ثم إنه كان متهما بتنظيم سلسلة من الهجمات المسلحة السرية، على المستوطنيين اليهود والموظفين البريطانيين في حيفا وجوارها، ابتداء من اوائل الثلاثينيات، وانتقل إلى جبال يعبد، بين نابلس وجنين في أوائل نوفمبر، وبعد مقتل شرطي يهودي عامل في القوات البريطانية، جرى محاصرة مجموعة عزالدين القسام بقوة كبيرة من الشرطة والجيش البريطاني ودعيت للاستسلام، غير أن عزالدين القسام دعا رجاله للمقاومة والاستشهاد، وفتح النار على القوة التي كانت تطوقه، وقد ألهب تحديه والطريقة التي استشهد به حماس الشعب الفلسطيني . وبعد خمسة أشهر استطاعت مجموعة من المجاهدين بقيادة أحد رفاق عزالدين القسام، أن تنصب كمينا لمجموعة من اليهود في شمال فلسطين، وفي الاسابيع اللاحقة نشأت في مختلف أنحاء فلسطين مجموعات من الفدائيين في القري والمدن بقيادة أخرين من انصار عزالدين القسام وبذلك بدأت ثورة عام 1936م. لكن، أية علاقة تربط بين الشهيد القسام والمقاومة الجزائرية ضد المحتل الفرنسي؟. ولد عزالدين القسام في جبلة في منطقة اللاقية في سوريا عام 1882م – 1300 هجرية، وكان جده وشقيق جده اللذان قدما إلي جبلة من العراق شيخين بارزين في الطريقة القادرية، كذلك كان والده عبد القادر موظفا في المحكمة الشرعية في ظل الحكم العثماني، وهناك قول آخر بأن والده كان يتبع الطريقة النقشبندية أيضا، التي لعبت دورا ملحوظا في مكافحة الفتوح الاستعمارية في القرن التاسع عشر في سوريا. وفي أوائل العشرينات التقى عزالدين القسام بالشيخ الجزائري محمد بن عبدالمالك العلمي الذي عمل للحصول على إذن لزوجة عزالدين القسام وبناته للخروج من سوريا، واللحاق بالشيخ في فلسطين، وللشيخ الجزائري أثر آخر على الشيخ عزالدين القسام، فهو مقدم في الطريقة التجانية جاب الشرق العربي في أوائل القرن العشرين وأنشا فروعا وزوايا لهذه الطريقة في مصر والسودان، وليبيا وسوريا وفلسطين والعراق والجزيرة العربية، وأدخل عزالدين القسام وثلاثة آخرين في هذه الطريقة، حتى بلغ رتبة مقدم فيها وإذا كان عزالدين القسام لم يسع إلى إدخال الآخرين في هذه الطريقة، فإن حركة المجاهدين التي بناها في حيفا كانت على أساس الطريقة التجانية . في حياة عزالدين القسام شيء يصعب إدراكه حتى على أشد المعجبين بالحركة القومية العربية، فهذا أحمد الشقيري يكتب بتأثر عن محاولته كمحامي قوي شاب للدفاع عن القساميين الذين نجوا بعد معركة (يعبد) ويشير إلى ذهوله أمام هدوئهم ورباطة جأشهم بانتظار المحاكمة، لقد اعتقد أحمد الشقيري في بحثه، عما يدافع به عنه أن القساميين تعرضوا لتعذيب وإكراه لدفعهم على الاعتراف، والواقع أنهم اعترفوا بحرية بإسهامهم في المعركة وقالوا إنهم مجاهدون في سبيل الله ولن يصيبهم إلا ما كتبه الله لهم، انتهى كلام المستشرق المسلم عبدالله شليفر. وفي كتاب ( الإسلام والنصرانية في إفريقيا ) لمؤلفه الفرنسي بوني موري تحت عنوان ( التجانية ) يذكر: هنالك الطريقة التجانية مؤسسها أحمد بن محمد التجاني المتوفي في فاس سنة 1782 وكان يتظاهر بالتسامح مع غير المسلمين، ومع هذا ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم تتورع التجانية عن استعمال القوة في مخاصمة أقرانهم ونشر العقيدة الإسلامية، وأهم مراكز التجانية عين ماضي على سبعين كيلومترا في الجنوب الشرقي من الأغواط وفي تماسين، وهم كثيرون في مراكش ولقد تبع الطريقة التجانية عدد كبير من أهل (ماسينا) في السودان (وأهالي فوتا تورو) و( فوتا جالون ) وأمه ( البله) وصاروا من أشد أنصار الإسلام وانضموا حول راية الحاج عمر، وهو ابن شيخ مرابط ولد سنة ( 1779 ) في قرية الفار من بلاد ( ديمار) فرباه أبوه وعلمه ثم حج البيت الحرام وزار المدينة وقرأ مدة في الأزهر وعاد إلى (بورنو) سنة 1833 ثم ذهب إلى بلاد الهوسا، وأخذ بعظ الناس بالرجوع إلى عقيدة السلف وفي أثناء ذلك جاء أخوه ومضى به إلى بلاد ( فوتا السنغال) فعرج على بلاد( البمبارا) وحصلت معه هناك حوادث وعوارض كثيرة، لكنه تغلب عليها وانضم إليه في بلدة ( كونكان ) رجل يقال له محمد وسار على طريقته وأدخل في الإسلام فرقة من ( البله) يقال لهم( الواسو لونكه) ولما علت كلمة الحاج عمر، ونظر إليه الناس نظرهم إلى المهدي، حشد جيشا صغيرا وآثار جميع مسلمي بلاد( غابون ) وهزم البمبارا الوثنيين شر هزيمة في( مونيا ) واستولى بعدها على ( كونياكري) سنة 1854 وجعل مقره العام في( نيورو) ثم استولى على مملكة (سيقو) وعلى بلاد ماسينا، وكانت وفاة الحاج عمر سنة 1865م، وهو في حرب مع مسينا، وقد خلف للطريقة التجانية سلطنة إسلامية عظيمة في وسط بلاد الزنوج الفتيشيين، ثم خلف الحاج عمر ابن أخيه ومريدا آخر له اسمه أحمد، وقد حاولا توسيع فتوحات الحاج عمر وآثارا أهالي فوتا تورو والسوننكة الذين في بلاد كاراته والتوكلولور الذين في السنغال على فرنسا، فصار وجود هذه السلطنة التجانية في وسط السودان خطرا عظيما على سيادة الإفرنسيين، وللتدليل على مدى خطر التيجانية على السلطات الاستعمارية وخشيتهم منها، نذكر قولهم التالي، الذي اختلفوا فيه ومفاده: هل يتم تمدين السودان الغربي على يد فرنسا وضباطها المبشرين المسيحيين أم على يد التجانية رسل الإسلام ؟. فالكولونيل أرشينارد أخذ مدينة ( جنة ) و( بندجاقار) فأوقف غارة التجانية في هذا القسم من إفريقية، ويسر فتح السودان بين يدي المدنية الاوروبية ثم عقب ذلك فتح الكولونيل غنيس ديبورد لبلد باماكو، واستلحاق القومندان غلييني لبلاد ( فوتا جالون ) وافتتاح الكولونيل أرشينارد لبلاد ( ماسينا ) وتوجت جميع هذه الغزوات باحتلال ( تمبكتو) في 10 جانفي 1894 مما خلد أعظم الشرف للعساكر الفرنسيين، وأعاد ذكرى ظفر شارل مارتل في بواتييه بسبب ما كان يترتب من النتائج العظام لمستقبل إفريقية في ما لو لم يتم هذا الظفر، انتهي كلام بوني موري، أنظر كتاب ( حاضر العالم الإسلامي). فها هو رأي الفرنسيين في الطريقة التجانية وكيف أنهم يعتبرونها أكبر عدو لهم في المنطقة، وأنهم هم الذين كانوا يعوقون تقدم الاستعماريين الفرنسيين ولقد علق الاستاذ الأمير شكيب أرسلان، على كلمة الكاتب موري، قائلا: بشير إلى أن إفريقية كانت تكون كلها إسلامية لولا قضاء الفرنسيين على سلطة التجانية، كما أن أوروبا كانت تكون إسلامية لولا انتصار شارل مارتل على العرب في بواتييه وهي الكلمة التي يتفق عليها مؤرخو الفرنجة. يقول د. عبدالله عبدالرازق إبراهيم في كتابه ( المسلمون والاستعمار الأوروبي لإفريقيا ): "وفي عام 1852م أعلن الحاج عمر الجهاد ضد الوثنيين في السودان الغربي واستطاع خلال عشر سنوات أن يسيطر على تل السودان الغربي من حدود مدينة تمكبتو حتى حدود السنغال الفرنسية، ورغم أنه اعتبر نفسه مصلحا دينيا، وأعلن الزهد في الأمور الدنيوية المؤقتة، إلا أنه كان مستعدا لتحقيق أمله من خلال الطرائق السياسية والعسكرية، واعتبر الحاج عمر أن رسالته المقدسة، هي تنقية الإسلام في السودان الغربي، من كل ما علق به من شوائب، ووضع حد للوثنية وتطبيق الشريعة الإسلامية، ومن هنا وضع نفسه على رأس دولة إسلامية، واتبع أسلوب العنف في تحويل الناس الوثنيين إلى الشريعة الإسلامية. كما قام ببناء المساجد ونشر المدارس القرآنية في كل أرجاء المنطقة، التي امتدت إليها حركته الإصلاحية، وكان حماس جيشه واضحا في تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، وكان هذا الحماس سببا في زيادة عدد الأتباع الذين انتشروا على نطاق واسع، يدافعون عن الدين ويعيدون للإسلام مجده، في هذه المنطقة لدرجة أن حاكم السنغال الفرنسي، عبر عن دهشته لهذا الحماس الديني، واندفاع المسلمين بكل شجاعة وقوة نحو نيران الفرنسيين، سعيا وراء الاستشهاد في سبيل الله. وكان الحاج عمر قد أرسل إلى المسلمين في سانت لويس، يطلب منهم شن حرب مقدسة ضد حكامهم الوثنيين والمسيحيين، ووعدهم بمحاربة الفرنسيين حتى يطلبوا السلام منه، وقال: ( إن الحرب ضد الوثنيين يجب أن تستمر حتى يوافقوا على دفع الجزية). وكانت هذه الدعاية التي نشرها الحاج عمر على طول نهر السنغال ضد الفرنسيين، من العوامل التي جعلت القائد الفرنسي يخشى قوة الحاج عمر ويفكر في دراسة الموقف جيدا على نهر السنغال، بل وذهب شخصيا في احدى السفن إلى باكل، لمعرفة الأخبار على الطبيعة، وأدرك أن الحاج عمر يرغب في أن يدفع الفرنسيون ضرائب له، بالإضافة إلى منعهم من إقامة مراكز عسكرية، على طول شواطئ النهر، وأكد القائد الفرنسي في مراسلته المستمرة إلى حكومته في باريس، على أن الحاج عمر ينوي شن هجوم شامل على الفرنسيين، أسوة بالأمير عبد القادر الجزائري وفي فيفري عام 1856 كتب إلي وزير المستعمرات والبحرية قائلا (إن الحاج عمر ينظم لثورة عامة ضدنا ). كل هذه الأمور كانت سببا في أن يتحفز الفرنسيون لاتخاذ إجراءات عسكرية لمواجهة خطط قائد المسلمين، وترتب على ذلك قيام الفرنسيين ببناء قلعة في مادينا في مقاطعة كاسو Khasso ووقع فيدهرب معاهدة الصلح والتجارة مع سامبالا ملك كاسو. وبعد أن ثبت فيدهرب مركز الفرنسيين على طوال نهر السنغال، بدأ يسعى لعقد معاهدة سلام مع الحاج عمر فأصدر قبل سفره إلى باريس تعليمات إلى نائبه موريل، بشأن التفاوض مع الحاج عمر على مشروع الاعتراف به كملك الكارتا، مقابل أن يحد من نشاطه في هذه المنطقة . ويتضح من هذه المحاولات أن الفرنسيين يحاولون التعامل مع الحاج عمر مثلما يتعاملون مع الأمير عبدالقادر الجزائري، بعد توقيع اتفاق تافنه Tafna معه في عام 1837 ويعني هذا تدعيم موقفهم قبل الدخول في توسيعات كبرى، وبعد عودة فيدهرب إلى السنغال في نهاية عام 1856 بدأ الحاج عمر كفاحه المباشر مع الفرنسيين، بمهاجمة مركز مادينا وهو الأمر الذي ضيع فرص السلام بين الطرفين، وكان الحاج عمر يرغب بعد غزو كارتا في أن يضم وطنه في فوتا تارو إلى المناطق التي سيطر عليها، خصوصا وأن سكان المنطقة كانوا من المتعصبين لقضيته، وكانوا يكرهون الحكم المسيحي الذي يعتبر بمثابة الشوكة في صدورهم، لأن الفرنسيين يحاولون تدمير القرى التي يسكنها أعوان الحاج عمر.
وفي الشهور الأولى من عام 1857 بدأ الحاج عمر هجومه على قلعة مادينا واحتل إحدى المناطق في كاسو وتدعي تومرو(Tomoro ) دون قتال واقترب من النهر في 14 أفريل هاجم سابوسيري Sabourire عاصمة مقاطعة الفرنسيين لوجو Logo واتخذها مقرا لعملياته العسكرية ضد الفرنسيين، وفي العشرين من أفريل وصل جيش المسلمين إلى منطقة مادينا حيث بدأ الحصار وكان الجيش يسير في ثلاثة طوابير بلغ عددها 15000 مقاتل، وكانت حامية المدينة تضم 64 رجلا بقيادة بول هول Paul Holle الذي تمكن من إرسال أحد رجاله إلى باكل، ليخبر القيادة الفرنسية عن الوضع في مادينا.