رغم ما تزخر به الجزائر من شبكات مياه وسدود وينابيع وتوفرّ المياه بالحنفيات، إلاّ أنّ «حرفة» بيع الماء بالتجوال التي فرضت نفسها كحتمية في مدينة وهران وضواحيها، التي لا تزال تمارس وعلى نطاق واسع، وسط تساؤلات عن جدوى (الظاهرة) قياسا لتحسن وضعية التموين بالمياه الصالحة للشرب، في وقت تبرّر العديد من عائلات عاصمة الباهية لجوئها إلى الباعة المتجولين للتزوّد بهذه المادة الحيوية، بكون مياههم عذبة، خلافا للماء المالح الذي يكاد يطغى هناك. وتحصي جهات رسمية ما لا يقل عن مائتي بائع متجول للماء ينشطون بصفة قانونية على مستوى وهران لوحدها، ويستغل باعة الماء مياه الآبار والينابيع، على غرار موقع «الحاسي» الشهير بعذوبته، ويصنع باعة المياه ديكورا خاصا بأحياء المدن الغربية كمستغانم، أرزيو ووهران، ويلاحظ الزائر لهذه المناطق عربات مجهزة بصهاريج، ويرى أصحابها منهمكين في ملء صفائح من الماء بسعة خمس وعشر وعشرون لترا، فيما يتخذ فريق آخر من هؤلاء الباعة محلات لممارسة هذا النوع من البيع بوسط المدن. ويجد سكان الغرب بشكل عام ضالتهم في باعة الماء، فيندفعون باحثين عن خدماتهم، خصوصا الأشخاص الذين يقطنون تجمعات سكنية مهترئة كثيرا ما يعانون من انقطاعات في توزيع المياه جرّاء أعطاب تصيب المضخات الكهربائية أو تصدع القنوات، يقول جميل (33 عاما) الذي يحترف بيع الماء منذ سبع سنوات: «السلطات تعتبر أنّ تواجدنا أمر غير عادي، لكنّ مواطنينا يتهافتون على خدماتنا، خشية من شبح ندرة الماء الشروب ونوعية مياه التموين المالحة». ويرى لطفي وسمير وصافي وغيرهم من زبائن باعة الماء، أنّ هؤلاء يزودونهم بمياه غاية في الجودة، ولا يرى جمال حرجا في إنفاق قدر من المال إزاء اقتناء بعض الماء، في حين يقرّ سليمان أنّ شراء الماء أضحى لدى كثيرين مجرد عادة خروج لجلب هذه المادة الحيوية، في حين لا يبدي سعيد وعمر اقتناعا بشرب ماء الحنفيات رغم تباهي السلطات بنجاحها في تحسين نوعيته، غداة تحديث شبكات التموين بالمياه الصالحة للشرب والمراقبة المنتظمة لنوعية الماء الموزع للاستهلاك، مع الإشارة إلى تنوّع الموارد المائية عبر محطات تحلية مياه البحر كمحطة «كهرماء» لمنطقة أرزيو التي احتفلت بتحقيق إنتاج مائة مليون متر مكعب من المياه المحلاة. وتشير السيدة حنيفة أنّه أصبح مألوف لدى ربات البيوت استعمال ماء الحنفيات لغسل الأواني والملابس والاغتسال، واستعمال الماء العذب الذي يتم اقتنائه من الباعة المتجولين للشرب وتحضير الطعام، وتنوّه بديعة أنّ ذوق القهوة المحضرة بالماء العذب يكون أفضل كما تجزم بذلك كثير من السيدات. ويقول كثير من زبائن أنّ الكم كان هاجسهم في الماضي بسبب الإنقطاعات المتكررة وحالة الجفاف التي خيمت طويلا على الجزائر، بيد أنّ الزبائن يفتشون حاليا على النوعية لدى باعة الماء المتجولين، وهو ما يفسر مستوى الثقة الموجودة بين الجانبين، علما أنّ الباعة يلتزمون باحترام الشروط المطلوبة في الشق المتعلق بالنظافة للحيلولة دون وقوع المحظور في صورة الأمراض المتنقلة والمنتشرة عن طريق المياه. وفرض قانون صدر في السادس جويلية 2008، جملة من الشروط الخاصة بالمياه الموجهة للاستهلاك البشري عن طريق الصهاريج، ومن بين هذه الشروط، إلزام الباعة بالحصول على ترخيص من الإدارة المختصة لممارسة هذا النشاط، ويلزم القانون ذاته طلاء الصهاريج المخصصة لنقل الماء الشروب من الداخل بمادة غير قابلة للأكسدة وتكون مجهزة بأداة تسمح بتفريغ المياه لتجنب أي خطر لتلوث الماء عند القيام بملئ أو تنظيف الصهريج، كما يسلط التشريع من جهة أخرى عقوبات على المخالفين الذين يمكن أن يتم تجميد رخصهم إلى أن يحالوا على القضاء المحلي أو تُسحب منهم نهائيا في حالة ارتكاب المخالفة نفسها.