احتضن ركح المسرح الوطني “محي الدين بشطارزي” أول أمس الأحد، ثاني عروض مسابقة مهرجانه المحترف، بتوقيع من أعضاء فرقة المسرح الجهوي لسيدي بلعباس، تحت عنوان “ماذا سنفعل الآن؟” التساؤل الذي طرحه كاتب نص العرض ومخرجه، هارون الكيلاني، على مدار ساعة وربع من الزمن استفز من خلالها الجمهور الحاضر وأقحمه في جو مجنون ولدمن رحم الواقع. شارك عرض “ماذا سنفعل الآن؟” في العديد من التظاهرات الفنية التي احتضنتها مختلف المسارح الجهوية، لتحل ضيفة على جمهور المسرح الوطني بعد تحضيرات دامت 28 يوما، حتى تصنع الفرجة من خلال تجسيد رحلة داخلية سيكولوجية تنصب حول السؤال المتكرر على لسان الطفل موسى الشبح القادم من قبره، ليثأر لنفسه ولأمه من جاره الذي كان سببا في موته عندما رفض أخذه للمستشفى، حيث تأتي جهيدة “والدة موسى” ذات ليلة إلى جلاب، تخبره أن ابنها مريض جدا وتحتاج إلى نقله للمستشفى، فيغلق جلاب الباب في وجهها ظنا منه أنها تراوغ لأجل السهر، لتأتي سيارة الإسعاف متأخرة متزامنة مع خروج أصدقاء جلاب سكارى على سيارتهم مسرعين، فيقع الحادث المميت بعد اصطدامهم بسيارة الإسعاف، يموت الجميع إلا جهيدة، وبعد مرور السنوات ورغم الجرح الكبير، تبقى الجارة ترعى جارها جلاب الذي أضناه التعب والتهم الجنون جسده وعقله بسبب مطاردة أصدقائه الأشباح له، جلاب يصارع الموت غير أنه يستسلم في الأخير ويحرق نفسه في حمامه، كما تتضمن القصة في شطرها الثاني رحلة داخلية في ذات إنسان يعاني الاغتراب والوحدة. مزج العمل بين مسرح الصورة ومسرح ما بعد الدراما من الجانب التقني، وشهد له الحضور بالإتقان والإبداع، رغم بعض الغموض الذي لبسه وقد أوضح الكيلاني هذه النقطة بقوله: “المسرحية موجهة للمنافسة لذلك ركزنا على تقديم مسرحي أكثر منه شعبي لأنه موجه لنخبة مثقفة ومتخصصة في هذا المجال”. وأضاف قائلا: “الاحترافية مطلوبة ونحن نبحث عن مستوى راق، ونتجنب تكرار أعمال سابقة.. كما أن شباب المسرح الجهوي الذين جسدوا القصة لديهم من الخبرة والطاقة الكثير إلى جانب بنيتهم السهلة التطويع مما أوصلنا للنتيجة التي شاهدتموها اليوم”. وعن الطريقة الاستفزازية التي عامل بها الجمهور في القصة قال المتحدث: “المسرح الذي لا يستفز الجمهور ليس مسرحا فهو كسول وغائب، والمسرح البسيط ضعيف”.. فيما أبدى طموحه في جعل أعماله المسرحية كائنا حيا يجوب به العالم. دعوة للاهتمام بمسرح الجنوب وجه مخرج “ماذا سنفعل الآن” رسالة عبر “السلام” إلى فاعلي الفن الرابع وطالبهم بإبلاء مسرح الجنوب اهتماما أكبر، كما طالب الجهات المعنية بوضع ولايات الجنوب ضمن قائمة اهتماماتهم، مشيرا إلى افتقارها لهذا النوع من الأعمال، مبديا رغبة جامحة في التجوال بمسرحيته عبر مدنها.. وحول حظوظه في نيل إحدى جوائز المسابقة قال الكيلاني، أن ثقته بنفسه كبيرة وبمجموعة مجانين مسرح سيدي بلعباس أكبر، مؤكدا أنه حتى وإن لم يظفر باللقب فالمشاركة في تظاهرة مثل المسرح المحترف هي الأهم عنده، الأمر الذي يفتح شهيته للمشاركة في أعمال أخرى تكسبه من الخبرة ما يخوله لاقتحام مهرجانات عالمية حيث قال: “يحضر المهرجان أصدقاء من دول عربية وأجنبية عديدة ومن المؤكد أنهم سيغتنمون الفرصة لاختيار أعمال للمشاركة معهم في عروض مختلفة”. ومن جهة أخرى، كشف المخرج عن جديده المتمثل في عمل مسرحي يحمل عنوان “الشمس تركن لتتذكر” ينتظر الشروع في انجازه بعد اختيار عنصرين أو ثلاثة من الناشطين على مستوى المسرح تتوفر فيهم الشروط. للإشارة، ولد المؤلف والمخرج المسرحي هارون الكيلاني. عام 1968 في مدينة الأغواط. والتحق بالمسرح منذ سن الثامنة، اقتحم عالم الإخراج وعمره لم يتجاوز الثامنة عشر، يملك العديد من الأعمال الهاوية والمحترفة التي نذكر من بينها “جذور”، “الانتقام”، “توافد الحال”.. حاز على عديد الجوائز، وكان له شرف وضع حجر الأساس لبناء المسرح الجهوي لمدينة الأغواط التي ستحتضن عرضه مستقبلا.