من بين القضايا التي تصنع الحدث في الأوساط الكروية الجزائرية منذ سنوات، ضعف أو بالأحرى غياب تكوين وتأطير اللاعبين المحليين الشبان، بسبب إهمال وغفلة الاتحادية الجزائرية عن هذه النقطة الهامة التي تعتبر أهم أسرار نجاح كرة القدم في أي بلد كان، لكنها وبدل ذلك راحت تلهث لسنوات وراء اللاعبين المزدوجي الجنسية، متواكلة في ذلك على التكوين الأجنبي الفرنسي خصوصا حتى وصل الأمر بالفرنسيين إلى السخرية من الخضر واصفين إياهم بالمنتخب الفرنسي الثاني، كناية عن تشكيله في المجمل من لاعبين مكونين في مختلف المدارس الفرنسية على غرار فغولي، براهيمي، بن طالب، غلام، ماندي، مبولحي وغيرهم، ورغم ذلك لم يحرك القائمون على الكرة في البلاد ساكنا ولا زالوا إلى يومنا هذا يلهثون وراء خريجي المدرسة الفرنسية، في صورة فقير، وبن زية . سياسة رورواة لها إيجابياتها ولكن سلبياتها أكثر لا يكمن نكران إيجابيات سياسة محمد روراوة القائمة أساسا على الاعتماد على اللاعبين مزوجي الجنسية، حيث تمكن خلال السنوات الأخيرة من تشكيل منتخب قوي صنع أفراح الجزائريين في مونديال 2014 بعدما تمكن من تحقيق انجاز تاريخي بتأهله لأول مرة إلى الدور الثاني للمنافسة العالمية، لكن في المقابل سلبيات هذه السياسة أكثر من إيجابياتها، ففيها دفن للمواهب المحلية الشابة وما أكثرها في بلد يعشق أهله الساحرة المستديرة حتى النخاع، كما أنها غير مجدية على المدى البعيد، فإلى متى سيستمر الخضر في الاستفادة من قانون الباهاماس الذي أصح محل انتقاد في البلدان الأوروبية وخاصة في فرنسا التي تعالت فيها العديد من الأصوات التي تطالب بإلغاء هذا القانون، وبالتالي قطع مصدر رزق الفاف وخزانها الرئيسي للاعبين. إلى متى سيستمر مسلسل تهميش المواهب الشابة؟ السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة، هو إلى متى سيستمر تهميش المواهب الشابة الكثيرة الموجودة في الجزائر، بما أن الناخب الوطني كريستيان غوركوف ومساعده يزيد منصوري، ذهبا في جولة أوروبية من أجل التنقيب عن الأسماء الشابة القادرة على تدعيم صفوف المنتخب الوطني خلال الفترة المقبلة، فلو كان هناك تكوين لما اضطر للبحث في الخارج، سميا وأنا المادة الخام موجودة بكثرة عبر كافة أقطار الوطن، وما ينقصها هي الرعاية والتكوين فقط. الإمكانيات المادية متوفرة ولكنها لا تستغل بالكيفية اللازمة عزوف القائمين على شؤون الكرة في الجزائر لا يرجع إلى نقص الإمكانات المادية كما هو شائع في مختلف بلدان العالم الأخرى، فالجزائر تملك قدرات مالية تؤهلها لبناء معاهد تكوين لاعبين بمعايير عالمية، واستقطاب أشهر وأفضل المدربين والمختصين في مجال تكوين الشبان، للسهر على بناء أجيال قادرة على الرقي بمستوى المنتخب الوطني مستقبلا إلى العالمية، لكن الإشكال يكمن في عدم استغلال هذه الموارد بالكيفية اللازمة، ونضرب المثال بالملاعب ففي 2015، وفي عصر الإحتراف كما يقولون لازالت البطولة الوطنية المحترفة بقسميها الأول والثاني تلعب على أرضيات معشوشبة اصطناعيا في وقت تخلت البلدان الأوروبية عن هذا النوع من الأرضيات في السبعينات. التكوين سر تفوق إسبانيا والبارصا في السنوات الأخيرة إذا كانت الاتحادية الجزائرية قد غفلت عن عنصر التكوين، وإذا كان البعض يعتبرونه عنصرا بسيطا فقط، فلهؤلاء أن يدركوا جيدا بأن التكوين هو السر الرئيس وراء النهوض بالكرة الإسبانية خلال السنوات الماضية، سواء بالنسبة للمنتخب بداية بيورو 2008 ثم بمونديال جنوب إفريقيا 2010 ، ويورو 2012، أو بالنسبة للعملاق الكاتالوني برشلونة الذي حصد الأخضر واليابس خلال هذه السنوات، فلما لا نحذو حذو هؤلاء ونبني أنفسنا بأنفسنا بدل التواكل على الآخرين. حتى الكونغو وكوت ديفوار لهما مراكز تكوين بمواصفات عالمية إذا لم نقتد بإسبانيا فعلى الأقل، لننظر إلى بعض البلدان الإفريقية ذات الميزانيات المحدودة والتي تملك مراكز تكوين ذات مستوى عالمي على غرار كوت ديفوار ومركز "أسيك ميموزا" الشهير الذي تخرج منه لاعبون كبار في صورة الأخوين توري، والكونغو ومركزي "مازيمبي و فيتا كلوب" الذين ساهما كثيرا في الرفع من مستوى الناديين والمنتخب على حد سواء.
أندية البطولة تتحمل جزء كبيرا من المسؤولية هي الأخرى بدورها أندية البطولة الوطنية ورؤساؤها تتحمل جزء كبيرا من أزمة التكوين في الجزائر، فبذل التركيز على العمل القاعدي من خلال تكوين الشبان تضخ أموال طائلة في جلب لاعبين محدودين من هنا وهناك، وتصرف الملايير على تربصات خارج البلاد بدون نتيجة، وفي المقابل تهمل الفئات الشبانية إهمالا تاما ولا تعيرها أي اهتمام .