كلام كثير استهلكه حال مستشفيات الباهية وهران، سواء تلك العمومية أو العيادات الخاصة، فبين مواطنين ناقمين على أوضاع القطاع الصحي، وفريق مؤمن بمقولة «ليس بالإمكان أبدع مما هو كائن»، يثور كثير من الجدل حول راهن هذه المؤسسات الصحية التي استفادت قبل عشر سنوات من مخطط ضخم لإصلاح المستشفيات و»أنسنة» العلاج. وفي تسليطها الضوء على واقع مستشفيات وهران، ركّز مرضى تحدثوا ل «السلام» على أنّ المشهد العام بقي معتما وأخذ أبعادا دراماتيكية، رغم الخطوات الجبارة التي قطعتها بعض المستشفيات، لكن تدهور وضعيات هذه الأخيرة وضعف مستوى الخدمات جعل منها حديث العام والخاص، بالإضافة إلى ظاهرة الوفيات بسبب الإهمال الطبي في صورة فضائح الوفاة الجماعي للرضع حديثي الولادة. ويشير متعاملون إلى أنّ الهشاشة القائمة رغم الإمكانات الضخمة، فوسط حر قاتل، كان المشهد نفسه في كل أروقة وأقسام المستشفيات المعنية من زحام شديد، فوضى وملاسنات، وصور غريبة لبعض المرضى ممن اختاروا افتراش الأرض، علما أنّ أغلبية مواطني وهران يغزون المستشفيات التابعة للحكومة لسبب واحد هو «مجانية العلاج» واكتفاء السلطات بفرض مبالغ رمزية لا تتجاوز المائة دينار لكل مريض يقضي ليلته في أحد هذه المرافق الطبية. وإذا كانت مشكلة النظافة غير مطروحة بحدة في مستشفيات وهران، رغم ما تتسبب به النفايات الصحية المتراكمة هنا وهناك، إلاّ أنّ حصة الأسد من المساجلات والنقاشات تتمحور حول مستوى الخدمات، الذي يعتبره كثيرون «رديئا». بقسم جراحة الأعصاب، سألنا زوبير (35 سنة) عامل في سكك الحديد، قال إنّه أتى بناء على موعد مسبق للكشف، ومع ذلك لم يحظ بالموعد مثلما قال، رغم تجشمه عناء السفر من منطقة بعيدة، إحدى العواجيز وبعد أن تعرفت إلينا، اشتكت أيضا من عامل المحسوبية، الذي يجعل من البعض حظهم أوفر للعلاج مقارنة بآخرين، وأيدتها نسيمة (22 سنة) الطالبة الجامعية بكلية الحقوق، التي راحت ترفع صوتها في ثورة، بسبب البروفيسور الذي كشف عن بضع حالات، وذهب بداعي ارتباطه بحالة استعجالية في عيادة خاصة. من جانبها، حكت لنا السيدة مريم أنّها ذاقت الويلات، على حد تعبيرها، إثر وضعها مولودا جديدا، فرغم أنّها أتمت أشهرها التسعة، إلاّ أنّ القائمين على قسم التوليد حاولوا إقناع السيدة مريم بأنّ وضعها ما يزال يحتمل الانتظار (?!)، وهو ما جعل المعنية وزوجها يدخلان في صراع لا منتهي مع الأطباء لدفعهم إلى توليدها، وهو ما كان، لكنّ السيدة تقول أنّها تركت ومولودها وحيدة، حيث كان الطبيب المناوب غائبا، كما لم تلق المساعدات بالا لنداءاتها في الرواق، بل وبلغ الحد بإحداهنّ استنادا إلى السيدة مريم - إلى مطالبة الأخيرة بعدم إزعاجهنّ! «عامر» ونزهة العاملان في مستشفى بارني، قللا من شأن الانتقادات، وأرجعا الأمر برمته إلى عدم تقبل المرضى للنمط التنظيمي المتبّع وسعيهم للحصول السريع على الخدمة العلاجية، دونما التفات أن ثمة اعتبارات كتأخر الأطباء لسبب أو لآخر، أو ارتباطهم بحالة مرضية حرجة وما إلى ذلك، بينما يذهب الدكتور فرطاس الذي التقيناه بقسم الاستعجالات إلى أنّ الأمور تحسنت كثيرا في المستشفيات مقارنة بالذي كان، وإذ يستغرب محدثنا سعي البعض لتكريس السوداوية كلون غالب، فإنّ «د.عبد اللاوي» يشير بثقة إلى تمكن الطواقم الطبية من التكفل بحاجيات المرضى وباقتدار على حد تعبيره، ويضيف عبد اللاوي المختص بجراحة العظام: «الكمال لله، لكن ما ينبغي أن يعلمه الناس، أننا نعمل قصارى جهدنا لإرضائهم». واستعرض لنا مجموعة من عمال مستشفيات وهران أوضاعهم «المزرية»، حيث يشير أحمد الذي يعمل ممرضا منذ ربع قرن أنّ دخله الشهري لا يكفي مطلقا لإعالة أسرته، ويؤيده مصطفى الذي سيذهب إلى التقاعد بنهاية العام، لكنّه يعلق بأسى على راتبه. من جهتها، تشير «عقيلة كروش» رئيسة نقابة القابلات، إلى أنّ كثيرات من زميلاتها يتم متابعتهنّ قضائيا لا لشيء سوى لأنّ القانون يفرض المتابعة القانونية في حالة موت المولود أو أمه أو في حالة وقوع مضاعفات، وهو ما يقلق 9500 قابلة تعمل عبر مستشفيات الولايات ال48. نقائص تنتظر التقويم على منوال مستشفيات مناطق أخرى، التصقت المؤسسات الصحية بوهران بتدني مستوى الخدمات، ما دفع بحقوقيين إلى الشروع في سلسلة جولات ميدانية بهدف إعداد تقرير واف عن حالتها، وأتى هذا الحراك إثر تدهور وضعيات كثير من الأقسام الصحية، وضعف مستوى الخدمات، و»تفاقم» ظاهرة الوفيات نتيجة أخطاء طبية أو ممارسات لها علاقة بالإهمال وهو واقع ظهرت آخر صوره المؤسية بقسم الولادة بمستشفى باينام الذي شهد وفاة عديد الرضع في الفترة الأخيرة. ولإظهار صرامتها وعدم تسامحها مع المتسببين في مهازل القطاع، لجأت وزارة الصحة إلى غلق عيادات خاصة، بجانب تغييرها كثير من مدراء المستشفيات الموصوفة ب»سوء التسيير»، ويقدّر مسؤول محلي أنّ أقسام الاستعجالات في المستشفيات الجزائرية تمثل نقطة سوداء يجب إزالتها، بينما يعترف بروفيسور طلب عدم ذكر اسمه أنّ عددا معتبرا من المستشفيات تتواجد في حالة يرثى لها، لكنه يرفض تحميل المسؤولية للأطباء، ويقصرها على الوصاية، مستشهدا بعدم مبالاة الأخيرة إزاء الإضرابات المتتالية لعمال القطاع الطبي وعد تكليف نفسها عناء فتح قنوات الحوار مع هؤلاء الذين يطالبون بجملة من التدابير اللائقة، كرفع الرواتب وتمكينهم من المزيد من التدريب المهني، في حين تلفت نقابة الأطباء إلى أنّ المعدل الحالي هو 20 مريضا حاليا يتلقون العناية من ممرض أو ممرضة واحدة، في حين أنه يفترض اقتصار ممرضة واحدة لكل أربعة مرضى. ويلاحظ متابعون للوضع الصحي في وهران، أنّ الأخير لا يزال هشا رغم الإمكانات الهائلة المرصودة من طرف الدولة، في ظل عودة أمراض القرون الوسطى في صورة الطاعون والسل، بجانب تنامي الأمراض غير المتنقلة وبالخصوص منها ارتفاع ضغط الدم الشرياني، والأمراض القلبية، وداء السّكري، والسرطان، وأمراض التنفس المزمنة، وزاد الوضع كارثية، ضعف الحصص من الأدوية الجنيسة في السوق المحلية، رغم إفراط الجزائر في استيرادها لسدّ ضعف تغطية الإنتاج المحلي لهذه السوق. خطة جديدة لإصلاح المستشفيات في خضم كل ما تقدم، أقرت المديرية الجهوية للصحة بوهران برنامج الإصلاح على إعداد خارطة صحية جديدة تساعد على ترشيد التغطية الصحية من حيث الوقاية والعلاج إلى جانب إنشاء أقطاب صحية، في مخطط وطني بعيد المدى للنهوض بالقطاع الصحي في آفاق العام 2025، لقاء مخصصات تربو عن 1819,63 مليار دينار جزائري، بغرض الوصول إلى مستوى المؤشرات الصحية المسجّلة حاليا في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وتتوقع دراسات استشرافية في الجزائر، أن يبلغ عدد السكان حدود 44,8 مليون نسمة سنة 2025 (يقدّر حاليا ب34 مليونا)، كما تشير الدراسات ذاتها إلى وصول معدل الولادات إلى 16,9 في الألف، ومعدل الوفيات العامة إلى 4,5 في الألف ومعدل النمو إلى 1,24 % ومعدل طول العمر إلى 80 سنة، وستكون لهذه التحولات الديمغرافية آثار على التركيبة السكانية وتجديدها، وكذا على الاقتصاد والمجتمع، وهو ما جعل السلطات الجزائرية تقتنتع بحتمية تسريع إصلاح صحي عميق يقوم على تقريب الصحة من المواطن، وترتيب مستويات العلاج، مع إعادة التركيز على الوقاية والعلاج العادي، والتكفل بالإنتقال الوبائي والفوارق الجغرافية وتحسين نوعية الخدمات التي طالما اشتكى الجزائريون من رداءتها. وللوفاء بالمطلوب، أعدت وزارة الصحة الجزائرية برنامج شاملا يقضي بانجاز 88 مستشفى عامّا، و94 مستشفى متخصّصا، وأربعة معاهد محلية مختصة، فضلا عن 311 عيادة متعددة التخصصات و221 هيكلا صحيا آخر، وتنوي الحكومة التكفل بالإنتقال الوبائي من خلال 26 برنامج وقاية و8 برامج علاج و4 برامج دعم بتكلفة إجمالية قدرها 92 مليار دينار جزائري، وستتيح بحسب مصادر «إيلاف» إصلاح تسيير الأدوية من خلال إنشاء وكالة محلية مركزية للمواد الصيدلانية وترقية الأدوية الجنيسة إلى جانب محاربة الأدوية المزيفة، إضافة إلى مضاعفة الهياكل الصحية وترميمها، وتأهيل الإمكانات التقنية وفتح الاستثمار الاستشفائي في وجه القطاع الخاص الجزائري والأجنبي، مع تعيين الأطباء الأخصائيين في مناطق الجنوب والهضاب العليا، وتطوير التكوين وتدعيم التأطير. وتسعى الخطة إلى تطوير تسيير المستشفيات ومقاييس التسيير، وتنظيم التمويل وتحسين نوعية الخدمات والتكفل براحة المريض وأمنه، إضافة إلى إزالة الفوارق الصحية على مستوى الولايات ال48، من خلال استكمال إقامة نظام للمتابعة الصحية، وتطوير تسيير المستشفيات، وتحديد مقاييس الجودة ومؤشرات النجاعة الخاصة بالهياكل الصحية، حتى يمكن التكفل بالأمراض غير المتنقلة، كما تراهن السلطات على إيصال الأدوية الجنيسة إلى مستوى 80% من الاستهلاك الإجمالي، والنهوض بعمليات زرع الأعضاء وجراحة القلب الخاصة بالأطفال وتدعيم صحة الأم والطفل