وعرف أن هذا ليس هو مفهوم الوحدة أو الغربة، فإن الشعور بالوحدة هو فراغ القلب من حب الله. الأنس الحقيقي إن الأنس الحقيقي هو أنس الله وليس أنس الإنسان، وأن الفراغ الحقيقي هو فراغ القلب من حب الله وليس فراغ الوجود الإنساني. وإذا كان البعض يؤدب بالحبس الانفرادي فإن المسلم في خلوته يستشعر حلاوة الأنس بالله، فمن الممكن أن يكون الإنسان حوله حشد من الناس ومع ذلك يشعر بالوحدة والفراغ القلبي، ومن الممكن أن يعيش وحيداً ولكنه يحس بالأنس وكأن المخلوقات والكائنات جميعها اجتمعت وحضرت لتؤنس وحدته مع أنه في الحقيقة يعيش وحيداً بمفرده. أما من كان قلبه فارغاً من حب الله والأنس بالله، فإنه سيشعر بالوحدة والغربة والعزلة حتى ولو كان حوله الناس جميعاً، وهنا سيغلق القلب أبوابه وستفتح النفس أبوابها التي تقود الإنسان إلى سبيل الشهوات والنزوات والهوى، فيضل السبيل ويسلك طريق الضياع، والحيرة، والتخبط، والهلاك الذي يودي به حتماً إلى الشقاء. فالقلب دائماً يفتح أبواب طريق النور، أما النفس فتفتح أبواب طريق الهوى. وانشغال القلب دائماً بالله وحب الله يفتح لنا أبواب طريق النور بأمر الله حيث الأنس بالله، والسلام النفسي مع كل شيء في الوجود، فترتقي النفس إلى حيث يجب أن تكون من الصفاء والنقاء والنورانية. أدوات الأنس بالله 1- القلب لقد جعل الله سبحانه القلب محلاً لعبوديته، وإنك لتجد أمامك الكثير من أعمال القلوب تتصل بها من خوف ورجاء ومحبة وتوبة وصبر وأنس ورضا وطمأنينة، على أنه أقرب وسيلة للاتصال بالله تعالى هو تذلل القلوب لعلام الغيوب. والقلب المريض هو القلب الذي يتعذر عليه أداء الوظيفة التي خلق من أجلها فالقلب خلق لمعرفة الله ومحبته. 2- اللسان اللسان وسيلة اتصال قوية وفعالة مع ربك ولك أن تتصور هذا الاتصال الراقي في حال ذكر الله فكلما ذكرت الله ذكرك الله وكان معك. قال الإمام الجنيد لتلاميذه: تعالوا بنا نذكر الصالحين فبذكرهم تحل البركة، فقال بعض طلبته: يا شيخنا إذا ذكرنا الصالحين تحل البركة فماذا إذا ذكرنا الله؟ فأطرق الشيخ قليلا.. ثم رفع رأسه فقال إذا ذكرنا الله حلت الطمأنينة في القلوب "ألا بذكر الله تطمئن القلوب". 3- الجوارح والجوارح أمامها خيارات كثيرة جدًا للاتصال بالله من صلاة وصيام وصدقة وحج وإماطة الأذى عن الطريق ومساعدة الآخرين وزيارة المريض وغير ذلك، وهكذا تظل بقلبك ولسانك وجوارحك في تقرب إلى الله واتصال بالله إلى أن تفوز بما جاء في الحديث القدسي: " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه".. فهذا الرجل الذي يحبه الله على اتصال دائم بالله وعينه على اتصال دائم بالله وأذنه ورجله ويده إنه دائمًا مع الله. مجالات الأنس بالله 1- الخشوع في الصلاة 2- التفكر في الكون 3- ذكر الله في الخلوة 4- قيام الليل 5- الدعاء وبث الهم والشكوى لله توصيات عملية 1- أكثر من ذكر الله وخاصة في الخلوة فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره. 2- احرص على صلاة ركعتين في وقت السحر، واقرأ فيهما مما تحفظ وتدبر كل آية تتلوها. 3- احرص دائما على بث همومك وشكواك إلى الله، فإن من أفضل أبواب العبودية المناجاة، وكثرة السؤال والالحاح في الطلب. 4- اعلم أن كل طاعة تقربك من الله وكل معصية تبعدك عن الله، يقول بعض السلف "استح من الله على قدر قربه منك، وخف من الله على قدر قدرته عليك"، وسئل بعض السلف ما علامة الإيمان وما علامة النفاق؟ قال: يابني إن سرتك الطاعة وساءتك المعصية فأنت مؤمن، وإن سرتك المعصية وساءتك الطاعة فأنت منافق.