تشهد تجارة الكتب المستعملة في البليدة انتعاشا لافتا في الفترة الأخيرة، بعد ركود مزمن أصاب العاملين بهذا الضرب التجاري المتفرد بقلق كبير، حيث تضافرت تراكمات الأوضاع السوسيو- اقتصادية وما يواجهه الجزائري الهائم بعالم الكتب من مصاعب حياتية جسيمة، في إبعاد قطاع ليس باليسير عن مراودة مئات الكتب التي حجزت لنفسها مكانا في أماكن عديدة وسط عاصمة المتيجة. تنطبق مقولة «قد نجد في النهر ما لا نجده في البحر» تماما على ظاهرة بيع الكتب المستعملة أو القديمة التي غزت سائر مناطق المتيجة، وصارت تزاحم باعة التوابل والمقبّلات وتوابعهما، وتعرف مختلف الساحات والميادين دبيبا متصلا هنا وهناك، من خلال الإقبال المتزايد لمحبي المطالعة الذين يستغلون الفرصة لشراء كتب بسعر رمزي، علما أنّ الكتب ذاتها غالية الأثمان في المكتبات العامة والخاصة على حد سواء. وعلى مستوى محيط «باب الرحبة» كما الشوارع المترامية هنا وهناك، يواظب كوكبة من الشباب والكهول على عرض الآلاف من الكتب القديمة والمجلات والقواميس وغيرها من المنشورات المغرية التي تثير فضول المارة، وصارت أرصفة العديد من ساحات وسط العاصمة عنوانا لحركة معرفية اجتماعية متميزة بتوافد قوافل من الشباب والأطفال من تلاميذ المدارس وحتى النساء، وشجعت الأسعار المقترحة على مضاعفة ثنائية الطلب والرواج، وحتى من لا يشتري تجده يتوقف ولو للحظات للاطلاع على العناوين المعروضة وتصفح البعض منها، وأحيانا يقع أحدهم في إغرائها ليجد نفسه مواصلا سيره وبين يديه كتاب نفيس. أما الزبائن الذين يقبلون خصيصا على باعة الأرصفة لاقتناء البعض من هذه الكتب، فغالبا ما تجدهم من شريحة الطلبة الذين يبحثون عن عنوان أو أكثر يفيدهم في دراستهم، خصوصا وأنّ الكتب المعروضة عادة ما لا تجدها في المكتبات العادية أو لا يتمكن كثيرون من اقتنائها تبعا لسعرها المرتفع الذي هو ليس في متناول الجميع، وأوضح لنا عماد (19 سنة) طالب في كلية الآداب: «كثيرا ما نجد كتبًا قيمة للغاية عند هؤلاء الباعة، وهي غير متوفرة في أي مكتبة أو مكان آخر»، ويؤيده بشير وأيمن بالقول أنّ ميزانية الطلبة الجامعيين عموما لا تسمح لهم بالحصول على كتب تزداد قيمتها كلما أصبحت قديمة أكثر، كما أنها تجد دائما من يشتريها، احتكاما لقيمتها العلمية الكبيرة، وما تزخر به هذه المؤلفات من معاني وتجليات هامة. من جهته، أكد لنا مراد (34 سنة) أحد باعة الكتب المستعملة، أنّ قصته مع مهنته المحبّبة تعود إلى خمس سنوات مضت تقريبا، حين بدأ في جمع البعض من المصنفات القديمة وعرضها في الأسواق، ويروي مراد كيف أنّه أحس بلذة خاصة من أول يوم، وتذوق حلاوة التواصل مع محبي الكتب المستعملة، وأحس بقيمة المهنة أكثر عندما بدأت تدر عليه ببعض الأرباح، ولفت مراد إلى أنه بفضل هذه الحرفة تعرّف على عناوين كثيرة مشهورة لم يكن يسمع بها من قبل، مثلما أصبح يدرك قيمة الكتاب، سيما بعد قيامه بمعارض متنقلة جابت الكثير من ولايات البلاد، ويفكر مراد حاليا في افتتاح محل كبير للكتب المستعملة وسط العاصمة.