يعتبر متحف المجاهد العقيد سي امحمد بوڤرة بالمدية من أهم المعالم التاريخية التي تزخر بها مؤسسات الولاية، وأهم الرموز الثورية التي تخلّد التاريخ الوطني الحافل بمآثر الشهداء والمجاهدين. يقع متحف المجاهد سي امحمد بوڤرة بشارع الإخوة باشن بمدينة المدية، وهو عبارة عن بناية تم تشييدها أثناء فترة الاحتلال الفرنسي وبالضبط سنة 1932 كمقر للحاكم الفرنسي ليتم بناء الملحقة سنة 1964، وقد أصبحت مقر منظمة المجاهدين حاليا، كما أدخلت بعض الإضافات على البناية الأصلية سنة 1976، لتتحول في الفترة التي عقبت الاستقلال إلى مقر للولاية، حيث عين عبد الكريم فخار كأول والٍ للمدية، ثم مقرا للدائرة لتسلم في 20 جوان 1992 إلى وزارة المجاهدين. وبموجب برنامج للتهيئة والتحسين والتجهيز، جرى إعادة بعث متحف المجاهد بالمدية، حيث تم إعداد مخطط لتهيئة وتحسين المتحف من قبل مكتب الدراسات لولاية المدية بالتنسيق مع المتحف الوطني للمجاهد، وفي العام 1994 تولت وزارة المجاهدين عملية الترميم، إضافة إلى مساهمة الجمعية الولائية للتاريخ والمعالم الأثرية، المتمثلة في إضافة ست قاعات تطل على الجانب الخلفي للمبنى، وفي 26 من شهر نوفمبر تم تدشين المتحف من قبل وزير المجاهدين الأسبق سعيد عبادو، في وقت تبرز نعيمة مختيش مديرة المتحف أنّ المتحف حمل اسم العقيد “سي امحمد بوقرة” إكبارا لمآثر قائد الولاية التاريخية الرابعة. إذا هممت بدخول المتحف قابلتك حديقته المزهرة بالورود، تتوسطها نافورة ماء زادتها رونقا وجمالا، ويعد متحف المجاهد سي امحمد بوقرة من أهم الرموز التاريخية لولاية التيطري، إذ يحتضن بين جدرانه الكثير من الشواهد التاريخية المعبرة عن أصعب المراحل التي قررت مصير الجزائر ومستقبلها وسطرت أمجاد وبطولات الولاية الرابعة. 3 طوابق توثق فصولا تاريخية مجيدة ينقسم متحف المجاهد بعاصمة التيطري إلى ثلاثة طوابق رئيسية، أولها طابق تحت الأرض تقام به الترسيمات وتهيئة القاعات، ويحتوي على قاعة أرشيف وقاعة خاصة بالمحاضرات وكذا مكتبة تحوي عددا وفيرا من الكتب التاريخية الخاصة بالثورة التحريرية الكبرى، موازاة مع صور تاريخية قديمة لمدينة المدية كصورة لمسجد النور الذي حول إلى كنيسة من قبل المستعمر آنذاك. وحول الموضوع تقول، نعيمة مختيش، مديرة المتحف: “توجد قاعة مطالعة ومكتبة تضم عددا كبيرا من الكتب أي أكثر من 600 كتاب باللغتين العربية والفرنسية وكذلك مجلات خاصة بالثورة التحريرية، وهذه الكتب تساعد بشكل كبير طلبة قسم التاريخ بالجامعة للإطلاع على الكتب سواء لإعداد بحوثهم أو مذكراتهم”، وعن شروط المتحف المتعامل بها مع هؤلاء الطلبة تضيف المديرة أن: “هناك طلبة يطّلعون على الكتب في قاعة المطالعة ونأخذ عن الآخرين بطاقة التعريف الوطنية أو بطاقة الطالب لنتمكن من استرجاع الكتاب، لأننا لم نضع بطاقات خاصة للمطالع بعد”. أما الطابق الأرضي الذي يحتوي بهوا لاستقبال الزوار والذي يؤدي بدوره إلى ثلاث قاعات للعرض مفتوحة على بعضها، تحوي صورا وطنية ووثائق تاريخية وآثار مادية لثورة التحرير كانت بحوزة مجاهدي الولاية الرابعة من أسلحة وقنابل. من جهته يوضح محمد صوالحي المرشد بالمتحف أن القاعة الأولى تبدأ من لجنة 22 ومجموعة الست، وصور توضح الجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري أثناء هجومات 20 أوت من العام 1955، من قنبلة القرى والمداشر إلى قتل وتشريد واعتقال المواطنين، إلى جانب صور الأسلاك الشائكة على خطي شال وموريس في الحدود الجزائرية التونسية، وحولها يقول محمد صوالحي: “هذه الخطوط وضعها الجنرال ديغول لمنع جلب الأسلحة والغذاء”. إضافة إلى وجود قائمة المحكوم عليهم بالإعدام ويوضح محدثنا أن: “الوقت الزمني للإعدام كان في حدود الساعة الثالثة والرابعة صباحا كزمن اعتبرته فرنسا ملائما لها لعدم وقوع ردة فعل سلبية للشعب اتجاهها”، ووجود جهاز لاسلكي ويفسر لنا المرشد: “هذا الجهاز هو إذاعة راديو متنقلة كان يستعملها المستعمر وفي نفس الوقت جهاز كهربائي أيضا، تستعمله فرنسا لتعذيب أي مجاهد تلقي عليه القبض، إضافة إلى توفر مجموعة من المسدسات ذات أحجام مختلفة منها ما يعود إلى الحرب العالمية الأولى، وبنادق صيد ترجع إلى عهد الأمير عبد القادر، وسيف مجاجي عبد الله، أحد فرسان الأمير عبد القادر بالمدية”. وإذا نظرت إلى زاوية من زوايا المتحف أو ركن من أركانه ستشعر بحنين إلى التاريخ وهو يحدثك عن واقع ثورة شعب من نساء ورجال، كبار وصغار.. جميعهم في صف واحد يناضلون للعيش في كنف الحرية. أما ثالث الطوابق، فيمكن للزائر أن يعايش من خلال التجوال بين قاعاته المتعددة، بوجدانه أهم جزء من أشهر المعارك التي خاضها مجاهدو منطقة أولاد سنان جنوب ولاية المدية عام 1958، والتي راح ضحيتها 70 شهيدا وتم جرح 10 مجاهدين وذلك من خلال بقايا الطائرة الفرنسية من نوع “جاغوار” الصفراء اللون الموجود جناحها بالمتحف، والتي استطاع المجاهدون إسقاطها بأسلحتهم البسيطة. إضافة إلى وجود خزائن حائطية زجاجية تعرض مجموعة من الوسائل التقليدية وتتمثل في الغربال، الطاجين، الفرن التقليدي.. وغيرها من الوسائل التي استعملها المجاهدون في حياتهم اليومية واستعانوا بها لإعداد طعامهم، إلى جانب جهاز اتصال لاسلكي وكذا مذياع للشهيد “حنطابلي” ومعدات أخرى مخصصة لمجموعة من الأعلام الوطنية التي تمت خياطتها باليد في ذلك الوقت واستعملت في المظاهرات، كما نلاحظ في أرجاء المتحف عرضا لواقيات الأرجل التي يعود تاريخ استعمالها إلى الحرب العالمية الثانية، وتشرح نفس المسؤولة وجودها بالقول: “كل الأسلحة والأشياء الموجودة بالمتحف التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية كان يستعملها المجاهدون الذين حاربوا إلى جانب فرنسا في حربها مع ألمانيا”.. إضافة إلى قذائف مدفعية وقنابل مضادة للأفراد من نوع OM، وكذا تتوفر به ماكنتي خياطة كان المجاهدون يستعملونها إبان الثورة في الخياطة، أما بالنسبة للوسائل المادية المتوفرة على مستوى متحف المجاهد فتضيف ذات المتحدثة: “إنها من مساهمات المجاهدين وعائلات الشهداء وكذا المواطنين المخلصين لهذا الوطن، الذين قدموا الأشياء التي احتفظوا بها بعد نهاية الثورة التحريرية”. كما يحوي الطابق أربع قاعات للعرض مفتوحة على بعضها البعض، ثلاثة منها مخصصة لصور المظاهرات الشعبية بدءا من مظاهرات الثامن ماي 1945 و11ديسمبر 1960 وكذا مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بالمهجر، حيث تعرض فيها صور تكشف وحشية المستعمر وطرق إبادته. حراك تاريخي متنقل في الزمن وعن حركية المتحف، توضح المديرة أن “زيارات المواطنين للمتحف يومية وتتم بصورة تلقائية لأن المتحف يفتح أبوابه خلال أيام الأسبوع صباحا ومساء، تبرمج فيه زيارات لمختلف شرائح المجتمع من الأطفال إلى الشباب والكبار.. فالمتحف يحفظ الذاكرة التاريخية الثورية، حيث أن أي مواطن عادي أو من أسرة ثورية يدخل المتحف ستلفت نظره الصور أو الأشياء التاريخية الموجودة لدينا، كما نبرمج زيارات منظمة خاصة بالمؤسسات التربوية بكل أطوارها بالتنسيق مع مديرية التربية لتنظيمها ميدانيا”. وعن النشاطات المبرمجة التي يقوم بها المتحف تجيب مختيش: “تتم بإحياء الأيام والأعياد الوطنية وكذا إحياء ذكرى استشهاد رموز الثورة في ولاية المدية وهي ثلاثة: استشهاد الرائد مقراني رابح في 5 مارس من كل سنة، و5 ماي وهي ذكرى استشهاد العقيد سي امحمد بوقرة، إضافة إلى ذكرى 2 جويلية لاستشهاد سي الطيب الجغلالي، ومن خلال هذه الأخيرة نقوم بعدة نشاطات تتمثل في إقامة معارض كتابية سواء داخل المتحف أو متنقلة مشتركة بين المتحف وبين مختلف الجمعيات التاريخية والثقافية والعلمية، إضافة إلى تنظيم زيارات ميدانية بالتنسيق مع مديرية التربية لاستقبال أفواج من التلاميذ والطلبة وفق برنامج مسطر، زيادة على عرض مجلات وكتب تاريخية حديثة الطبع وإنجاز مطويات خاصة بكل مناسبة تاريخية وطنية كانت أو محلية كأن تكون خاصة بالتعريف بشهداء المنطقة بهدف ترسيخ الثقافة التاريخية للحفاظ على الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري، ومد جسور التواصل بين جيل المستقبل وجيل أول نوفمبر 1954 ببث أناشيد وطنية على طول الأسبوع، وتزيين المحيط بالأعلام الوطنية وعقد ندوات تاريخية ومحاضرات وملتقيات لتسجيل الشهادات الحية، وعرض أشرطة فيديو خاصة بالثورة التحريرية”. ويهدف المتحف إلى حفظ التراث الثقافي والتاريخي للمنطقة والمساهمة في كتابة تاريخها الصحيح، من خلال الصور التاريخية الخاصة بمراحل الثورة التحريرية منذ 1954 إلى غاية الاستقلال مذيلة بشروحات مختصرة ومفيدة. كما يعاني المتحف حسب مديرته، نعيمة مختيش، من الكثير من النقائص في مجال الشواهد التاريخية والصور المؤرخة لمسيرة المنطقة الثورية، ما جعلها تتوجه بنداء لكل المجاهدين والمجاهدات وأسر الشهداء بالمنطقة، وكذلك المواطنين والمواطنات الذين بحوزتهم وثائق وأشياء متعلقة بالمقاومة والثورة التحريرية من أجل تعزيز دور المتحف وتحقيق أهدافه المسطرة. ولمسنا في معاينتنا لمتحف المجاهد سي امحمد بوقرة بولاية المدية، ما يتيحه من إمكانات لرواده للاطلاع على كامل الحقائق والأحداث التي صنعت مجد الشعب الجزائري وحددت مصيره. فالمتحف نواة يلتقي انطلاقا منها التاريخ البعيد بالحاضر المعاش والمستقبل القريب، الذي سيجسد عن طريق اللوحة والصورة والآثار والشواهد الحية لتتواصل من خلاله الأجيال، ويصدق بعدها القائل: “من الممتع أن تقرأ التاريخ ولكن من الأمتع أن تشاهده”.