رخصة السياقة بالتنقيط.. أسرع إجراء تقره الحكومة ثم تلغيه! أقر وزير النقل الأسبوع المنصرم، التجميد الرسمي لرخصة السياقة بالتنقيط، التي تضاربت العديد من الآراء حول مدى فعاليتها وقدرة الجزائر على تفعيل تطبيقها وفق المعايير التي وضعت لأجلها، وكان السائقون أعلنوا حالة استنفار حيال هذه الرخصة التي اعتبروها مقيّدة لهم. بعد أقل من سنة على مباشرة العمل بهذا النموذج الذي وزع على أكثر من مليون سائق، حسب ما صرح به الوزير السابق للقطاع عمار تو، أعلن عمر غول، الوزير الحالي للقطاع، بداية العمل برخصة سياقة جديدة متماشية والمعايير العالمية، بديلة عن الرخصة المجمدة التي اكتشفت العديد من الثغرات بها وخاصة الأمنية منها على حد قوله. المشروع الملغى والذي استمر العمل به مدة 11 شهرا استنزف أموالا ضخمة من أجل استحداث رخص السياقة بالتنقيط، وتوزيعها على السائقين سواء القدامى منهم أو الحاصلين على هذه الرخصة حديثا، فإذا علمنا أن عدد مدارس السياقة الموزعة على التراب الوطني يقدر ب7600 مدرسة معتمدة، وأن قيمة الورق والختم وغيره من الهوامش المستعملة في إعدادها تكلف 150 دج للرخصة الواحدة، في الوقت الذي صرح فيه رئيس الاتحادية الوطنية لمدراس السياقة، أحمد زين الدين عودية، أن كل مدرسة تسلّم معدل خمسة رخص سياقة شهريا للمترشحين، فإن الرخص بالنقاط كلفت من حيث الجانب الشكلي بالنسبة للرخص التي سلمت بهذه المدارس خلال تلك الأشهر ال11، ما يتجاوز 100 مليون دينار جزائري، دون احتساب باقي المصاريف المتعلقة بالموظفين الذين عملوا عليها والآلات المستخدمة في ذلك. وذهب المحلل الاقتصادي عبد الرحمان لعميري، إلى القول بأن التكلفة الفعلية للعمل بهذه الرخصة الملغاة تتجلى لدى تطبيقها من حيث الاعتماد الكلي على نظام الإعلام الآلي في الكشف عن الرصيد الذي يحوز عليه السائق من النقاط، وهو ما يتطلب تزويد كل الأجهزة الأمنية والمتواجدة على مستوى الطرقات بأجهزة الإعلام الآلي تمكنهم من المراقبة الآلية والآنية لعدد النقاط التي تم سحبها من رخصته. 30 بالمئة في مهب الريح وقال لعميري، إن افتقار العملية إلى جهاز المحاسبة التحليلية يحول دون معرفة التكلفة الفعلية التي سخرت لهذه العملية الملغاة سواء من ناحية الغلاف المالي الذي ستتطلبه، أو من حيث الموارد البشرية التي عملت عليها، على اعتبار أنها لم تتم وفق إستراتيجية واضحة الأهداف، إلا أنه يمكن حصرها بصورة تقدريرية في 30 بالمئة من تكلفة الطابع المخصص للرخصة الواحدة. اتحادية مدارس تعليم السياقة تؤيد تجميد رخصة السياقة بالنقاط قال رئيس الاتحادية الوطنية لمدارس تعليم السياقة أحمد زين الدين عودية، أن قرار تجميد رخصة السياقة بالتنقيط ايجابي، على اعتبار أن العملية كانت محصورة في الدوائر الإدارية فحسب، في حين أن نجاح العملية يتطلب الاعتماد على ملف وطني يمكن من الوقوف على الرصيد الفعلي للسائقين من النقاط في مختلف ولايات الوطن عبر النظام الآلي. وأضاف أن الطابع المحلي الذي يميّز عمل الدوائر لا يُمكّن مسؤوليها من معرفة انتهاء صلاحية الرخصة من عدمه، في حين أن الملف يوفر ذلك بكل التفاصيل، حتى من حيث طبيعة المخالفات التي اقترفها وكلفته الخصم من نقاطه، إضافة إلى أن هذه الرخصة مكنت من تخفيض نسبة حوادث المرور وبنسبة 70 بالمئة، كون المخالفات التي تقترف من قبل السائقين تقابل بالسحب من رصيدهم النقطي أو بفرض غرامات مالية عليهم مكنت الخزينة العمومية من رفع نسبة مداخليها بأكثر من 50 بالمئة، مبديا امتعاضه من التهميش الذي تعامل به مدراس السياقة من حيث عدم إعلامها بجل التغييرات التي تطرأ على ملف الرخص رغم أنها المسؤولة الأولى عن منحها للسائقين. فدرالية النقل تُقر برداءة الرخصة المجمّدة شكلا اتسم نموذج رخصة السياقة الذي أطلقه وزير النقل السابق عمار تو، بالرداءة مقارنة بالرخصة القديمة وخاصة من الناحية الشكلية، حسب ما ذكره أيت محمد عبد الكريم، رئيس فدرالية النقل المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للعمال الجزائريين، غير مستثن في سياق حديثه القول أن الخسائر المادية التي كلفها المشروع كانت كبيرة، في الوقت الذي لا يعمد الوزراء المتعاقبون على مختلف الحقائب نهج الاستمرارية والتعديل في المشاريع بما يضمن حفظ مال الخزينة وعدم تبديده. سائقو سيارات الأجرة يعتبرون الرخصة المجمّدة تداركا للمخالفات سجّل في رخصة السياقة بالتنقيط التي تم إيقاف العمل بها رسميا الأسلوب الايجابي الذي تنبني عليه في معاقبة المخالفين للقانون، حسب ما ذكره أيت إبراهيم حسين، نائب رئيس المنظمة الوطنية للناقلين المكلفة بسائقي سيارات الأجرة. وهو ما ذهب إليه أغلب سائقي الأجرة في حديثهم ل"السلام" بقولهم أن هذه الرخصة في صالح سائقي الأجرة، حيث أنها تجنّبهم السحب المباشر لرخصتهم وتمنحهم فرصة تدارك النقاط التي ضيّعوها بما يدفعهم إلى الحرص على عدم ارتكاب مخالفات أخرى يمكن أن ينجر عنها سحب رخصهم. كما ذكرت منظمة الناقلين أن مشروع الرخصة الجديدة الذي تم عرضه كبديل يجب أن يكون مرفوقا بتأهيل كلي لمدارس تعليم السياقة والمشرفين عليها، بما يحقق التغييرات المنتظرة من إطلاقه شهر مارس القادم. الجهات المعنية لم تتحكم فيها رأي محمد العزوني في الذي حدث.. أرجع الخبير في أمن الطرقات محمد لعزوني، تجميد رخصة السياقة بالنقاط عقب بداية العمل بها شهر فيفري المنصرم من سنة 2013، إلى ثغرة التزوير التي تميّزه ولن تتمكن الجهات المعنية من التحكم فيها على المستوى الوطني، خاصة مع عدم توفر ملفات وطنية خاصة بالسائقين. وأكد في مقابل ذلك أن رخصة السياقة القديمة التي كانت تمنح للسائقين تخضع لنفس مميزات الرخصة التي أعلن عنها وزير النقل عمر غول، لدى الاجتماع التقييمي لجلسات النقل الكبرى، وهذا ما يفرضه نظام التبادل على حد قوله، والذي يمكن الأجانب القادمين إلى الجزائر يستعملون رخصهم الوطنية في القيادة بالجزائر، وهو النظام الواجب اعتماده كذلك بالنسبة للجزائريين، وهو ما يؤكد على حد قوله عدم حاجة الجزائريين إلى هذه الرخصة العالمية، التي تتطلب تكاليف مالية إضافية لإقرار رخصة بميزة يتمتع بها السائق الجزائري في رخصته الوطنية الحالية. وقال لعزوني أن "العمل برخصة السياقة التناقطية الحقة" بحسب المعمول به في الدول الأوروبية دون إدخال أية تشويهات أو تغييرات في إجراءاتها ومميزاتها، مع الاستفادة من تجربتهم يمكن السائقين من التصرف والتحكم في رصيدهم من النقاط، وبالتالي مضاعفة حرصهم على تسييرها بصورة رشيدة، وهو ما ينعكس على عدم قيامهم بأية مخالفات خارقة لقانون المرور، وخاصة مع استعمال رجال الشرطة للإعلام الآلي في مهامهم من أجل التأكد من عدد المخالفات التي تحصل عليها، طبيعتها، تاريخها وحتى إن كانت مزورة أو لا، على اعتبار أن هناك من السائقين -حسب ما قال المتحدث- من يعمد إلى التصريح بضياع رخصته التناقطية من أجل الحصول على رخصة ثانية تمكنه من اكتساب عدد مضاعف من النقاط وحيازة رخصة احتياطية، ولكن الملفات الوطنية المسجلة باسم كل سائق تمكن من كشف هذا النوع من التلاعبات التي يعاقب عليها القانون، فضلا عن توجه البعض منهم إلى السياقة رغم سحب جل النقاط من رخصتهم. وهو ما يؤكد أن التطبيق الشكلي الذي اعتمدته الجهات الوصية لهذا النوع من الرخص هو السبب في إفشاله خلال 11 شهرا، ليتم إقرار مراجعته شهر جانفي بما يمكّن من تكوين شبكة معلوماتية مترابطة الخلايا، توفر جل المعطيات عن السائقين ومدى احترامهم لقانون المرور، بما يغني عن طرح رخصة السياقة ذات المعايير العالمية التي أعلن عنها وزير النقل. غياب التنسيق الميداني عزّز خيار إيقاف العمل بها صرح عبد القادر بوشريط، رئيس فدرالية الناقلين الخواص، أن رخصة السياقة التي يتم اعتمادها ليست مهمة بقدر درجة التقيّد بتجسيدها، الذي يفرض التنسيق بين مختلف الجهات المهنية من أجل إنجاحها ميدانيا. وقال رئيس الفدرالية أن العمود الفقري في إنجاح بعث أي نوع من الرخص يتمثل في مدارس تعليم السياقة، التي يجب أن تتضمن مشرفين مؤهلين لديهم القدرة على تكوين سائقين مستقبليين مهنيين في إمكانهم التقيّ د بالقانون، وهو ما كان يمكن تحقيقه مع رخصة السياقة التي تعرضت للتجميد، رغم الايجابيات التي سجلت عقب مباشرة العمل بها، سواء من حيث التقليل من نسبة حوادث المرور التي تم التسبب فيها، أو من حيث المخالفات المسجلة. فجل الفاعلين بقطاع النقل اعتبروا الرخصة المجمدة ذات تأثير ايجابي على السائق، لو أن الوزارة الوصية حرصت على عكس جل المتطلبات النظرية في الواقع الميداني الذي يذلل للسائقين ومختلف الجهات أساليب التعامل مع مخالفات الطرق بكل موضوعية بعيدا عن كل التحايلات التي تلفها.