عرفت ظاهرة التسوّل إنتشارا كبيرا بقدوم شهر رمضان الكريم حيث لا تكاد تخلو الأماكن العمومية والشوارع من المتسولين اللذين يرددون مختلف العبارات لاستعطاف المارة، لكن يبقى السؤال المطروح: هل هم محتاجون أم محتالون؟ يلاحظ المتجوّل في شوارع العاصمة كثرة عدد المتسولين الذين يفترشون الأرض ويمدّون أيديهم للمارة، حاملين معهم أطفالا رضعا وبعض الوصفات الطبية التي تدّل على أمراضهم أوإعاقاتهم.المشهد لا تخلو منه أيضا أغلب الأسواق وبعض وسائل النقل، فظاهرة التسوّل طفت إلى السطح بمجرد حلول الشهر الفضيل، إذ يستغّل بعض الأشخاص قدوم المناسبات الدينية لتفتح لهم أبواب الرزق السهل دون أن يبذلوا أي جهد خاصة لما نجد رجالا في كامل عافيتهم يمدون أيديهم، إلا أنّ الجميع صار يدرك أنه ليس كل من يتسوّل محتاجا، لأنّ بعض من يجوبون الشوارع تكون حالتهم المادية جيّدة حسب شهادات البعض. خلال جولة إستطلاعية قادتنا إلى ساحة الشهداء وسط الجزائر العاصمة، شاهدنا كمّا هائلا من المتسولين الذين يتشاجرون فيما بينهم لحجز أمكنة على أرصفة الشوارع، وهم يتنافسون باستعمال كافة الوسائل لإثارة عطف وشفقة المارين عبر الطريق. اقتربنا من احدى المتسّولات بالمكان، أكّدت لنا أنها قد قطعت مسافات طويلة من الشلف إلى العاصمة لتجمع المزيد من المال، مرجعة سبب تسوّلها إلى رغبتها في مساعدة والدتها المريضة التي تحتاج إلى دواء باهض الثمن. هذا واضطر أفراد بعض الأسر المعوزة للتسوّل بعد أن ضاق بهم الحال، وصاروا بأمس الحاجة للمال من أجل توفير مستلزمات رمضان الكثيرة التي غالبا ما تكون فوق طاقتهم، فوضعيتهم المادية الصعبة لا تتناسب مع الأسعار الملتهبة. هذا ما حدثنا عنه بعض المتسولين الذين وجدناهم يفترشون أرصفة شارع باب الوادي، حيث أرجعوا سبب تسوّلهم إلى حالتهم المادية السيئة التي اضطرتهم للقيام بهذا الأمر رغما عنهم، مشيرين أن بعض الكادحين الذين لا يتمكنون من جمع المال الكافي من خلال التسوّل، فإنهم يبحثون عن بقايا الخضر والعظام في المزابل القريبة من الأسواق حتى يسدون رمقهم. خدع واحتيالات محاولات أخرى لمتسولين ارتدوا ملابس مهترئة ويحملون وصفات طبية كدليل على أمراضهم، حتى يبررون تسوّلهم بحجج مقنعة للمارين ليجودوا عليهم بالمال، وما يلاحظ أنّ معظمهم قد نجح في مهمة التسوّل بطرق الخداع والإحتيال التي يستخدمونها، لكن ما استغربنا له أن أحد المتسولين ممن كان يدعي أنه مكفوف، نزع نظاراته بعد انتهاء مهمته وأخذ يمشي في الشارع بشكل طبيعي. وأكّد لنا بعض من يعرفون هذا المتسول تمام المعرفة، أنه يملك منزلا وهو ميسور الحال، لكن التسوّل أصبح عادة لديه يمتهنها بشكل يومي ولا يستطيع الاستغناء عنها، فهو معروف ببخله وادخّاره للمال ليصرف على نفسه مما يجنيه بعد ساعات من التسول على حد قول البعض. الشتم لمن لا يقدّم المال تصرفات أخرى تبدر عن متسولين لم يستطيعوا إقناع المارة بشارع باش جراح خاصة أنهم كشفوا خداعهم، وكم كانت مفاجأتنا كبيرة عندما أطلق أحد المتسوّلين وابلا من الشتائم بعدما رفض أحد الراجلين تقديم المال له. وشدّد ذاك الرجل أنّ سبب رفضه إعطاء المال للمتسول المذكور، راجع إلى ملاحظته امتلاك المتسول لهاتف نقال من آخر طراز، كما علم الرجل ذاته من أصدقائه أنه يملك فيلا وسيارة، وقد اقتنع بكلامهم بعد أن شاهده بأم عينيه وهو يدخل بيته الفخم المتواجد بالحي الذي يقطن به صديقه. المتسولون مصدر ازعاج في المساجد، البيوت والطرقات يستغّل بعض المتسولين توافد الصائمين بشكل كبير على المحلات والأسواق وحتى المساجد، لكي يجمعوا مبالغ مالية كبيرة عن طريق تجمعهم بشكل ملفت للإنتباه في تلك الأماكن وهم يرددون عبارات مختلفة ودعوات بالخير لمن يمرون أمامهم، طالبين منهم الصدقات ومقنعين إياهم بدعواتهم المستجابة. وما لمسناه أنّ هؤلاء ينالون مرادهم ويجمعون مبالغ من المال خاصة في شهر رمضان، حيث أخبرتنا إحدى المارات بطريق العناصر أنها تفضل إعطاء المال لمتسولة معينّة لكي تنال رضاها أملا في أن تستجاب دعواتها التي تتفاءل بها كثيرا. وكشف لنا بعض المصلين أنّ من المتسولين من لا يحترمون حرمة المسجد خلال فترة الصلاة يدخلون عمدا إلى المصلّى طلبا للمال، كما أشار أحدهم خلال حديثه أنّ بعض المتسولات يتشاجرن ويتعالى صراخهن أثناء وقت الصلاة وهو ما يزعج جموع المصلين. كما يقصد بعض المتسولين العمارات في أوقات باكرة من الصباح غير واضعين بعين الإعتبار أن طرقهم لأبواب الصائمين الذين يفضلون أخذ قسط من الراحة في تلك الفترة يسبّب لهم إزعاجا وإرباكا. هذا ما حدثتنا عنه “منال” التي أكّدت أنها لا تستطيع النوم طيلة شهر رمضان بسبب طرقات المتسولين القويّة لباب منزلها، ما جعل طفلها الرضيع يستفيق مبكرا وهو مفزوع، وحسب قولها فإنّ هذه العادة أصبحت راسخة لدى الكثير من المتسولين. ولم يقتصر الأمر على دقّ الأبواب بل منهم من صار يعيق حركة المرور، حيث يستغّل بعضهم الإزدحام أو توقف السيارات عند إشارات المرور لكي يطلبوا المال، هذاما تشهده مناطق كبن عكنون وأولاد فايت والدرارية، وأكّده لنا جلّ من تحدثنا إليهم من السائقين الذين يتعرضون للشتائم القبيحة من المتسولين بسبب رفضهم إعطاءهم المال، فيماروى أحد السائقين كيف تعرّض للسرقة من قبل متسوّل وقف في الطريق قبل أن يدخل يده من زجاج نافذة السيارة ويأخذ الهاتف ويفّر هاربا. وما يندى له الجبين عند إعطاء بعض المال لمتسوّل ما، فيرفض الأخير أخذه كونه لا يرقى للقيمة التي يطلبها وهو ما حدث مع أحدهم، فبعد منحه بعض الدنانير لأحدهم كان جزاءه البصق في الوجه لأن المبلغ لم يعجبه!!!. شبكات تستغل المعاقات والأمهات العازبات في التسوّل يستغّل بعض الأشخاص حاجة الأمهات العازبات والمشرّدات أو حتى المعاقات ليكّن وسيلة رزق من خلال قيامهن بالتسوّل، هذا ما علمناه من أحد قاطني حي العناصر، وتأكّدنا منه لما رأينا إحدى المتسولات بصدد الخروج من منزل امرأة كانت قد استغلت حاجتها للسكن، مقابل أن تجلب لها المال بتسوّلها يوميا رفقة طفلها الرضيع عبر شوارع العاصمة. هذا ما حدثتنا عنه المعنية التي أكّدت أنها لم تجد أي مخرج لوضعيتها سوى تلبية رغبة صاحبة المكان الذي تقطن فيه، حيث تضيف أنها تحاول جمع مبلغ كبير من المال عن طريق التسوّل لتقدمه لمالكة المنزل مقابل السماح لها بالبقاء رفقة طفلها الرضيع . اللاجئون السوريون.. متسولون جدد! لاحظنا عند تجولنا في شوارع ضاحية الشراڤة، انتشار عدد من اللاجئين السوريين الذين كانوا يفترشون أرصفة بعض الشوارع رفقة أطفالهم طالبين بدورهم المساعدة. وخلال حديثنا مع إحدى اللاجئات، أكّدت لنا أن الظروف الأمنية بسوريا اضطرتها إلى الهروب رفقة عائلتها إلى الجزائر، أما عن سبب تسولها فأرجعته إلى الحالة المادية الصعبة، مشيرة أنها تخجل كثيرا من القيام بهذاالأمر، إلا أنها لا تملك أي خيار آخر لتسّد جوعها وعائلتها بعد يوم طويل من الصيام. هذا ويضطر بعض اللاجئين السوريين إلى ترك مخيماتهم يوميا لقطع مسافات طويلة متجولين عبر مختلف الأحياء طلبا للمال، هذاما أخبرنا به زهير واصفا وضعية اللاجئين السوريين الذين قصدوا الجزائر بالمزرية، فأغلبهم اختار التسول وسيلة للعيش، كما يضيف أنه يضطر يوميا لصعود سلالم العمارات طارقا أبواب ساكنيهاللحصول على بعض المال.