تشهد أسعار المواشي التهابا محسوسا هذه الأيام، وعلى نحو مبكّر أتى ليستبق عيد الأضحى المزمع بعد نحو 49 يوما من الآن، وفي جولة قادت “السلام” عبر عدد من الأسواق ونقاط بيع الموّالين في الجزائر العاصمة وضواحيها، لاحظنا ذالك الارتفاع الكبير في أسعار الأغنام وحتى العجول والأبقار، ما أدى إلى تراجع إقبال الزبائن رغم اضطرار الكثيرين للشراء بحكم إقامتهم للأعراس، في وقت عزا تجار وموّالون ما يحدث إلى اتساع رقعة التهريب وتراجع العرض بشكل أساس. وفي هذا الملف الخاص الذي أنجزته “السلام”، لاحظنا أنّ ظاهرة التهاب الأسعار طالت كل أنواع اللحوم، وباستثناء بعض الزبائن الذين لم يتوانوا في شراء مواش حتى وإن ارتفعت العارضة إلى 40 ألف دينار فما فوق، فإنّ الغالبية ممن سعوا لتأمين الأضاحي مبكّرا، خابت آمالهم، واكتفوا بملاحظة مختلف المواشي المعروضة بأسعار تفوق قدرة المستهلك ذي الدخل المتوسط. وأبدى حسان رب عائلة الذي التقيناه في سوق بئر خادم: “الأمر معيب ومحيّر في بلادنا المشتهرة بجودة مواشيها”، فيما أعقب ناصر: “يبدو أنّ الأضاحي قد تصير أحلاما مستحيلة، بعدما صار شراء اللحم مرة كل شهر أمرا صعبا لأن ذلك قد يؤثر سلبا على الميزانية بالنظر إلى كثرة المصاريف اليومية”، في وقت علّق منير الموظف بمؤسسة خاصة: “هؤلاء يشجعون التجار الذين لا يألون جهدا في الإمعان بالجشع في غياب لأي رقابة رسمية”. وأعرب فوزي، دليلة، العمري، عباس والشريف عن اندهاشهم للارتفاع المفاجئ لأسعار اللحوم الحمراء والبيضاء على حد سواء، بعدما جرت العادة على أن تلتهب هذه الأسعار في العيدين وشتى المناسبات. وبات الوضع هذا العام ينذر بعزوف قطاع معتبر من الجزائريين عن نحر أضاحي أضحت مكلفة للغاية، في بلد تعوّد على نحر ثلاثة ملايين أضحية سنويا، هذا الانطباع تكرّس لدينا ونحن نتنقلّ بين أسواق المعالمة، وبوسماعيل، أولاد فايت، الشراقة، بوفاريك غربا ونظيراتها بالحراش وباب الوادي بضواحي العاصمة، أين كان الركود عنوانا لحركة بيع وشراء المواشي، إذا ما جرى استثناء “أصحاب المال” أو كما يصفهم البعض “الأثرياء الجدد” الذين لا يترددون في قالب مثير، عن شراء ما يروق لهم من الخرفان السمينة القرناء، مقابل دفع رزم نقدية وصلت قيمتها في بعض الحالات بين 70 و100 ألف دينار وسط دهشة عقدت ألسنة البسطاء. خرفان نحيلة ب30 ألف دينار!؟ بلغة الأرقام، عُرضت خرفان نحيلة لا تغري الناظرين بين 26 و30 ألف دينار، بينما لم تنزل أثمان الكباش المقبولة تحت سقف 45 ألف دينار، لتفوق أسعار المواشي الجيدة التي تفوق أوزانها 18 كيلوغراما، حدود ال50 ألف دينار، وقد تزيد عن ذلك في أحايين كثيرة، وهي ارتفاعات يعزوها الموّالون كالعادة إلى غلاء الأعلاف المستوردة. ونظرا لغلاء المعيشة بشكل عام والضعف الذي يطبع رواتب نحو 3.5 ملايين موظف من مستخدمي القطاع العام، فإنّ كثيرا رموا المنشفة وأعلنوا عن إلغاء سنة النحر من أجندتهم لهذا العام، خصوصا بعدما امتدت عدوى المغالاة إلى أسواق بعيدة كانت ملاذا للبسطاء على منوال الجلفة، الأغواط وبسكرة. الوسطاء قفزوا بالأسعار 4 مرات ضعف قيمتها الحقيقية في مقاربته لما يجري، ينتقد الطاهر بولنوار المتحدث باسم اتحاد التجار، استمرار تغييب الأسواق الرسمية والتي كان يمكنها أن تقطع الطريق على كل ألوان التحايل، ويرى بولنوار أنّ الأسواق الفوضوية المنتشرة هنا وهناك، هي من تؤطّر ممارسات غير أخلاقية تقفز بأسعار المواشي إلى أكثر من أربع مرات سعرها الحقيقي، وسط غياب أي استثمار لثروة الماشية رغم الامكانات الهائلة. كما يقحم بولنوار عاملا إضافيا يتمثل في موجة التهريب التي تطال قرابة ربع مليون رأس ماشية كل عام، تقوم مجموعات محترفة بتحويلها إلى دول الجوار، وهي ظاهرة أعيت السلطات، ولم تتمكن من تحجيمها تماما مثل عجزها عن النيل من راكبي قطار المضاربة. مفارقة الغلاء في بلد يمتلك 26 مليون رأس ماشية! وسبق لرشيد بن عيسى وزير الفلاحة والتنمية الريفية أن أبرز اكتفاء الجزائر ذاتيا من رؤوس الماشية، بهذا الصدد، كشف المسؤول الأول للقطاع، عن توفر 26 مليون رأس ماشية في الجزائر، وخلافا لما يجري في الميدان، فإنّ بن عيسى يكذّب رأسا سيطرة المضاربين على مقاليد السوق، حيث يشدّد على أنّ هؤلاء جرى تحييدهم بنسبة 80 بالمائة. ارتفاع أسعار لحوم الغنم والبقر في وقت لا تزال قيمة الأسماك في القمة للعام الثاني على التوالي، تتراوح أسعار اللحوم الحمراء بين 650 دج (بالعظم) و1300 دج (منزوع العظم) بالنسبة للكيلوغرام الواحد من لحم البقر مع تسجيل أسعار جد مرتفعة بالنسبة لقطع اللحم التي يكثر عليها الطلب التي قد يصل سعرها إلى غاية 1800 دج حسب التجار. بينما تتراوح أسعار لحم الغنم ما بين 1.115 و1.250 دينار/كلغ في سوق بئر خادم في حين تراوحت قبل شهر رمضان بين 850 و950 دينار للكيلوغرام، وتقدر أسعار الجملة ب750 دينار/ كلغ بالنسبة للحم البقر، وبين 1000 و1100 دينار/ كلغ بالنسبة للحم الغنم. وعلى عكس التوقعات، فإنّ مسح السلطات العمومية لديون المربين لم يؤدي إلى استقرار الأسعار، ويُرجع متعاملون في السوق البلدية لبئر مراد رايس الزيادات المهولة في الأسعار إلى وجود عدة وسطاء في سوق التوزيع، وردا على سؤال حول أسباب هذا الارتفاع أجمع القصابون على القول أن العجز المسجل في عرض اللحوم راجع بالدرجة الأولى إلى عمليات الذبح المكثف التي سجلت خلال شهر رمضان وما أعقبه تبعا لتزامن فصل الصيف مع موسم الأعراس. وحسب جزار بمنطقة سيدي يحيى، فإنّ “القرار الذي اتخذته السلطات العمومية بشأن تجميد لحوم الغنم الموجهة للاستهلاك قلّص بشكل كبير حجم القطيع بما يفسر الارتفاع المفاجئ للأسعار، ولأول مرة تم تسويق حوالي 10 آلاف طن من لحم الغنم المجمد من الإنتاج المحلي خلال شهر رمضان الفارط بغية الحد من ارتفاع الأسعار خلال هذه الفترة التي عرفت بلوغ الاستهلاك ذروته. توقعات بسخونة أشدّ مع اقتراب العيد من جهة أخرى، يتوقع متابعون أن يسهم الطلب الكبير على الماشية خلال عيد الأضحى والمرشح لأن يصل إلى أكثر من 4.5 مليون رأس في سخونة أكبر وارتفاعات قياسية، في وقت يربط بعض التجار السيناريو المرتقب بالعدد الهام من الأنعام الموجه للبيع على مستوى الحدود “بشكل غير قانوني” سيما نحو تونس وليبيا وكذا مالي بغرض تحصيل أرباح طائلة. وأشار صالح أحد مهنيي هذا الفرع الذي تم التقاؤه بمذبحة العناصر إلى أنه “يتم على مستوى حدودنا مع الدول المجاورة، يجري استبدال هذه الحيوانات إما بالبطاطا أو العجلات المطاطية”. وأكد المسؤول عن هذه المذبحة، أنّ الأخيرة لا تستعمل كنقطة بيع بما يتناقض مع أقوال بعض الجزارين الذين تتأرجح أسعار لحم البقر لديهم بين 600 و800 دينار مقابل 900 و1000 دينار بالنسبة للحم الغنم، ويأسف مهنيو الفرع للمضاربة الممارسة من قبل بعض تجار الماشية الذين يقترحون في نظرهم أسعارا لا يمكن للمشتري أن يفاوض عليها أو حتى مناقشتها على حساب المستهلك. وتطرق قصاب آخر إلى نقص مراقبة الأسعار بعد الإنتاج مشيرا “في السوق نجد أنفسنا أمام أشخاص لا يقبلون أية مساومة على الأسعار فلا نجد أمامنا من خيار سوى القبول بالأسعار المقترحة دون أي تعليق حتى ارضاء لزبائننا”. وحسب السلطات العمومية فان ارتفاع أسعار اللحوم راجع إلى عدة عوامل من بينها الطلب الكبير على الماشية خلال العيد. من جهته، أوضح كمال شادي رئيس مجلس إدارة مؤسسة تسيير مؤسسات الدولة والإنتاج الحيواني (برودا) أنّ المربين لا يزالون يمتنعون عن البيع لأنهم يريدون تسمين قطيعهم قبل بيعه خلال فصل الربيع المقبل، وحسب المسؤول ذاته، فإنّ تحسين القدرة الشرائية للمواطن ساهم أيضا في هذه الزيادة هذا فضلا كما قال عن الظرف الدولي الذي يطبعه ارتفاع في أسعار اللحوم. إلاّ أنّ المسؤول ذاته، أشار إلى أن مؤسسته بصدد تسويق كميات من اللحم كانت قد خزنتها من أجل “التخفيف من حدة ارتفاع الأسعار”، وأردف يقول “نحن بصدد إحصاء طلبات على مستوى الجماعات المحلية و مؤسسات لتلبية الطلب على السوق”. وحسب الديوان الوطني للإحصائيات فإن أسعار اللحوم عرفت خلال الفترة القليلة الماضية زيادات ب14.05 بالمائة بالنسبة للدجاج، و4.81 بالمائة بالنسبة للحم البقر، فضلا عن 4.02 بالمائة بالنسبة للحم الغنم. عدوى الارتفاعات مست اللحوم البيضاء كما طال ارتفاع الأسعار، اللحوم البيضاء التي يتراوح سعرها في أسواق بئر خادم وبئر مراد رايس بين 330 دينار و338 دينار للكيلوغرام بالنسبة للدجاجة المفرغة، بالمقابل قفزت أسعار الديك الرومي إلى 780 دينار للكيلوغرام، وأرجع جل التجار ارتفاع أسعار الدجاج التي بلغت ذروتها إلى تراجع العرض الناجم عن تخلي العديد من مربي الدواجن عن نشاطهم. وحسب فاتح وهو تاجر جملة، فإنّه يقتني الطير الداجن بسعر 220 دينار ويعيد بيعه لتاجر التجزئة ب280 دينار للكيلوغرام، ملاحظا أنّ هناك نقص فادح لهذا المنتوج في السوق ناجم عن تخلي العديد من المربين عن نشاطهم و لو بشكل مؤقت و ذلك خوفا من تكبد خسارة كبيرة أمام برودة الطقس”. ويواجه فرع تربية الدواجن الذي يشغل 300.000 شخص من بينهم 100.000 بصفة مباشرة، ارتفاع نسبة هلاك الطيور الداجنة وقدم الحظائر التي يبقى مردودها ضئيل إذ تقل قدرة 85 بالمئة منها عن 5000 طير. وأكد التاجر ذاته أنّ عددا كبيرا من المربين يملكون حظائر قديمة و لا تتوفر على المعايير المطلوبة، وحسب شادي فانه من المنتظر أن تستقر أسعار الدجاج بحلول شهر فيفري مضيفا إلى تسجيل طلب كبير على الصوص، في وقت لاحظ متعاملون أنّ هناك مؤشر هام للغاية فيما يخص اللحوم البيضاء، مثلما هناك طلب كبير على الصوص ويفترض أن تستقر أسعار الدجاج قريبا.