"لقد أصبحت جزءا من الحياة التي بقيت لي، متى ستموت؟ متى ستلتحق بنا؟ إنك قادم نحوى النهاية بخطى مسرعة، ذاكرتي لا تشتغل إلا معك، أمك بقلب حنون وبرأس عاهرة، الكل يتبادل الكذب من أجل الخمر، أيتها العاهرة الحشيش التي أتيت بها ليست بالجيدة، الجنية لم تعد تراود جسدي الميت". هي مقاطع من مشاهد مختلفة لمسرحية “ماذا ستفعل الآن..؟" دخل بها أمس، المسرح الجهوي لسيدي بلعباس غمار المنافسة بالمهرجان الوطني للمسرح في طبعته السابعة بحضور جمهور محتشم بقاعة كاتب ياسين، المسرحية عن نص وإخراج هارون الكيلاني مع استلهام بعض المقاطع من روايتي “هوس" لأحميدة عياشي ورولية “شهقة الفرس" لحيدر. المسرحية جسد شخوصها نخبة من الممثلين على غرار عبد الله جلاب المتألق في كثير من الأعمال المسرحية والتلفزيونية إلى جانب حسين بن شميسة، محمد بن بكريتي، موسى لكروت، نبيلة حجازي، جهيدة مسلم، ياسين جوزي، أما السينوغرافيا كانت من توقيع حمزة جلاب. جاءت مسرحية “ماذا ستفعل الآن..؟" على شكل سؤال متكرر على لسان الطفل موسى الشبح القادم من لحده ليثأر لنفسه ولأمه من جاره جلاب، هذا السؤال يصبح مصدر قلق نفسي وأرق لشخصية جلاب، الرجل الكهل الذي يحاول الفرار من الموت المحتوم وعالم الجنون أين أخذت أشباح أصدقائه تطارده به في أي لحظة بأمر من الطفل موسى ابن الأرملة التي جاءت تتوسل جارها جلاب في ليلة حالكة لمساعدتها لنقل ابنها إلى المستشفى غير أنه قابلها بالرفض قبل سؤالها وأغلق الباب في وجهها ظنا منه أنها جاءت تراوغ لأجل السهر ككل ليلة، مما جعلها تنسحب وتطلب سيارة إسعاف، هذه الأخيرة تعرضت إلى اصطدام عنيف مع سيارة أصدقاء جلاب الثملين، الجميع يموتون في الحادث المروع إلا الجارة التي بقيت وحيدة والأصدقاء الذين يعودون إلى الحياة على شكل أشباح، وهذا ماجعل جلاب بطل العرض يدخل في متاهات الجنون وبقيت الجارة جهيدة ترعى جارها جلاب الذي فقد عقله في لحظة ألم وجنون ليسقط مستسلما أمام واقعه المر ليقوم بحرق نفسه بالحمام ظنا منه أنه سيلتحق بأصدقائه بالعالم الآخر ويتحرر من حرقة الضمير. المسرحية جاءت في قالب عبثي اعتمدت على الرموز لفك طلاسم المجهول وهذا ما أبدع فيه الممثلون، حيث أخذوا يتراشقون بالكلمات دون عناء مما يدل أن جلهم له خبرة لا بأس بها على الخشبة وهذا متعارف عليه بالمسرح الجهوي لسيدي بلعباس، الذي ظلت خشبته ولادة لجيل مسرحيين منذ أمد بعيد. حتى وإن بدا للبعض أن توظيف العنف على المستوى اللفضي والخطاب يشكل بعض الحرج وهذا ما حاول أن يأكده لنا مختص بالمسرح حيث قال “رغم أن فكرة النص تستحق أن تحول ركحيا غير أن الكلام الخادش للحياء أفقده رونقه، فهارون الكيلاني يملك إمكانيات فائقة كان بمقدوره أن يتجنب مثل هذا الأسلوب.