«مملكة الفلاڤة» هي التسمية الذي أطلقها الجنرال شال؛ القائد العام للقوات المسلحة الاستعمارية بالجزائر على منطقة الميلية، حيث جاء في كتاب «الوقت الضائع» في الفصل الذي يتحدث فيه الكولونيل ترانكي عن مخطط شال، قوله متحدثاً لترانكي: «سأعطيك قيادة المنطقة الأكثر صعوبة في الجزائر، إنها الميلية. كان الهجوم محرقة حقيقية استهدف كل ما هو حي من إنسان وحيوان ونبات، وقد تمكن فيه من الاستحواذ على كمية معتبرة من بنادق الصيد كانت بحوزة مجاهدين ،ومدنيين قضوا في هذه المحرقة. وتحت وطأة هذا المخطط الجهنمي الكاسح قررت قيادة المنطقة المتمركزة في العتقة وأولاد الصالح، ممثلة في مسعود بوعلي ومساعديه: علي دُعَا الشهير ب بن جكون أصيل منطقة مشاط، وهو من العسكريين الذين عملوا في الجيش الفرنسي لمدة قاربت 12 سنة أحضره مسعود بوعلي، كذلك زيدان بسطة، وعلي صوال المدعو، قررت الرد عل مخطط بيجار، ومحاولة فك الخناق على المناطق التي استهدفها فاشتبكت معه في العديد من المعارك في مناطق أولاد عربي، الدمنة دي قويدر، بوسعاية، تارسات، ونجحت في إرباكه، وبدأت في إخراج السكان إلى مناطق آمنة كخروف و الجوزات تمهيدا لنقلهم إلى منطقة بني صبيح التي كانت آمنة، ولم تطلها يد الاستعمار في هذا الهجوم. وتعرض المؤلف لمعركة ذراع بولقشر الفاصلة، والتي كانت بقيادة المجاهد الكبير أحمد بلعابد، وقد تمكن المجاهدون فيها من غنم أكثر من خمسين قطعة سلاح متنوعة، وتمكنوا من إبادة قافلة عسكرية فرنسية مشكلة من حوالي خمس عشرة شاحنة، وكانت هذه المعركة رداً قوياً على مخطط بيجار. وعقب هذه المعركة ارتكب الجيش الفرنسي جرائم فظيعة ضد السكان العزل،وقد علق المؤلف على عظمة هذه المعركة،وردود الفعل التي انجرت عنها بقوله: « كانت معركة ذراع بولقشر عظيمة في جرأتها، عظيمة في رجالها، عظيمة في تنفيذها، عظيمة في نتائجها، ولا أعتقد أن هناك ما يماثلها على مستوى الوطن، فلم يسبق، وأن سمعنا عن معركة بذلك الحجم، وتلك النتائج في مكان آخر. على إثر هذه المعركة داهم الاستعمار الفرنسي المشاتي القريبة من المكان كمشتة الطهر دي لمصلى، ومشتة بين لجبالة، ومشتة الرغاوة، واعتقلت أكثر من 40 مواطنا أبادتهم جميعا في مكان يسمى الدخسة دي الناصر. ولا يفوتني أن أذكر جريمة استعمارية أخرى تتمثل في حرق الشيخ عمي أحمد خراب، وهو في التسعين من عمره برش البنزين عليه، وحرقه انتقاما من ماضيه الوطني حيث كان صديقاً للأمير خالد، ومصالي الحاج وبن الغول وبن جلول ونفي في 1930 إلى الصحراء، وعند عودته من منفاه تم نزع شنبه إذلالا لرجولته، ولم يدخل مدينة أولاد عيدون إلى بعد أن نبت شنباه من جديد. بعد هذه المعركة، وفي مارس 1956 أنهى بيجار مخططه، وعاد يجر أذيال الخيبة، والهزيمة بعدما تكسر كبرياؤه على صخور أولاد عيدون، وعاد المهجرون إلى مناطقهم، وساد هدوء حذر ينبئ عن عاصفة أخرى قادمة قد تكون أمر وأقسى. وسلط المجاهد عمر شيدخ العيدوني الأضواء على التغييرات التي وقعت في المنطقة بعد مؤتمر الصومام، فأشار إلى الفترة الممتدة ما بين أوت 1956 وبداية 1957، والتي شهدت تشكل فيلق الولاية بقيادة مسعود بوعلي، ونائبه رابح بلوصيف، «هذا الفيلق يتكون من عدة كتائب يقودها كل من محمد خيري المدعو الكابران، دخلي المختار المدعو البركة، حسين لمشلط، سعيداني عمر المدعو السارجان بابا، مسعود بونعاس المدعو النية، عبد الوهاب من القل، وقام بعمليات كبرى على غرار عملية زقار في أواخر 1956 بين تمالوس وأولاد عيدون قادها ميدانيا مسعود بوعلي، ومعه نوابه، وعدد كبير من مجاهدي القل، وأولاد عيدون، والطاهير، وقتلوا الكثير من الجنود الفرنسيين، وأسروا عددا آخر كلهم من المجندين الأفارقة المعروفين ب «الساليغان» نسبة إلى دولة «السنغال» وعلى الأرجح فإنهم أعدموا جميعا. من بين المعارك الكبرى التي خاضها فيلق أولاد عيدون معركة «بين لغدر» على طريق قسنطينة في بداية 1957م وقد استشهد فيها الكثير من المجاهدين. أيضا معركة أسردون الشهيرة التي استشهد فيها «البركة» الذي كان محبوباً من قبل المجاهدين. إضافة إلى مشاركة بعض المجاهدين المحبوبين في هذه المعركة مثل «صوت العرب» المدعو بوبنيدر، وعلي منجلي وزعموش حسين المدعو لمشلط، وقويسم عبد الحق وسعد اللبان وكانوا يتمتعون بقدر كبير من الاحترام، وهذا لشجاعتهم الكبيرة، ثم معركة مشاط أزارار الكبرى في سنة 15 أفريل 1957، وفيها أسقطت مروحية على متنها عقيد في الجيش الفرنسي ، وهو العقيد الثاني الذي يسقط في المنطقة، وهو brochet de vaugrigneuse «بروش ديفاركيوز» وقد أخذت بندقيته الآلية، وسلمت إلى بن طوبال، وعادت أولاد عيدون مرة أخرى لتحتل واجهة الصحف العالمية بانجازاتها العسكرية الحاسمة. أما مخطط سوفينياك ( 1957-1958م)، الذي جاء تحت إمرة الجنرال (سالان)، الذي تولى قيادة الفلول الاستعمارية في الجزائر، فقد تم من خلاله إعلان جل مناطق الشمال القسنطيني مناطق محرمة، وتم ضرب حصار اقتصادي جهنمي ضد سكان المنطقة، ويذكر المؤلف أن الجيش الفرنسي،وتطبيقاً لأوامر( سوفينياك)، كان يخلط كل ما يؤكل من دقيق، وسكر، وحليب، وزيت، ومواد أخرى بالبترول السائل، ليحرم السكان، ومن ورائهم المجاهدين مما يقتاتون منه على بساطته وقلته، معتقدا أنه بهذه الطريقة سيحكم قبضته على المنطقة، ويأتيه المجاهدون أذلة صاغرين مستسلمين، ولكنه خاب وخاب مسعاه. وقد تمكنت الثورة من الوقوف بقوة في وجه مخطط (سوفينياك)، حيث تم تنظيم إضراب شامل عرف بإضراب الثمانية أيام بالتزامن مع هذا المخطط، وبالنسبة لمنطقة أولاد عيدون يقول المؤلف: «إن كل الشخصيات الجزائرية المسلمة الساكنة بوسط المدينة خرجت» واجتمعت في العتقة مركز قيادة المجاهدين وعلى رأسهم مسعود بوعلي، ومن بين هؤلاء: بوجمعة قريد وكان يشغل منصب مستشار عام لوالي قسنطينة، وكان صديقا لروني مايير، رئيس الوزراء الفرنسي ذي الأصل اليهودي، وهو من مواليد قسنطينة، وكان ينتمي سياسيا إلى المستقلين، ومن بين الشخصيات أيضا القاضي مصطفى بن يزار، وكان يعمل بأولاد عيدون، وأحمد قارة محام، وعبد الرحمان حمودة أستاذ ثانوي، وسليمان مسقالجي تاجر ينتمي إلى حركة البيان، وقريد محمد الصالح، وكان تاجرا كبيرا يصدر السلع إلى فرنسا وغيرهم كثير قارب عددهم الخمسين، وكلفتهم الثورة في هذا الاجتماع بضرورة القيام بإضراب عام وحمل الناس على ذلك، فنفذوا الأمر، وبالتزامهم نجح الإضراب بنسبة 100% والذين كانوا مسؤولين عن هذا النجاح من القسم الرابع هم بن حملاوي مسؤول، ونوابه سي رابح غيوة وسي أحمد بوشريط وسي أحسن زعيمش وغيرهم.. على إثر هذا الإضراب قام الاستعمار بتخريب كل المحلات التجارية المضربة عن آخرها، ومخافة القتل أو الأسر أو حملهم على العمل بالقوة فغادر أغلب السكان المدينة، واستقروا بجبال بني فرقان ومشاط، وأولاد عربي، والعتقة، وأولاد الصالح. وفي هذه الأيام المشحونة تمكنت الثورة من ضرب العدو من خلال عملية نوعية جريئة تمثلت في قتل الحاكم «جيرمان فور» برتبة عقيد، وهو العقيد الثالث الذي يسقط في المنطقة، إذ تمكن البطل سعيداني محمد من التسلل إلى مكتبه، وقتله وعند محاولة خروجه اشتبك مع أفراد من الجيش الفرنسي فسقط شهيدا». من أخطر المجازر التي عرفتها المنطقة: كما كشف المؤلف النقاب عن أخطر المجازر التي وقعت بالمنطقة، فذكر أن منطقة سطارة مثلاً، والتي كانت منطقة محرمة لجأ سكانها من الترويع، والجوع إلى الجبال القريبة، واحتموا بالمجاهدين، وأصبحوا يعيشون معهم، حوصرت من قبل الجيش الفرنسي، ومع هذا الحصار دخل المجاهدون «في اشتباك كبير دام يومين كاملين استشهد فيهما أزيد من 500 شهيد بين مجاهدين، ومدنيين بسطاء من أطفال ونساء وشيوخ ما تزال عظامهم متناثرة حتى الآن بين بني صبيح وبني تليلان». وفي المكان المسمى تامدور قام جيش الاستعمار بإبادة أزيد من 30 مواطنا أغلبهم من الشيوخ، وفي قرية الدردار قام جيش الاستعمار بإبادة رجال المنطقة عن بكرة أبيهم، فلم يدع منهم أحدا إلا وقتله وكان ذلك في رمضان قبل الإفطار بحوالي ساعة، وفي مشتة الدرامة تمت إبادة أكثر من 95 شخصا على عدة مرات، أكثرهم من المدنيين العزل، ومنهم بعض المجاهدين على رأسهم بودرمين أحمد بن لبجاوي. يتبع..