تتكبّد الجزائر خسائر ضخمة تصل بتقديرات خبراء ومتعاملين إلى الملايير سنويا، وذلك بسبب معضلة الأملاك الشاغرة التي ظلت دون حل قانوني منذ ستينيات القرن الماضي، وترصد «السلام» في هذا الملف الشائك عديد نقاط الظلّ في صورة 500 فضاء صناعي مُهمل ومليوني وحدة سكنية على الهامش. وسط بيروقراطية متفشية واحتباسات غير منتهية، لا يزال نزيف العقارات الشاغرة مستمرا، تشدّد مراجع مطلعة ل «السلام» على كون كثير من الأوعية العقارية غير مستغلة في قطاعات الصناعة والزراعة وكذا الإسكان، بسبب فراغات قانونية وعدم حسم الجهات المعنية في قضية تستغلها أطراف أجنبية كالأقدام السوداء للمزايدة والتطاول. وبحسب إفادات توافرت ل «السلام»، فإنّ الأمر يتعلق بعشرات الآلاف من الهكتارات لا تزال خارج أي توظيف، وهو ما ألقى بظلاله على أداء نحو 70 منطقة صناعية كاملة، رغم أنّ الجزائر تملك مقومات سوق عقارية حقيقية. تراكمات تعود إلى 38 سنة خلت يرى الخبير «حكيم زان» أنّ المعضلة تكمن في احصاء الأراضي التي بدأت سنة 1974، ولم تنته إلى حد الساعة، ولا تزال كثير من العقارات ذات الطابع الصناعي غير مستغلة، وسط حديث عن 20 ألف هكتار من الأوعية العقارية الغير مستغلة بشكل عقلاني. من جانبه، يعزو المتعامل «سيد علي مخفي» عزوف كثير من المستثمرين المحليين والأجانب عن إطلاق خطط استثمارية ضخمة، مرده مشكلة العقار الموصولة بترك الأملاك الشاغرة مهملة مع أنّه كان يُفترض تفعيلها واستخدامها كأداة في الاستثمار المنتج. ويشدد مخفي على حتمية تشخيص الوضعية الحالية للأملاك على ضوء تطبيق أحكام مرنة، والوقوف على بعض المسائل التي حالت دون تجسيد الاختيارات والغايات للوصول الى اقتصاد متطور ومكيف ومنها على وجه الخصوص المسألة المتعلقة باستحالة تأسيس رهون لدى البنوك على المنشآت المقامة على أملاك شاغرة. ويرى متخصصون بحتمية تحرير الأملاك الشاغرة، وتثمين العقارات الصناعية لتفعيل الاستثمارات الخاصة وترقيتها، وذلك يمر حتما عبر إلغاء الاحتكار على تسيير الأملاك وتوسيع صيغ المنح بالإمتياز على الأملاك العامة، وربط ذلك بغائية اقتصادية منتجة، من خلال إخضاع اللجوء إلى ترخيص إجراء البيع بالتراضي في حالات استثنائية إلى قيمة مضافة للاقتصاد المحلي، بجانب تثمين الأملاك الخاصة وفق قواعد السوق عن طريق التنافس الحر والشفاف. ولا يزال الترقب سيدا للموقف، بعد إعلان «محمد بن مرادي» وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار، قبل أكثر من شهر، عن اقتراح قطاعه «إجراءات تشريعية» ستسمح للدولة باستعادة العقار الصناعي «المجمد» وغير المستغل بغرض زيادة العرض العقاري. وأقرّ المسؤول الأول عن قطاع الصناعة في الجزائر، أنّ هناك أراضٍ كثيرة ملك للخواص لكنها مجمدة وغير مستغلة، في حين أن أراضٍ أخرى تم منحها حولت عن الغرض الموجهة له، ويرجح بن مرادي أن يتضمن قانون المالية التكميلي القادم لسنة 2012، بندا ينص أيضا على تعويض أصحاب الأراضي التي ستسترجعها الدولة، وسيسمح هذا الإجراء للدولة باسترجاع هذا العقار المجمد من خلال تعويض أصحابها بهدف إعادة توزيعها لغرض الاستثمار. 12 مليون هكتار خارج الإحصاء والتسوية ستستغرق وقتا تعاني عديد الأملاك الشاغرة من وضع كارثي، حيث تبقى كثير منها غير مستغلة رغم تواجدها في قلب المناطق الصناعية بهدف إعادة وضعها في السوق من جديد كما سيتم استرجاع بعض العقارات الصناعية التابعة للمؤسسات العمومية التي تعرضت للحل، والتي يبلغ عددها 1500 مؤسسة، تملك حوالي 15 ألف هكتار غير مستغلة، وهو ما قد يغطي احتياجات السوق المحلية، علما إنّ عملية مسح العقارات التابعة للدولة طالت ستة ملايين هكتار، أي نصف المساحة الكلية المقدرة ب 12 مليون هكتار، ويتطلب إنهاء هذه العملية فترة تمتد من 10 إلى 15 سنة. وقال المسؤول ذاته أنّ الدولة لا زالت تعد الممون الوحيد للعقار الصناعي وهذا بالرغم من توفر العرض في هذا المجال في القطاع الخاص، وأكد المسؤول الأول للأملاك المحلية معارضته لأي تنازل عن العقار العمومي بأسعار غير مناسبة، قائلا إنّه اقترح على المديرية العامة للضرائب «رفع الرسوم على الأملاك العقارية الخاصة غير المبنية»، وبحسب نتائج عملية الإحصاء الخاصة بمسح العقارات، فإنّه جرى حصر ما لا يقلّ عن مليوني وحدة عقارية، بيد أنّ العملية قد تطول في سبيل ضبط إجمالي الوعاء العقاري العام، ومن شأن الخطوة حال اكتمالها أن تسمح بالاستغلال الجيد للعقار العمومي. وبعدما شرعت الحكومة قبل ثلاث سنوات في التنازل عن العقارات العمومية عن طريق مزادات علنية، أبدى متعاملون معارضتهم للإجراء تبعا لما أفرزه من مضاربات وتحايل، حيث يعمد الملاّك الجدد على تأجير أوعية عقارية صناعية بأسعار ضخمة وبنسق مغاير للمتعارف عليه. كما كشفت دراسة أعدتها وزارة الصناعة، أنّ معظم هذه المساحات تعاني وضعا كارثيا، بما انعكس سلبا على النشاط الصناعي لمجموع المتعاملين المقيمين والمسيرين لهذه المساحات، ربعهم فقط لديهم سندات ملكية أصلية، أما النسبة الباقية، فإنهم يتمتعون بقرارات مؤقتة أو عقود إدارية بسيطة، وسط وعود عن تسوية الوضعية الإدارية لعدد من المتعاملين. ولجأت الجزائر من خلال قانون الأملاك المعدّل في ربيع العام 2008، إلى إلغاء الاحتكار على عقاراتها، بعد أن قدّر عموم المسؤولين والمتعاملين على حد سواء بكون قانون الأملاك بصيغته القديمة أعاق قاطرة الاستثمار، وجعل كثير من المستثمرين المحليين والأجانب يعزفون عن إطلاق خطط استثمارية ضخمة بسبب مشكلة العقار الصناعي، وما أنتجته من أعطال قياسية، جعلت مشاريع عديد المستثمرين العرب على منوال مجموعة «إعمار» الإماراتية على سبيل المثال لا الحصر، التي أجبرت على الرحيل بعدما ظلت أنشطتها معلقة لما يربو عن الثلاث سنوات، بسبب معضلة الأراضي. لعميري: «الزراعة تخسر لوحدها 3 ملايير دولار والحل في سدّ الفراغ القانوني» أكد «عبد الحق لعميري»، الخبير الاقتصادي وقوف «الأملاك الشاغرة» وراء خسارة الجزائر سنويا ما يفوق 3 مليار دولار على مستوى القطاع الزراعي فقط، كاشفا عن تصدر ملف السكن لقائمة القطاعات الأكثر احتضانا لهذه المعضلة التي باتت تهدد استقرار الاقتصاد المحلي - على حد تعبير المتحدث -. وفي تصريحات حصرية ل «السلام»، أبرز لعميري استفحال هذه الظاهرة تقريبا في كل القطاعات والنشاطات التي يحتضنها الاقتصاد الوطني على غرار قطاع الفلاحة الذي كشف المتحدث خسارته سنويا لما يفوق 3 مليار دولار جراء ارتفاع نسبة الأراضي الفلاحة غير المستغلة في ظل توفر كل الإمكانيات اللازمة للنهوض بهذا القطاع الحيوي، الأمر الذي قلص القدرة الإنتاجية المحلية في عدد من المحاصيل، مما جعل الحكومة والوزارة المعنية مضطرة لإستردادها من دول أخرى و بفواتير عالية كان من الممكن تفاد تكاليفها. ويفيد لعميري: «يمكن للجزائر أن تقضي على العجز الزراعي في حال وصولها إلى تحقيق استغلال شامل للأراضي الفلاحية»، منوها في سياق ذاته إلى معانات القطاع الصناعي أيضا من هذه الظاهرة في ظل استمرار توقف عدد من المشاريع المجسدة في مصانع مختلفة النشاطات والتخصصات كلفت خزينة الدولة أموالا طائلة جراء استرجاع الآلات اللازمة لمزاولة عملها. كما أكد لعميري الاستفحال الرهيب لظاهرة الأملاك الشاغرة في قطاع السكن والبنايات مقارنة بباقي القطاعات الأخرى في ظل إقدام زمرة الأغنياء - على تعبير المتحدث - على شراء عدد من الشقق وتركها فارغة مدة طويلة من الزمن دون استغلالها قصد الولوج بها في مضاربات قد ترفع سعرها بالإضعاف في الوقت الذي تواصل فيه الجزائر التخبط في مشكل السكنات الذي ارقها واتعب شعبها، حيث قال أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو تفاهة الضريبة التي أقرتها الدولة على مالكي الشقق الذين لا تزعجهم مسألة دفعها في الوقت الذي هم فيه متأكدون من حتمية الإرباح التي ستدرها الشقق عليهم لدى إقحامها وعرضها للمضاربة، داعيا في هذا الصدد الحكومة والوزارة الوصية إلى ضرورة المبادرة بإجراء قانوني يحد من انتشار هذه الظاهرة مقترحا رفع ضريبة الشقق بشكل سيجعل أصحابها مضطرين إلى استغلالها تفاديا لتراكم المبلغ الضريبي. تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني في السياق ذاته، استنكر «موسى تواتي» رئيس حزب الجبهة الوطنية الجزائرية، غياب الرقابة والصرامة القانونية في تعامل الدولة مع ظاهرة الأملاك الشاغرة التي ستكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني على المدى البعيد خصوصا وأن قطاعات الجزائر كلها شاغرة - على تعبير تواتي - الذي ركز حديثه على قطاع السكن أين استنكر طريقة توزيع السكنات التي تذهب لغير أصحابها الحقيقيين. وأوضح تواتي: «أن التملك والاستفادة من السكنات بمختلف صيغها خاضع اليوم لمبدأ الوساطة والمصلحة الشخصية بدلا من الحاجة الفعلية ومراعاة الإنسانية»، متهما بذلك المشرفين على توزيع السكنات بالوقوف وراء اتساع هوة هذه الظاهرة جراء تحويلهم لملكيات الدولة العامة إلى ملكيات خاصة تخضع لتصرفهم الشخصي، وعليه أكد تواتي صعوبة كبح زحف وتطور هذه الظاهرة.
عبد الرحماني: قطاع الصناعة يعاني، والوزارة لا تتحمل مسؤولية الأملاك الشاغرة» أكد «محمد عبد الرحماني» المكلف بالاتصال في وزارة الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار، معاناة القطاع من ظاهرة الأملاك الشاغرة المتجسدة في مظاهر توقف أو غلق عدد من المصانع والمؤسسات المتنوعة الأنشطة، مبرئا وزارة الصناعة من المسؤولية تجاه ما تفرزه هذه المعضلة من تداعيات على القطاع الصناعي المحلي. وفي اتصال مع السلام، أوضح عبد الرحماني أنّ الوزارة تبقى بعيدة عن تحمل أي مسؤولية بخصوص تداعيات استفحال هذه الظاهرة مؤخرا، مشيرا إلى أن مهمتها الأساسية تتمثل في رسم السياسات الصناعية الواجب إتباعها والعمل بها على المستوى الوطني ومرافقة البرامج وتأهيلها. وقال عبد الرحماني: «توقف أو غلق بعض المصانع والمؤسسات على غرار مجموعة «مصانع هولدينغ» راجعة لأسباب داخلية مالية أو إدارية خاصة بالمؤسسات في حد ذاتها»، وفي السياق ذاته أحجم المتحدث عن تقديم أرقام ولو تقريبية تبين مدى انتشار الظاهرة في القطاع و تكشف تداعياتها عليه متحججا في ذاك بعدم اطلاعه على الجانب الرقمي والإحصائي في هذا الصدد. كما أكد المتحدث في السياق ذاته، التأثير السلبي الذي خلفته ما يسمى بظاهرة الأملاك الشاغرة على الاقتصادي المحلي بحكم انتشارها في جل قطاعاته مستدلا في ذلك بالبطالة التي قال عبد الرحماني أنها من مخلفات ظاهرة عدم استغلال تلك الأملاك التي إذا تم تأطيرها و ضبطها قانونيا ستحل العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.