الأنترنت والهاتف النقال: أو عندما يحال ساعي البريد على التقاعد من منا يتذكر آخر رسالة بريدية وصلت إليه من أخ أو صديق؟ أو رقم صندوق بريده الذي كان يتفقده يوميا قبل سنوات؟ ربما أغلبنا لا يتذكر حتى وإن حاول مليا استرجاع الذكريات القديمة، فالبريد العادي ربما يكون عما قريب قصة تتناقلها الأجيال عن رجل يسمى ساعي البريد كان يقوم بتوزيع البرقيات والرسائل على سكان الحي. في أحيان كثيرة يكون التقدم التكنولوجي نقمة تفقدنا الشعور بالمشاعر والعواطف التي أصبحنا ننظر إليها كشيء مضى، ربما نحدث عنه أبناءنا وأحفادنا الذين سيسألون باستغرب ودهشة عن ماهية الرسائل البريدية! فالرسائل البريدية التي كانت طريقة التواصل مع الأهل والأصدقاء والتي كان لها رونقها الخاص في التعبير عن الاشتياق، كان القارئ يشعر من خلالها بتواصل وجداني مع مرسلها من خلال خط يده وربما كان يعود لقراءة الرسالة مرات ومرات ويحتفظ بها ليؤنس بها وحدته وتخفف عنه لوعة الشوق والحنين.. وهي الرسائل التي يشعر مستلمها بأن مرسلها أمضى وقتا يفكر ويحاول أن يخرج روائع الكلمات لتعبر له عن حبه له، كل ذلك زال برسالة الكترونية جافة تفتقد للوجدانيات مهما كان الكلام منمقا فيها. فالعولمة التقنية وثورة الاتصالات الهائلة التي عرفتها البشرية مؤخرا أثرت بشكل كبير على نمط الحياة السائد وبشكل خاص على طريقة التواصل بين الناس، وأصبح الSMS والفايس بوك والبريد الإلكتروني بديلا أسرع وأضمن وأرخص من البرقية الورقية التي كانت توضع في الصندوق وتستغرق عملية وصولها للجهة النهائية عدة أسابيع وربما أشهرا وفي بعض الأحيان لا تصل، في الجزائر ورغم التحديثات المضطردة التي يشهدها القطاع لمواكبة التطور التقني والتكنولوجي في عالم الاتصالات، إلا أن الخدمات البريدية حاليا تكاد تكون مقتصرة على الشركات والمؤسسات العامة والبنوك، أما الأفراد فقلة قليلة منهم هي التي ما تزال تحتفظ بصندوق البريد التقليدي كعنوان. لا شك أن الثورة الرقمية قد اجتاحت كل جوانب الحياة، ومع أن هذه الطفرات التكنولوجية ما زالت تعتبر في مهدها، إلا أنها رغم عمرها القصير نسبيا أثرت على طبيعة علاقاتنا الاجتماعية، فاليوم أصبح الكثير منا يهنئ ويبارك بل حتى يعزي ويدعو لمناسبات شتى عن طريق هذه التقنيات، وسؤالنا هنا يتمثل جوهره، هل هذا الأمر مؤشر على أن علاقاتنا الاجتماعية في تراجع وانحلال؟ وهل أن رسائل الجوال والرسائل الإلكترونية أصبحت جزءا لا يتجزأ من علاقتنا وتواصلنا مع من حولنا؟ وهل قضت هذه الرَّسائل على روح التواصل والصلات الحميمة والعلاقات الدافئة بيننا؟ وفي هذا الإستطلاع نستعرض جانبا من تأثيرات هذه التكنولوجيا التي اجتاحت بيوتنا وعقولنا دون استئنان حيث كان لنا ما يلي. صندوق البريد.. شيء من الماضي أغلب من تحدثوا ل «السلام» أكدوا أنهم يمتلكون صندوق بريد لكنهم لا يستعملونه إلا اضطرارا، بل من بينهم من استغرب أصلا السؤال عن البريد التقليدي في هذه الأيام، التي بات البريد الإلكتروني والفايسبوك والفاكس والهاتف المحمول.. سادة وسائل الاتصال فيها دون منازع، معتبرين أن تعاملهم مع مؤسسة البريد لا يتعدى الحوالات البريدية أو الطرود المرسلة. وفي الموضوع يقول عمر: “إن قلت إني أذكر رقم صندوق بريد منزلنا أكذب عليك، لا أتذكر حتى متى استخدمت الرسائل المكتوبة آخر مرة، العالم تحول فجأة إلى التقنيات الحديثة والإنترنت التي غيرت طبيعة الكون والعلاقات بين الأفراد والأسرة، كما أن السرعة الرهيبة التي تصل بها المعلومات والدقة والخصوصية كلها مميزات سحبت البساط من تحت الرسائل البريدية المعروفة التي كانت تستغرق وقتاً طويلا للوصول وتمر بعدة مراحل وأيادٍ قبل مستقرها النهائي”، واعتبر عمر أن البريد العادي أصبح من الماضي تقريبا، ويشهد في كل أنحاء العالم انحسارا في نطاق خدماته التي أحجم عنها الناس لانتفاء مردودها الفعلي مع ما توفره الوسائل الأخرى للتواصل، وشبه عمر الصناديق البريدية اليوم بالتحف القديمة التي تذكرنا بالماضي. تعازٍ إلكترونية! بدوره يصف سمير طالب جامعي البريد العادي بالتراث القديم الذي نتذكره حينما تقع في أيدينا رسالة من الرسائل التي نحتفظ بها في صندوق الحاجيات القديمة، مؤكدا حسب رأيه أن التقنيات الحديثة قضت أو تكاد تقضي على عملية إيصال الرسائل يدا بيد، ويضيف: “أتذكر كم كانت الرسالة تتأخر لعدة أسابيع في البريد قبل أن تصلني من الوالد الذي كان يعمل في إحدى البلدان الأوروبية، وكيف كانت الطرود تأتينا ممزقة ومتغيرة الملامح إثر السفر بعد أن تبادلتها الأيدي هنا وهناك، وكيف كان الساعي أحيانا “يتخلبط” في الرسائل ويعطي أهل هذا البيت رسائل بيت الجيران!، لقد أظهرت لنا التكنولوجيا الجديدة كيف كان التواصل بين الناس بدائيا جدا، ويعتمد على العمل اليدوي” يضيف سمير. وإن كان سمير لا ينكر أن الرسالة الورقية القديمة التي وإن كانت تصل متأخرة لمقصدها، إلا أن لها مميزات خاصة تختلف عن الرسائل النصية القصيرة التي تأتينا هذه الأيام عبر الموبايلات بمناسبة الأعياد والأفراح وحتى كتعاز إلكترونية! زبائن من نوع خاص بينما لم يتفق خالد مع القول إن خدمات البريد لم تعد تحظى بإقبال الناس وهي في طريقها للاندثار، مؤكداً أن للبريد زبائن من عدة الجهات منها الشركات والمؤسسات والمصارف على وجه الخصوص، وأضاف خالد “البريد مازال الطريقة الأساسية للتواصل في الكثير من المجالات التي تتطلب نوعا معينا من التوثيق في المراسلات البينية كالشركات والمؤسسات الحكومية والمصارف والشركات الكبرى التي لا تستغني عن البريد في إيصال خطاباتها واستمارات الحسابات وكشوفها الفصلية التي لا يمكن أن تبعث في البريد الإلكتروني أو الفاكس، كما أن الطرود البريدية الكبيرة والمعدات الدقيقة كلها مازالت تبعث فقط عبر البريد”. وأكد سالم أنه لا يمكن أن ينكر تطور الوسائل الأخرى وسرعتها وأمانها لكن من الخطأ اعتبار أنها أثرت على البريد العادي والدليل لديه وجود شركات ما تزال تعمل وفي توسع مستمر، وفروعها تشهد ازدحاما وعملية فتح صندوق بريد جديد تستغرق وقتا بسبب الإقبال الكبير من المؤسسات عليها. أما أنيسة فترى أن تأثير الأنترنت والهاتف المحمول وغيرها من الوسائل على البريد العادي وتهديدها له أمر لا يمكن إنكاره بأي حال، إلا أن هذا لا يعني أن البريد انتهى أو أنه في طريقه للزوال، مستشهدة بالبلدان التي تعتبر المؤسسات المسؤولة عن البريد فيها من أكبر الشركات في البورصات العالمية وأنشطها. رسالة معايدة لاختزال صلة الرحم وحول ما إذا كانت رسائل SMS والرسائل الإلكترونية باستطاعتها أن تكون بديلا عن التواصل المباشر، يجمع عدد من النخبة ممن استفسرتهم السلام على أنها تفي بشيء من الغرض، وخاصة في بعض الحالات الخاصة لمن كان مسافرا، أو بعيدا عن أهله وأرحامه ومعارفه، إلا أنه لا ينبغي أن تُختزل صلة الأرحام والعلاقات الاجتماعيَّة برسالة معايدة أو تهنئة أو تعزية، لعدم تحقق المقصد التام منها، بل تصلح أن تكون بديلا مؤقتا أو إضافيا، وفي حال تزاحم الأرحام والمعارف، يقدم الأقرب فالأقرب، ويصل الآخرين بتلك الوسائل ما أمكن، وخاصة أن صلة الأرحام لا تقتصر على الزيارات، بل لها أوجه متعددة وحدود متفاوتة، ويقول سفيان طالب في الشريعة: “صلة الرحم واجبة ولو كانت بسلام، وتحية، وهدية، ومعاونة، ومجالسة، ومكالمة، وتلطف، وإحسان، وإن كان غائبا يصلهم بالمكتوب إليهم، فإن قدر على السير كان أفضل”. محاذير شرعية بالنسبة للمحاذير الشرعية التي يجب التنبيه منها، فأجاب نوفل وهو طالب في الشريعة أيضا: قد يركن من يستخدم تلك الوسائل إليها ظانا أنه قد قام بواجب صلة الرحم، فتكون سببا في تقصيره في وصل أرحامه بالشكل المرجو الذي يحقق أهدافه، وكذلك قد تكون هذه الوسائل سببا للتواصل مع مَن لا يجوز التواصل معه بسبب التهاون بآثارها، وقد تكون سببا في ترويج الفاحشة بحجة الفضول وحب الاطلاع، أو سببا في نشر الإشاعات المثبطة والمُرجفة بحجَّة تناقل الأخبار، فينبغي الحذر من كل ذلك.