في ظل تداعيات جائحة كورونا يمر المجتمع البجاوي بفترات عصيبة منذ أن وطأت جائحة كورونا أقدامها على ارض بلادنا، هذا الوباء الذي غيّر من نمط حياة العائلات والأفراد، وفرض على المجتمع وضعا خاصا يجمع بين معاناة نفسية واجتماعية ومهنية، حاملا معه سلبيات عديدة صحية بالدرجة الأولى ثمّ عوز وفقر وبطالة ..، والخطير في ذلك إذا ما استمرت هذه الجائحة في مسارها محاولة منها لتعشش في أوساط الناس، إلا أن الإرادة والمصابرة والمثابرة عناصر إيجابية بإمكانها أن تسهل الطريق للانتصار على هذا الفيروس القاتل، وتدحره في مهد ولادته ليزول عن الوجود عاجل أم آجلا، ولعّل المؤشرات التي تجسدها الأرقام يوما بعد يوم على الساحة الصحية ينبأ بقرب نهاية هذا الوباء، هذا الداء الذي أثر سلبا على مجريات اليومية للعائلات وخلق في نفوس الأفراد وضعا حرجا كان سببا رئيسيا في المشاحنات اليومية وبروز مظاهر صحية نفسية جديدة لم تكن سابقا كالهوس والخوف والحزن .. بغض النظر عن الهواجس التي تلاحق الناس في أحلامهم على شكل كوابيس، إضافة إلى صعوبة في تأمين مستلزمات العائلات من ضروريات كالغذاء والدواء .. إنها وضعية اجتماعية صعبة للغاية جعلت من العمال بمختلف فئاتهم ورتبهم ونشاطهم يقبعون في بيوتهم بصورة إلزامية لسببين الأول لمنع انتقال العدوى والحفاظ على صحة الجميع والثاني هو الخوف من تبعات هذا المرض الفتاك للأرواح. فتواجد أفراد العائلة الواحدة في مساحة ضيقة للغاية على مدار ساعات طويلة يخلق فضاء للتوترات النفسية والعائلية مما يؤدى في أغلبية الحالات إلى آثار عكسية التي تزداد حدة في حالة ما إذا ما كان الزوج والزوجة عاملان في السابق، أما عن الأولاد والأطفال فتلك مشكلة أخرى عويصة المخرج كونهم محرومون من أدنى توفر وسائل اللعب والترفيه رغم ما تملكه هاته العائلات من إمكانيات محدودة جدا بصرف النظر عن شبكة التواصل الاجتماعي، ألعاب الانترنت، مشاهدة الأفلام في مختلف القنوات..، ولعّل المؤثر القوي على نفسية التلاميذ هو مغادرتهم لمقاعد الدراسة في وقت لم يكن في الحسبان، فكانت القطيعة مع الدراسة كالضربة الموجعة بالسيف، والملاحظ أن فترة الحجر الصحي كشفت عن مدى تغلغل الفقر في الوسط الاجتماعي، حيث حينما نحاول استقراء وفهم تلك الحملات التضامنية والخيرية التي تنظم يوميا بصورة مستمرة دون انقطاع، تنكشف لنا المعاناة الحقيقية لمجتمع صامت يسعى دوما العيش في الكفاف وعفة النفس، وهو ما يزيد توضيحا أن الطبقة الوسطى لم تعد موجودة بل انسلخت من جسد المجتمع منذ زمن بعيد، إن هذه الصورة المؤلمة تستدعي التفكير والتأمل والدراسة من قبل علماء الاجتماع والسوسيولوجيين والمختصين في علم النفس للعمل سويا لإنقاذ هذا المجتمع الذي يملك صفات إنسانية بوسمة ملائكية وبين صفات تجمع بين الخير والإحسان من جهة وما يمتلك من قوة التحمل والصبر والعفاف من جهة أخرى، محاولة منه – المجتمع – للعيش في استقرار وأمن وسلام، هذه الغاية هي التي تمد كيان المجتمع بعناصر القوة المعنوية التي ترفع من معنويات الأفراد وتغرس فيهم الصبر والإرادة القوية والإخلاص للوطن روحا وجسدا، إن الأزمة تلد الهمة واستلهامنا للعبرة منها يجعل المجتمع أكثر قوة من ذي قبل، حيث أن اكتساب عناصر القوة والانتصار على الجائحة يشكل بحد ذاته مؤشرا إيجابيا الذي يساهم في تحديد قوة شخصية الأجيال القادمة، إن استنباط الحكمة والمضي في زرع الأمل في النفوس وتشجيع الملكات والمواهب وتفجير الطاقات على أرض الواقع سيكون له امتداد واسع النطاق على المدى القريب والبعيد، حيث ستساهم في بناء قاعدة اجتماعية واقتصادية وعلمية تكون بداية لعهد جديد يتسم بالتغير الإيجابي الذي يشمل المجالات الحيوية للإنسان، من خلال تفعيل العبقرية الذهنية في صنع المعجزات والابتكارات المتطورة، ولا شك أن مساهمة الشباب في صنع العديد من المستلزمات الطبية كأجهزة التنفس والنفق الذكي ومواد أخرى. هي ملامح محفزة للبدء في مرحلة جديدة مبنية على تشجيع النخب لقيادة المجتمع والخروج النهائي من نفق الجهل وبراثن التخلف..، إن المؤشرات المستقبلية من خلال الاستشراف يكشف عن وجود طاقات اجتماعية هائلة بإمكانها أن تساهم بشكل أكبر في مجال التطور التنموي وتبقى التنمية البشرية العنصر الفاعل في أي انطلاقة نحو تحقيق الازدهار والرقي الاجتماعي، لكن هذا مرتبط بمدى تنمية قدرات الشخصية الوطنية والإخلاص للوطن والحفاظ على المكتسبات الوطنية، وأمام هذه الوضعية التي تحيط بالمجتمع الناجمة من تداعيات أزمة كوفيد 19 تقتضي التعاون الجماعي وتفعيل كل المبادرات الإنسانية وتشجيعها وإتاحة الفرص لأصحاب النوايا الحسنة للظهور على الساحة بهدف تقديم يد العون للعائلات الفقيرة ومرافقتها في ظل هذا الوباء، والاسهام بمختلف الإمكانات التي يمكن أن تحسن أوضاع العائلات نفسيا واقتصاديا، وهذه الصفة السامية المكرسة في سلوك المجتمع الجزائري ستبقى راسخة وماضية في درب الأجيال القادمة، حفاظا على وحدة الأمة وجمع شملها وتمتين قوتها لتكون دوما مفخرة وموطن عزة وكرامة.