في أول تصريح له أكد السفير الأمريكي الجديد في البحرين على ضرورة تفهم الحكومة البحرينية لمطالب شعبها، ويجب تجنب الرد على التظاهرات بالقمع، وإنَّما عبر إصلاحات. جاء تصريح السفير الأمريكي الجديد هذا في وقت أعلن فيه الرئيس الأمريكي دعمه المطلق للحراك الشعبي الكاسح الذي يشهده أكثر من بلد عربي، في سياق المطالبة بالمزيد من الحريات والحقوق، وفي مقدمتها حرية العمل السياسي، وتحسين الأوضاع الإقتصادية، ونبذ مبدأ إحتكار السلطة، وتكريس مبدأ المواطنة بصرف النظر عن أي مائز قومي أو عرقي أو ديني أو مذهبي، مما يعني إن تصريح السفير الجديد جاء في سياق الموقف الأمريكي العام مما يسمى بالربيع العربي، تصريح السفير يكشف عن أكثر من مقترب يخص البحرين حكومة وشعبا، أو على وجه الدقة حكومة ومعارضة، وأول هذه المقتربات أن الأزمة بين الحكومة والمعارضة ما زالت قائمة، وهو الأمر الذي تؤكد عليه المعارضة ليس عبر أدبياتها وخطابها الواضح، بل عبر الإستمرار بالمظاهرات والإحتجاجات في البلاد، وفيما يشير تصريح السفير الأمريكي بأن معالجة هذه الإحتجاجات يجب أن لا يمر عبر لغة القمع، وإنما عبر الإصلاحات فإنما يؤكد التصريح بشكل غير مباشر أن الحكومة البحرينية تمارس نهجا غير مقبول في موقفها وتعاملها مع المعارضة، هذا النهج هو القوة المسلحة. إن الحراك الشعبي في البحرين جزء لا يتجزأ من الحراك الشعبي الذي يشهده العالم العربي، حتى وإن كانت هناك أيد من خارج البحرين تساهم في خلقه كما يقول بعض المحللين المهتمين بالشأن البحريني، فإن أقل ما يمكن أن يقال هنا، إنه لم لو توجد إمكانات هذا الحراك لما استطاعت هذه القوى الخارجية أن تمارس دورها هذا. إن معطيات الواقع تفيد بشكل واضح، أن الحكومة غير قادرة على إلغاء المعارضة، كما أن المعارضة غير قادرة على إلغاء الحكومة، فهل تبقى البحرين أسيرة لعبة جر الحبل هذه، حيث ليس من ورائها سوى الفوضى السياسية، والإضطراب الأمني، والتمزق الإجتماعي، بل ومزيد من التدخل الخارجي بشؤون البحرين، مما يصعِّد من إحتمالات إطالة الأزمة، وتعقيد الأوضاع في هذا البلد الجميل؟ الحقيقة مهما يقال عن التعادل بين طرفي المعادلة هذه، أي الحكومة والمعارضة، تبقى الحكومة هي الطرف الراجح من حيث القوة والمنعة والإمكانات، ومن هذا المنطلق يتعين عليها أن تكون أكثر مرونة تجاه المعارضة التي لا تملك سوى قاعدتها الشعبية، حيث مهما يقال عن الدعم الخارجي يبقى محل شك، وحتى إذا كان موجودا فهو لا يمكنه أن يقلب كفة المعادلة بأي حال من الأحوال. إن الحل يكمن كما صرح السفير الأمريكي الجديد هو الإصلاحات، أما لغة القوة ففي طريقها إلى ترسيخ الشق، وتكريس مستقبل مظلم، إذا لم يتفجر على المدى القريب، فعلى المدى المتوسط، وهو ليس في مصلحة الحكومة أو المعارضة على الإطلاق، وتكون البحرين هي الخاسرة في النتيجة النهائية. الموقف الأمريكي الإيجابي نسبيا تجاه مطالب المعارضة البحرينية لم يأت من تقدير أخلاقي وواقعي لمصالح المعارضة بشكل خاص والشعب البحريني بشكل عام، بل هو نتيجة قراءة دقيقة لما يحدث في المنطقة، فقد أثبت الحراك الشعبي السلمي قدرته على تحقيق إنتصارات مذهلة، فقد أطاح برئيس أكبر دولة عربية، حسني مبارك، وأودى بمصير لا يحسد عليه بالنسبة للرئيس التونسي السابق، وعلى الطريق القذافي وعلي عبد الله صالح، وربما غيرهم، ولذلك ربما يكون كلام السفير الأمريكي يصب في صالح الحكومة البحرينية أكثر مما يصب في صالح المعارضة. ولكن هل تُعفى المعارضة تماما من بعض المواقف؟ لا بطبيعة الحال.. إن المعارضة مطالبة بانتهاج الإحتجاج السلمي وعدم السماح بخرق هذا النهج الذي أثبت فاعليته بمهارة فائقة، وإن تفكر بمشروع الكسب القليل المتراكم، أكثر من أن تفكر بالكثير الذي قد يتسبب برد فعل قاس من الحكومة، بل من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالتالي، تضطر للعودة إلى ما قبل المربع الأول. لقد أضر كثيرون بالمعارضة البحرينية عندما راحوا يتحدثون بلغة الثورة والقوة والإيديلوجيا دعما وتحريضا وتشجيعا، حيث أعطوا المبرر الكافي لتصعيد مبدأ القوة فضلا عن تبريره في التعامل مع المعارضة، وهناك من يشير إلى أن المعارضة البحرينية في شقها الأكبر لا تؤمن بهذه اللغة، وإنما تصر على الحراك الشعبي السلمي الديمقراطي، وفي سياق مطالب تنتمي إلى المعقول في سياق معطيات الواقع البحريني السياسي والجغرافي والديموغرافي، خاصة وإنها سبق وأن خاضت معركتها الإصلاحية مع الدولة، وكسبت الكثير الذي ضاع بسبب هذه المفارقة للأسف الشديد، وكأنها بذلك عادت إلى المربع الأول... ومرة أخرى نتساءل... هل تبقى لعبة جر الحبل مستمرة؟ ولكن... ماذا لو إنقطع الحبل؟