يحوز سائق جزائري واحد من بين كل سائقين، على رخصة سياقة إضافية، إما مزورة وإما نسخة أخرى مستخرجة عن طريق التصريح بالضياع، وإما متحصل عليها عن طريق إعادة الامتحان خارج ولايته الأصلية، وتسود هذه الحالات بكثرة وسط سائقي سيارات الأجرة، كما وقفت عليه ''الجزائر نيوز''، وهو ما يؤكده أيضا أودية أحمد زين الدين، رئيس الاتحادية الوطنية لمدارس تعليم السياقة، بينما يعتبرها حسين آيت إبراهيم رئيس، اتحادية سائقي سيارات الأجرة، ظاهرة عامة وليس خاصة بهذه الفئة من المهنيين· سبب الظاهرة يعود -حسب شهادات البعض- إلى التطبيق الصارم لقانون المرور الجديد، مع بقاء هفوات ومنافذ تسمح بالتحايل عليه· يقول سائق سيارة أجرة الذي أكد لنا علنا بأنه يملك نسختين من رخصة السياقة، توجد نسخته الأصلية بإحدى الدوائر، التي رفض الكشف عن تبعيتها الإدارية، بعد أن تم سحبها منه، لارتكابه مخالفة عدم وضع حزام الأمن بشكل مطابق للمقاييس· ويقول سائق الأجرة أيضا بأن ما دفعه لأن يحوز على رخصتي سياقة، هو تعرضه شبه اليومي لمضايقات من قبل أعوان الأمن على الطريق خلال أدائه عمله، والتطبيق الصارم لقانون المرور دون مراعاة ظروف العمل، ''إذ مع كل توصيلة تكون رخصتك معرضة للسحب''· ويضيف الأخير: ''أصبحت الحيازة الإضافية على رخصة السياقة أمر عادي جدا بين سائقي سيارات الأجرة وحتى بين عامة الناس بسبب عدم مراعاة الظروف المادية للجزائريين وظروف العمل بالنسبة لنا نحن كمهنيين على الطريق، إذ يُعد مصدر الرزق الوحيد الذي نملكه هو رخصة السياقة، لكن أعوان الشرطة رغم أنه قرأنا في الإعلام بوجوب مراعاة ظروف السائقين وعدم التطبيق الصارم لقانون مرور الجديد، فإننا نجد عكس ذلك على الطريق في حواجز الأمن''، ويقول سائق الأجرة كذلك: ''لقد سُحبت مني رخصة السياقة، فأشار عليّ أحد الزملاء بأن أذهب إلى إحدى ولايات الشرق وأعيد اجتياز امتحان تعليم السياقة وهكذا فعلت، واستخرجت بعدها رخصة سياقة أخرى عن طريق التصريح بضياع رخصتي·· لقد أرغمونا على التحايل ولم أعد في حاجة إلى النسخة الأصلية التي تم سحبها مني''· الرجل الذي تحدثت إليه ''الجزائر نيوز'' لم يعد يأبه بالرادع القانوني في هذه الحالة، وسألته ما إذا كان لا يخشى إن يتم فتح تحقيق حول حالته بسبب عدم تقدمه إلى المصالح التي توجد على مستواها رخصته الأصلية، فقال: ''ليس هناك أي تنسيق بين مدراس السياقة والدوائر التي يتم فيها استخراج الرخص، وقد أكون عندهم الآن في حكم المتوفى''· ويقول أيضا وهو كله ثقة: ''في أسوأ الحالات هناك حل وهو النسيان، فبإمكاني القول بأنني نسيت بأن رخصة السياقة سُحبت مني بعد أن أضعت وصل استلام سحبها، ولذلك قمت بتصريح بالضياع''· المشكل في كل ذلك هو أن هذه الحالة لا تخص سائق الأجرة الذي التقته ''الجزائر نيوز''، صدفة، وخطر لنا أن نطوّر موضوع المحادثة التي جمعت بيننا إلى تحقيق صحفي، إذ يعد المشكل -حسبه- ضمن خانة الظاهرة الجديدة التي نشأت فور بداية تنفيذ قانون المرور الجديد منذ الشتاء الماضي، على خلفية الارتفاع الرهيب لحوادث المرور· وإذا كان القانون الجديد قد جاء بثماره من حيث تقلص عدد حوادث المرور وضحاياها على الطرقات، فإنه بالمقابل، أثمرت معه أيضا سرطانا إدرايا رهيبا أدخل كل منظومة المرور في فوضى عارمة· غياب مركز وطني لرخص السياقة·· يفاقم الوضع! قد يبدو غريبا، أن يقوم أي مواطن عادي باستخراج نسخة ثانية عن رخصته للسياقة، وعن طريق تصريح كاذب بضياعها، وهي في الأصل قد تم سحبها منه موجودة لدى إحدى المصالح الإدارية بالبلاد، دون أن تتفطن أو تعرف أي جهة أو هيئة من الهيئتين الأمنية والإدارية بأن هذا الشخص إنما يقوم بذلك للتحايل على قانون المرور والإدارة معا وليس لحقيقة تضييعه إياها· أخطر وأكبر، بل وأدهى وأمرّ من ذلك، إذ يُمكن لأي مواطن جزائري أن يحوز حسب شهادة سائق سيارة الأجرة على رخصة سياقة أخرى، خارج الولاية التي اجتاز فيها امتحانه الأول وتحصل بموجبه على نسخة أولى أصلية، ويحدث هذا لسبب بسيط أيضا هو عدم وجود هيئة تتكفل ببطاقية وطنية لرخص السياقة، وانعدام أي تنسيق بين مدارس السياقة والمقاطعات الإدارية ووزارة النقل ونقابات سائقي الأجرة والنقل ومصالح الأمن، فور سحب رخصة السياقة من أي سائق جزائري وخاصة سائق سيارة الأجرة، إذ لا يُمكن تتبع أثر مرتكب المخالفة بين تلك الهيئات والإجراء الوحيد الموجود في هذه الحالة هو أن يمثل السائق أمام لجنة إدارية لبضع ثوان يتم إبلاغه فيها بالمدة التي تم إقرارها له من أجل عدم السياقة لارتكابه المخالفة المرورية· اتحادية مدارس السياقة·· الظاهرة قد تصل إلى 50 بالمائة والقانون الجديد يُشجع عليها من أجل معرفة مدى شيوع الظاهرة وحقيقة وجودها، اتصلت ''الجزائر نيوز'' بالإتحادية الوطنية لمدارس تعليم السياقة، فكانت المفاجأة·· لقد كان سائق سيارة الأجرة صادقا عندما قال بأن الأمر مستشري بين الفئة المهنية التي ينتمي إليها وبين عموم الفئات الأخرى من السائقين، إذ يذهب أودية أحمد زين، رئيس الإتحادية إلى غاية التصريح بالقول: ''أستطيع أن أقول لك بأن 50 بالمائة من السائقين الجزائريين قد يحوزون على رخص سياقة مزدوجة أو أكثر''· وعلاوة على اعتراف الإتحادية، ليس من باب إجراء إحصاء رسمي أو تحقيق ميداني، بل من زاوية بلوغ مسامع الإتحادية قصصا كثيرة من هذا القبيل إلى درجة أنها لم تعد مفاجئة بالنسبة لهذه الهيئة· ويتهم رئيس الإتحادية الجهات التي ''صرحت وكتبت على الورق بأنها ستنشئ مركزا وطنيا لرخص السياقة، لكنها بقيت كتاباتها وتصريحاتها مجرد أقاويل فارغة بعيدة عن كل تجسيد واقعي''، ويضيف: ''لقد بقينا منذ مدة نبرز للجهات المعنية بأن لا جدوى من تطبيق قانون المرور الجديد الذي يقوم أساسا على سحب رخصة السياقة لمدة زمنية محددة، وأشرنا عليهم بأن الردع سيصبح ذا نتيجة فقط في حالة واحدة وهي السحب لرخصة السياقة إلى غاية دفع مبلغ المخالفة المرورية، وليس إلى غاية مروره أمام لجنة السحب الإدارية التي تدفعه دفعا إلى التحايل باستخراج رخص أخرى في غياب مركز وطني، لكن إذا تم إصابة السائق في جيبه مباشرة وتغريمه في كل مرة ومنحه رخصته بشرط دفع مقابل المخالفة سيجعله حتما يحترم القانون·· لكن لا حياة لمن تنادي''· ويقول الأخير بأن من أهم مطالب الإتحادية فضلا على هذا الشرط الناجع، هو التسريع برخصة السياقة بالنقاط· إتحادية سائقي الأجرة: الظاهرة عامة وليست خاصة بفئتنا المهنية يقول حسين آيت براهيم، رئيس الإتحادية الوطنية لسائقي سيارة الأجرة، بأن هيئته ليس لديها أي أرقام حول الظاهرة، ''التي لا أعتقد بأنها خاصة بهذه الفئة وإنما هي عامة''· فقانون المرور الجديد لم يراع ظروف العمل لسائقي سيارات الأجرة ''الذين أصبحت رخصهم تسحب منهم لمجرد أنهم توقفوا عند محطات يطلبها زبائنهم إما ليصعدوا أو ينزلوا، مع العلم أن معظم أرصفتنا مصبوغة بالأحمر والأبيض وطرقاتنا كلها مملوءة بالاتجاهات الممنوعة، مقابل ذلك لا توجد محطات توقف متعارف عليها لسائقي سيارات الأجرة بكل أنواعها، ماعدا في بعض المناطق من الولايات الكبرى، وتعتبر سلوكات الزبائن من المواطنين غير مطابقة لأي إجراءات تتخذ في هذا الشأن، وهو ما يعرض صاحب سيارة الأجرة إلى سحب رخصته في أي وقت''· ويضيف هذا الأخير بأن ليس هناك أي مراعاة لهذه الظروف السيئة ''إذ كيف يتحمل سائق أجرة مخالفة مرافقه الأمامي إذا لم يضع حزام الأمان رغم أن المرافق بالغ ويعلم جيدا بأن عليه وضعها، فهناك حالات يرفض فيها الزبائن وضعه لأسباب عديدة كقرب المسافة أو عدم تحمله، لذا كنا نطالب دوما بتغريم المرافق وليس صاحب سيارة الأجرة الذي قد يدخل في شجارات يومية مع الزبائن في حال بقي الأمر كذلك، والشيء نفسه بالنسبة للتوقف''· ويضيف المتحدث بأن ''حالات التحايل التي نندد بها بكل شدة نستثني منها سائقي الأجرة الذين تسحب رخص سياقتهم من أجل التوقفات وحزام الأمن للمرافق واستعمال التعسف من قبل أعوان الأمن في تطبيق قانون المرور، إذ نتلقى اتصالات شبه يومية حول التعسفات وحالات سحب رخص السياقة من قبل أعوان الأمن''، علاوة على ذلك تساءل المسؤول في الاتحادية على عدم إشراك هيئته في لجان سحب السياقة الإدارية للحد من هذه الظواهر· الدرك الوطني: مركز وطني لرخص السياقة هو الحل بالنسبة لقيادة الدرك الوطني، تعتبر أن نسبة السائقين الذين يحوزون على رخص سياقة مزدوجة ''هي نسبة غير واقعية قد تكون مبالغ فيها، لكن استخراج رخص سياقة مزدوجة بالتحايل ليس من مهام رجالنا في الحواجز، فهنا تصبح المخالفة التصريح الكاذب أو تزوير واستعمال المزور، وهي مهمة من صلب الإدارة''· ويقول مصدر من خلية الإعلام والاتصال لقيادة الدرك الوطني بأن مركز وطني لرخص السياقة هو الحل الوحيد الذي يجعلنا نتتبع آثار رخص السياقة في عين المكان الذي يتم فيه إيقاف السائق على الطريق ''وعندها قد تزول الظاهرة التي لا نملك عنها إحصائيات''·