تفيد أنباء توافرت “للسلام" أنّ الحكومة الجديدة بقيادة الوزير الأول عبد المالك سلال، تخطط لإعادة بعث وشيك لخمس مدن جديدة، بعدما ظلت الأخيرة رهينة قرارات غامضة أحبطت انتعاشها، وجعلتها محاصرة على مدار الست سنوات المنقضية بفعل احتباسات إدارية جمدتها بالكامل. بحسب ما أسرت به مصادر مطلّعة للسلام، يشمل المخطط الجاري تنفيذه إعادة الاعتبار للمدن الجديدة بمناطق: بوغزول (155 كلم جنوب)، سيدي عبد الله (40 كلم غرب)، بوينان (50 كلم جنوب)، المنيعة (870 كلم جنوب)، وحاسي مسعود (900 جنوب العاصمة)، وحرص المسؤولون على منح كل مدينة صفة متفردة. ويراهن الجهاز التنفيذي على تفعيل توليفة المدن الجديدة لامتصاص الضغط وفتح فضاءات جديدة بوسعها التحوّل إلى مراكز ثقل اقتصادية، وإنهاء تركّز نصف النشاط الاقتصادي في محيط العاصمة والمدن الكبرى وما نجم عن ذلك من اختناقات ولا توازنات . وفيما تتم المراهنة على “بوغزول” كقطب للطاقات المتجددة، تتموقع “سيدي عبد الله” كعاصمة للاستثمار في اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة، بينما أسند إلى “المنيعة” دورا سياحيا، وآخر رياضيا خدماتيا إلى “بوينان”، في حين ستتحول “حاسي مسعود” بثوبها الجديد إلى جزيرة خضراء تزاوج بين الاندماج البيئي والأنشطة الطاقوية. وتفيد مراجع رسمية إنّ مدينة “بوغزول” التي تزيد قيمة إنجازها عن 650 مليون دولار، هي مشروع بنيوي سيساهم كثيرا في المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للمناطق السهبية، كما ستكون كذلك همزة وصل بين الصحراء ومدن شمال البلاد. وتمتد “بوغزول” على نحو 12 ألف هكتار، وبحسب المدير العام لمؤسسة تسيير المدينةالجديدة لبوغزول، فإنّه لم يتم إنشاؤها ككيان حضري معزول ومفصوم الطابع، حيث يراهن على جعلهامركز إشعاع اقتصادي ضخم، بما يعبّد الطريق أمام استغلال الطاقات المتجددة والتكنولوجيات غير الملوثة، وما يتصل بذلك من تنمية مستدامة. وتقع هذه المدينة على ضفاف بحيرة سد بوغزول والذي يعد عنصرا هيكليا للمدينة، بغرض المحافظة على النظام البيئي وتطوير الشبكتين الزرقاء والخضراء المقررتين في المخطط، وتشهد عملية انجاز أنابيب المياه التي تربط سد كودية أسردون على مستوى البويرة والمدينةالجديدة على طول 196 كلم تقدما بعدما جرى الشروع في أشغال انجاز منشآت التركيب بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية، وحسب معلومات سيتم الانتقال خلال الفترة القليلة القادمة إلى تجسيد عدة برامج سكنية وتوفير التجهيزات، إضافة الى انجاز مقر المدينة خلال الأشهر المقبلة. وستحاط المدينة بأكثر من 22 كلم من مياه البحيرات وعدد من الحظائر المائية وتمثل حوالي 1000 هكتار من المساحات الخضراء الحضرية على طول محاور الطرقات الكبرى و حظيرة مركزية (130 هكتار) ربع المساحة القابلة للعمران. كما يحيط حزام أخضر حضري يمتد عرضه من 300 الى 500 متر المدينة تضاف اليها 12000 هكتار مقرر للتشجير من أجل استحداث “مناخ مصغر” ومكافحة التصحر، وينص مخطط تهيئة هذه المدينةالجديدة أيضا على مناطق تخصص لإنشاء اقامات يتم انشاؤها على مستوى 21 حيا مبرمجا على أساس نسيج يمتد على طول 1 كلم حسب مفهوم وحدة فضاء حياة مزودة بالتجهيزات العمومية. ويقدر عدد السكان الذين من المقرر أن تحتضنهم المدينةالجديدة التي تقدر مساحتها الاجمالية 6000 هكتار منها 4000 هكتار قابلة للعمران، تضاف اليها مساحة حماية تمتد على 12000 هكتار ب350000 مواطن، وحسب إفادات فإنّ المدينةالجديدة ستكون قطبا للتنمية المتوازنة على مستوى الهضاب العليا وتحقيق التنافسية وكذا مدينة ذات نوعية بيئية عالية الجودة. كما ستضم المدينةالجديدة أيضا ثمانية وظائف رئيسية وهي السكن والتعليم والبحث وتطوير الطاقات المتجددة والنشاطات الصناعية واللوجستية الادارية والخدمات والتجارة والسياحة والترفيه والفلاحة والصناعات الزراعية، في حين تمنح الأحياء الراقية مجموعة متنوعة من السكنات ذات جودة عالية تكون راقية واقتصادية، حسب مخطط هندسي ايكولوجي يضم كل المقاييس ذات النوعية البيئية العالية، مع توفير كل وسائل النقل الحضري الايكولوجي من حافلات وترامواي وغيرها. كما تعد مدينة بوغزول نموذجية في مجال الاقتصاد والطاقة وتثمين الطاقات الجديدة والمتجددة (الشمسية والصفائح الفولطية والهوائية)، وتهدف إلى بلوغ نسبة 40 بالمائة من الحصيلة الطاقوية الوطنية في مجال الطاقة المتجددة في أفق 2030، من خلال استغلال الطاقة الشمسية المقدرة ب1900 كيلواط في الساعة سنويا، وسرعة الرياح التي تفوق أو تساوي 3 متر/الثانية والتي تفوق مدتها 4000 ساعة في السنة. ويتضمن برنامج تهيئة بوغزول، إنجاز محطة هجينة (شمسية وهوائية) على مساحة 45 هكتارا شرق المدينة، وكذا إقامة تجهيزات خاصة بإنتاج الطاقات المتجددة على مستوى التجهيزات العمومية وإدراج الطاقة الشمسية في الفضاءات العمومية (حظائر ومواقف السيارات، وكذا الإنارة العمومية وكذا تعميم التموين بالطاقة المتجددة للعمارات الموجهة للسكن). من جهتها، تتموقع مدينة “سيدي عبد الله” المتوفرة على موقع سهبي متميّز ومساحة 2600 هكتار، ويشير سيد أحمد كركوش، مدير المشروع إلى أنّ سيدي عبد الله ستغدو مدينة خضراء وقطبا صناعيا يستوعب ما لا يقلّ عن ألف مؤسسة صغيرة، فضلا عن مدينة جامعية، وحظيرة تكنولوجية ستخلق ألفي منصب عمل مباشر، بالإضافة إلى آلاف الوظائف الغير مباشرة، خصوصا مع استعداد الحظيرة لبدء 27 مشروعا استثماريا في قادم السنوات. ولن تقتصر مدينة سيدي عبد الله على البعدين الاقتصادي والتكنولوجي، بل ستمتد إلى إسكان مائتي ألف شخص، مع تزويدها بشبكة خدماتية تتوزع على الطرقات والسكك الحديدية، إلى جانب هياكل صحية ومرافق اجتماعية ورياضية، وفضاء خاص بالتكوين وآخر لحرفيي وممارسي الصناعات التقليدية. وستحتضن “سيدي عبد الله” القطب البيو – تكنولوجي الرابع من نوعه دوليا، وهو يندرج ضمن مشروع شراكة جزائرية أمريكية، ستمتد إلى غاية العام 2020، ولا يكتفي القطب البيو تكنولوجي “قطب امتياز” بتغطية المتطلبات الدوائية للجزائر فحسب، بل يشمل أيضا افريقيا والشرق الأوسط على غرار القطبين الجهويين اللذين تمّ إنشاؤهما بكل من سنغافورة وايرلندا. وفي ظلّ افتقار الجزائر إلى استثمار رياضي جرى التفكير في إنشاء مدينة بوينان على مساحة 1670 هكتار، بحيث تكون مركزا لوجستيا شاملا يُعنى بسد حاجيات الرياضيين في الجزائر من جانب التجهيزات وفضاءات التدريب ورسكلة الكوادر. وبحكم محدودية إمكانات الجزائر على صعيد الهياكل السياحية، ورغبة الحكومة في تحويل البلد إلى وجهة سياحية، وتحقيق نقلة نوعية لقطاعها السياحي، جرى التخطيط لبعث مدينة سياحية متكاملة في قلب منطقة “المنيعة” الجنوبية، تشتمل على مجموعة متكاملة من الفنادق والمنتجعات والمراكز والمجمعات ذات الطابع التجاري الخدماتي لتحقيق الصدد، بما سيسهم بمنظور محمد بشير كشرود، المسؤول المركزي على مستوى وزارة السياحة، في خلق موارد هامة وامتصاص البطالة بين شباب الجنوب. وتكتمل القائمة بالمدينةالجديدة “حاسي مسعود” (4483 هكتار)، حيث يقوم المخطط على استحداث مشروع طاقوي أخضر بكلفة تزيد عن الست مليارات دولار، ويوضح مراد زرياطي، المدير العام للمشروع، إنّ حاسي مسعود ستحتوي على معهد تكنولوجي ومراكز للتكوين المهني، إضافة إلى معهد عال للنفط ومركز للتنمية، فضلا عن عشرات مقار المالية والتأمينات والتجارة. وستشهد حاسي مسعود استحداث مشروع طاقوي أخضر بكلفة تزيد عن الست مليارات دولار، ويوضح “مراد زرياطي” المدير العام للمشروع، إنّ حاسي مسعود ستسهم في تحقيق انتعاشة اقتصادية طال انتظارها وتوفير قدر هائل من الوظائف، وإسهام ذلك في قيمة مضاعفة تكفل استثمار الفئات النشطة بشكل حيوي في قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة الاستراتيجية والبيو تقنية والطاقات المتجددة والعمران، تتيح تلبية الحاجيات المتزايدة التي يفرضها النمو الديموغرافي المتسارع في الجزائر. لغز الاحتباسات؟ المثير للتساؤل والحيرة، أنّ مشاريع المدن الخمس المذكورة لا تزال رهينة احتباس مزمن رغم إطلاقها في الفترة ما بين 2004 و2006، فمدينة بوغزول التي تسارعت أشغال انجازها بين عامي 2007 و2010، وجرى الحديث عن إعدادها لتصير عاصمة الجزائر الاقتصادية في آفاق العام 2025، سرعان ما سقط كل شيئ في الماء بقرار حكومي غامض في ربيع العام الماضي، بحجة عدم احترام الكونسورتيوم الكوري الجنوبي “دايو انرجي اندكونستريكشن” لدفتر الشروط. بدورها، لا تزال مدن بوينان والمنيعة وسيدي عبد الله تئن تحت طائلة التسويف والإرجاء، تماما مثل مدينة حاسي مسعود التي باتت في خبر كان بعد تفجر فضائح تسيير المجمّع البترولي “سوناطراك”، وإطاحتها بأكثر من اسم في قمة هرم المجمع البترولي المذكور على خلفية منح صفقات غير مشروعة وتبديد أموال. ورغم محاولة مندوب “السلام” الحصول على تفسيرات لما يغلّف ملف المدن الخمس، إلاّ أنّ كل طرف ظلّ يتهرب من الإجابة، وسط غموض الرؤية حاليا واحتباس غالبية ورش المخطط الانمائي التكميلي تبعا لجمود الأمور. وينتقد مراقبون هبوب رياح التجميد في الموسم الأخير على المدن الجديدة، بهذا الصدد، يبدي الخبيران الاقتصاديان أنيس بن مختار والطيب حفصي استغرابا للحالة التي آلت إليها هذه المدن. ويلتقي بن مختار وحفصي في حتمية إحياء مشروعات هذه المدن لبعث الانتعاشة التي طال انتظارها وتوفير قدر هائل من الوظائف، وإسهام ذلك في قيمة مضاعفة تكفل استثمار الفئات النشطة بشكل حيوي في قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة الاستراتيجية والبيو تقنية والطاقات المتجددة والعمران، تتيح تلبية الحاجيات المتزايدة التي يفرضها النمو الديموغرافي المتسارع في الجزائر.