مازال باعة الكتب المستعملة بالعاصمة يصارعون من أجل البقاء أمام المشاكل المختلفة التي يواجهونها بداية من انعدام فضاء خاص يمارسون فيه تجارتهم مرورا بتناقص الإقبال عليهم و في ظل هذه الظروف الصعبة يطالب هؤلاء من السلطات المعنية ضرورة النهوض بواقع هذه الفئة التي تعاني من عدم الاستقرار و التواجد بصفة غير شرعية على الأرصفة و في الأسواق لأمر الذي أثر سلبا عليهم و يدفعهم في بعض الأحيان إلى تغيير تجارتهم إلى أخرى تدر أرباحا أكثر. يبدو أن الكتاب لم يعد خير جليس للإنسان،فهذه المقولة فقدت قيمتها في هذا الزمان الذي غزته التكنولوجيا الرقمية و انتشرت فيه وسائل أخرى للقراءة والمطالعة كالانترنت و الأقراص المضغوطة وغيرها من الوسائل السهلة التي أصبح العديد من الأشخاص يفضلونها على اقتناء الكتب ،هذا الوضع صعب من عمل شريحة بائعي الكتب بصفة عامة و المستعملة منها على وجه التحديد الذين يمرون بفترات صعبة في السنوات الأخيرة أضيفت لجملة المشاكل التي يعاني منها هؤلاء كغياب فضاء خاص يمارسون فيه هذه المهنة. تراث بحاجة إلى العناية و للوقوف على واقع هذه الشريحة كان ل « صوت الأحرار «جولة في بعض الأماكن التي يحط فيها باعة الكتب رحالهم بحثا عن شريحة في تناقص مستمر،حيث تضم العاصمة أعدادا لا بأس بها من باعة الكتب ينتشرون عبر الساحات والأرصفة فكانت البداية بساحة البريد المركزي هذا الفضاء الذي سمح في الأيام القليلة الماضية لهم من إيجاد مكان يمارسون فيه هذه المهنة بأمن و طمأنينة وكذا التقرب من القارئ خاصة و أنها منطقة عبور للعديد من المواطنين فاقتربنا من بخوجة المسؤول عن هذا الفضاء الثقافي حيث أكد قائلا أن الكتاب يمر بفترة صعبة و يكاد ينعدم في العالم بأكمله و ليس في الجزائر فقط أمام انتشار تكنولوجيا الانترنت ،ففي فرنسا مثلا تم تصنيفه تراثا وطنيا،هذا الأمر أثر سلبا على تجار الكتب المستعملة و جعلهم يمرون بفترات عصيبة و لكن رغم ذلك لم يتخلوا عنها ويحاولون إحياءها من جديد،و لقد ساهمت مبادرة بلدية الجزائرالوسطى بمنحهم هذا الفضاء في التخفيف من معاناتهم وتنقلهم من مكان إلى آخر و هي تشجيع على نشر ثقافة المطالعة في أوساط جميع الشرائح العمرية،هذه المبادرة–يقول - تحتاج إلى تعميم عبرمختلف بلديات العاصمة التي يعاني البائعين فيها من نفس الوضعية. الكتب المستعملة تتنقل بين الأشخاص كالمال تتنقل الكتب بين الأشخاص كالمال– يقول بخوجة - حيث يضطر بعض الأشخاص المالكين لمثل هذه الكتب لبيعها بعد أن فرأوها عدة مرات من جهة و لحاجتهم للمال من جهة أخرى فيما يضطر الباعة للتنقل إلى مالكيها في بعض الأحيان،و ساهم هذا الفضاء الثقافي في فتح المجال أمام هؤلاء التجار للبيع و الاقتراب من القارئ حيث أكد أحد الباعة أنّ مهنته تلك أصبحت محبّبة إليه أكثر من أي وقت آخر حيث يمارسها منذ خمس سنوات مضت تقريبا، حين بدأ بجمع البعض من المصنفات القديمة وعرضها في الأسواق، ويروي كريم كيف أنّه أحس بلذة خاصة من أول يوم وتذوق حلاوة التواصل مع محبي المطالعة والتحاورمعهم حيث سمحت له هذه المهنة اكتساب الخبرة في البيع لأنها مهنة تحتاج إلى بعض الشروط ، فيما أبدى تجار آخرون الرغبة في نقل هذه التجارة إلى الولايات التي ينحدرون منها حتى لا تبقى مقتصرة على العاصمة فقط كما هوالحال بالنسبة لأحدهم القادم من تمنراست أقصى جنوب الوطن إضافة إلى تيزي وزو و بجاية وغيرها. يعاني ممتهني هذه التجارة من عدة مشاكل تمنى أحد الباعة أن تعالج في المستقبل القريب حتى لا يتناقص أعدادهم أكثر بسبب الصعوبة التي يواجهونها و يعتبر انعدام مكان قارمن أهم المشاكل والذي يطرح بشدة في فصل الشتاء أين يجدون صعوبة كبيرة فيضطرون لتغطية كتبهم بقطع النايلون كي لا تتبلل لأنها إذا تضررت لم يعد لها أي قيمة على حد قوله. فيما ألح على ضرورة النهوض بواقع هذه المهنة من خلال تعميم مثل هذه المبادرة على جميع أرجاء الوطن نظرا لأهمية المطالعة فشتان بين الشعب الذي يقرأ و يطالع و بين ذلك الذي لا يقرأ ، فحبه للمطالعة جعله يمارس مهنة بيع الكتب القديمة بعد تقاعده ، فالكتاب رفيقه الوحيد وعندما يرغب في الحديث يتكلم إلى بالزاك وتويستوي إضافة إلى الكتب التاريخية والأدبية القيمة التي تفيد الإنسان. أغلب الزبائن سيدات أما الزبائن الذين يقبلون على اقتناء الكتب المستعملة يؤكد أحد الباعة بشارع شاراس من شريحة الطلبة الذين يبحثون عن عنوان أو أكثر يفيدهم في دراستهم خصوصا وأنّ المعروضة عادة ما لا يجدوها في المكتبات العادية أو متوفرة و لكن بأسعار مرتفعة الأمرالذي لا يجعلها في متناولهم ،وأوضحت لنا نوال (19 سنة) طالبة بمعهد الترجمة :"كثيرا ما نجد كتبًا قيمة للغاية عند هؤلاء الباعة، وهي مفقودة في المكتبات كما هو الحال لمنجد اللغة العربية العتيق الذي يبيعه أحد التجار ب 400 دج فيما يباع في المكتبات ب 1000 دج "،وتؤيدها نسرين قائلة أنّ ميزانية الطلبة الجامعيين عموما لا تسمح لهم بالحصول على كتب جديدة ،ونظرا للأسعار المعقولة لتلك المستعملة يتسنى لنهم الحصول عليها،غير أنه يوجد بعض المؤلفات التي تزيد أسعارها كلما أصبحت قديمة نظرا لقيمتها العلمية الكبيرة،وما تزخر به هذه المؤلفات من معلومات مفيدة. إضافة إلى الطلبة يقول ذات المتحدث تشكل السيدات الزبائن الأساسيين لهؤلاء ونسبة قليلة من الرجال حيث يطالعون كتب الفلاسفة و الأدباء العالميين كنيتشه و كانت وغيرهم ،فيما تميل بعض النساء الكبيرات في السن إلى قراءة القصص الرومانسية وكذا البوليسية،وتختلف الأذواق من شخص لآخر وهي التفاصيل التي أصبح البائع يدركها بحكم احتكاكه المتواصل بهم و يساهم الاتصال المستمرإلى ربط علاقة وطيدة بهم فهي مغايرة لتلك التي تربط المتسوق ببائع المواد الاستهلاكية،حيث يدور بين مقتني الكتب و بائعها نقاش وحوار ثري و يصل الأمرفي بعض الأحيان إلى مساعدة الطلبة في إيجاد الراجع الخاصة ببحوثهم و مذكراتهم حول المواضيع التاريخية والفلسفية و كذا الأدبية. كما يجد الأولياء في فضاءات بيع الكتب المستعملة الملاذ في رحلتهم الشاقة للبحث عن كتب مدرسية مستعملة بأسعار معقولة خاصة في ظل ارتفاع أسعار الكتب الجديدة حيث يجد عدد كبير من الموظفين ومحدودي الدخل الذين أرهقتهم مصاريف شهر رمضان أنفسهم مجبرين على تلبية مطالب أبنائهم المتمدرسين للحصول على كتب بأقل سعر ممكن خاصة وأنهم يواجهون مصاعب جمّة كارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والأدوات المدرسية من كتب ودفاتر ومآزر وغيرها. وتعد فكرة إقامة معارض للكتب المستعملة بالجزائر التي يطالب بها عدد من هواة بيع الكتب الذين التقينا بهم والذين اتخذوا من ساحة البريد المركزي مقرا لتجارتهم فكرة جديدة تستحق كل التشجيع ببلادنا خاصة وأن الفكرة ليست غريبة عن عدد من البلدان العربية حيث من شأن هذا الأخير أن يساهم بشكل فاعل في الرفع من مستوى وعي المجتمع وتحفيزالناس للبحث والمعرفة والاطلاع وهي الأشياء التي تعود نفعا على المجتمع ككل وفي سائر مناحي الحياة.