أحالت المحكمة العليا على محكمة الجنح بمجلس قضاء الجزائر 32 متهما في أحد أكبر ملفات الفساد التي عصفت بمؤسسة بريد الجزائر في الفترة ما بين 2003 الى 2007 ، من بينهم إطار متواجد رهن الحبس والبقية تم الإفراج عنهم بعد انقضاء عقوبتهم أو تبرأتهم ،وأعادت تشكيلة قضائية جديدة بعد خمس سنوات من طيّ الملف مناقشة جرائم منح امتيازات غير مبرّرة في مجال الصفقات العمومية، تبديد واختلاس أموال عمومية، قبض رشوة، الأمر باستفادة غير قانونية من إعفاءات في رسوم عمومية، التزوير واستعمال المزور في محررات تجارية ومصرفية، المشاركة في تبديد أموال عمومية انفجرت القضية بتاريخ 23 أفريل 2007 وباشرت مصالح الأمن تنفيذا لتعليمات النيابة العامة تحقيقا بشأن العريضة التي رفعها عمال بريد الجزائر بتاريخ الخامس من شهر أفريل من السنة المذكورة آنفا ، والمتضمنة وجود تجاوزات وخروقات مسّت قانون الصفقات في تموين مختلف المصالح بالمطبوعات، وتمت مخالصة الممونين نقدا بمبلغ تجاوز 13 مليار سنتيم عن طريق صكوك مشطوبة لكن مصالح بريد الجزائر لم تستفد من المطبوعات اختفاء غامض لتقارير المفتشين جرّت القضية اطارات في مؤسسة بريد الجزائر ما جعل المديرية العامة تحاول التكتم على الفضيحة، فيما كشفت نتائج تحقيقات عناصر الضبطية القضائية عن اختفاء تقارير من مكتب المدير الإقليمي لبريد الجزائر، أّنجزت من قبل مفتشي بريد الجزائر بخصوص ذات الوقائع ،منها تقرير بتاريخ 26 جويلية 2006 دون رقم من المفتش "ف .عب الوهاب" إلى بريد الجزائر، تقرير غير مؤرخ محرّر إلى وحدة بريد الجزائرو تقرير آخر إلى المديرية العامة لبريد الجزائر، وحملت التقارير تبليغات عن تصرفات غير قانونية من قبل قابض مكتب بريد الشراقة، بن عكنون ، بئر خادم وحيدرة أين تمت مخالصة ممونين نقدا ففي مكتب بريد شراقة على سبيل المثال صُرف 14 صكا مشطوبا بقيمة 48 مليون سنتيم . وكشف تقرير المفتشين عن وجود 24 صكا مشطوبا صادر عن اتصالات الجزائر بقيمة 145 مليون سنتيم، وصكين بريديين مشطوبين صادرين عن ذات الجهة بمبلغ 11 مليون سنتيم. مواصلة للتحقيقات تم حجز 44 صكا مشطوبا باسم بريد الجزائر محرّرا لفائدة أشخاص لم يموّنوا مؤسسة بريد الجزائر ، ومن خلال الكشوف التي قدمها مدير الوسائل العامة لبريد الجزائر تم تحديد هوياتهم ويتعلق الأمر بحرفيين ومسيري مؤسسا خاصة بالبناء الأشغال العمومية، أجّروا سجلاتهم التجارية لفائدة مقاولين بمؤسسات بناء ليظفروا بصفقات بالتراضي مع مؤسسة بريد الجزائر ، اضافة إلى مسيّري عدد من المطابع التي تعاملت بطريقة غير قانونية مع ذات المؤسسة العمومية طيلة الفترة ما بين سنة 2003 إلى 2007 ،وكانت مختلف العمليات تتم على أربعة مراحل ، المرحلة الأولى يتم فيها ايداع ملفات العارضين بالمديرية الفرعية للتمويل، المرحلة الثانية تُسلم خلالها البضاعة ، وفي المرحلة الثالثة يتم تسليم الصكوك للممونين على مستوى مصلحة المحاسبة ،أمام المرحلة الرابعة فيتم فيها تخليص الصكوك نقدا على مستوى قبّاضات البريد المذكورة مسؤول المالية يمضي صكا لصديقه استجوبت القاضي المدعو "ب .محمد أمين " بصفته مدير مصلحة المالية والمحاسبة بخصوص مدى قانونية عمليات المخالصة التي تمت بصكوك مشطوبة فأكّد أن العملية معمول به منذ سنوات رغم أن القانون يؤكد أن صرف الصك المشطوب لا يكون نقدا. وفي السياق حمّلت القاضي مدير مصلحة المالية جزءا كبيرا من المسؤولية كونهم الآمر بالصرف ووقّع على صّك مشطوب لفائدة صديقه المدعو "ب .فوضيلي "، من جهته رمى المتهم الكرة في ملعب المديرة العامة التي سبق أن أنكرت خلال سماعها من قبل مصالح الضبطية القضائية علمها بالوقائع . اتضح من جلسة المحاكمة أن "ب. رضوان " مدير الوسائل العامة تورّط في تسهيل صرف صكوك مشطوبة واعترف أنه توسط للمدعو "م.توفيق" لتتم مخالصته نقدا على مستوى بريد حيدرة وواجهت القاضي المتهم الأخير بوجود مكاتب بريد بكل من ولايتي قسنطينة والشلف لم تصلها طلبيات المطبوعات رغم أنها المعنية بالسلع إلا أنه أنكر علمه بالوقائع ،مشيرا أن الطلبيات تتم عن طريق ملفات تحوي على نسخ من السجلات التجارية ،وواصلت القاضي تستفسر المتهم عن صكوك محرّرة بأسماء أشخاص ولكن المستفدين الحقيقيين من الأموال أشخاص آخرين ، لكن مدير الوسائل العامة أنكر علاقته بالصكوك . من جهته حاول "س .ناصف " المدير الفرعي للتموين بمؤسسة بريد الجزائر اقناع هيئة المحكمة أن مهامه لا تزيد عن حصر احتياجات مختلف المصالح على المستوى الوطني بالتنسيق مع مدراءها ، إلا أنه اعترف أن صفقة المطبوعات تمت بالتراضي ،مشيرا أن مدير الوسائل العامة وبعد العملية التي تمت في سنة 2006 طلب منه اعداد ملفات أخرى لتنظيم سياسة تموين دون تطبيق طريقة المناقصات العمومية . وجد كل من "ز.مراد" مدير المركز الوطني لمطبوعات بريد الجزائر و"ك.حليم" مسؤول المخزن بذات المركز نفسيهما متابعان في نفس القضية ، إلا أنهما أكّدا أن مهامهما لا تزيد عن جرد السلع ومراقبة نوعيتها قبل توزيعها ، أما المتهم "م.الياس" بنفس المركز فأنكر علاقته بالطلبيات أو الصكوك مصرّحا أن مهمته لا تزيد عن جرد السلع ومقارنتها بما ورد في الطلبيات. صرف الصكوك المشطوبة خرق للنظام الداخلي بدى "ق .عبد الوهاب "قابض سابق ببريد بن عكنون والشراقة والمتواجد رهن الحبس المؤقت صريحا أمام المحكمة عندما اعترف أنه صرف صكوك مشطوبة لفائدة زبائن يحظون بامتيازات خاصة ، فيما استنكر"د.توفيق" مسؤول المحاسبة بقباضة بلدية حيدرة والذي صرف الأموال لفائدة 10 ممولين ،متابعته قضائيا بناءا على خرق قانون داخلي يتعلق بصرف صكوك مشطوبة ، كون العقوبة – حسبه- لا تتعدى الطابع الاداري ويحال الموظّف على مجلس تأديبي. وشرح مسؤول المحاسبة لهيئة المحكمة سبب عدم رفع الرسوم من الصكوك التي تم صرفها ،على غرار الإمتناع من اقتطاع الرسوم لشخص سحب 300 مليون سنتيم ، موضّحا أن الصكوك الممنوحة للمستفيدين ملك لبريد الجزائر ،وتم سحب الأموال من رصيد ذات المؤسسة ما يبرر عدم اقتطاع الرسوم على اعتبار أنها ستعود حتما لرصيد نفس المؤسسة وفقا للقانون . وبخصوص صفقة المطبوعات تمت متابعة مسيري ثلاث مطبعات خاصة مملوكة لكل من "خ .نورالدين " وأخوه"ح.محمد" وأخرى يسيّرها المدعو "ع .بلقاسم" توبعوا بجرم المشاركة في تبديد أموال عمومية ، كما اعترف "ب .حسان" قابض مكتب بئر خادم بصرف صكّ مشطوب لفائدة "ص .اسماعيل "مسيّر مطبعة خاصة . صفقات بالتراضي والمديرة العامة تغرد خارج السرب وحسب الملف فإن الممولين في الصفقة المشبوهة المتعلقة بالبناء لفائدة مؤسسة بريد الجزائر استفادوا من مشاريع بعدما جُزّءت حتى لا تتعدى قيمتها 600 مليون سنتيم تفاديا لإبرام صفقة عمومية وفي السياق أوضح المتهم "ز.كمال" بصفته مدير البناء والحماية انه تعامل بدفتر الشروط للإعلان عنمناقصات البناء لفائدة بريد الجزائر بالتنسيق مع مسؤول المالية ومدير الوسائل العامة إلى أن تجزأة المشاريع منع ابرام الصفقات ،مشيرا أن اعداد مختلف المشاريع كان يتم بموافقة المديرة العامة ، إلا أن الأخيرة أنكرت - خلال التحقيق - عملها بما كان يدور بالمؤسسة مالكو مقاهي يظفرون بصفقات بريد الجزائر مؤسسة مقاولاتية تستحوذ على المشاريع بسجلات تجارية مؤجرة تقدّم المتهم "ل .كمال" في العقد السابع من العمر مسير مؤسسة خاصة مختصة في البناء للمحاكمة على كرسي مقعد وأجاب بصعوبة على أسئلة المحكمة بخصوص العلاقة التي كانت تربط شركته ومؤسسة بريد الجزائر ،مؤكدا أن تحصل على صفقة مع المركز الوطني للمطبوعات لأنه يعرف مدير الوسائل العامة وتقاضى أجره عن طريق صك مشطوب، وبرّر المعني فوزه بالمشروع بأن" أشغاله لم تكلف مؤسسة بريد الجزائر أموال طائلة " اتضح من التحقيق أن المتهم "ل .كمال " استغل سجلات تجارية لعدد من الحرفيين في مجال البناء والكهرباء ومسيّري مؤسسات للأشغال العمومية، حتى يستحوذ على أكبر عدد ممكن من الصفقات مع مؤسسة بريد الجزائر منها السجل التجاري للمدعو "ب .صالح" حرفي في الكهرباء تلقى مبلغ 400 مليون سنتيم مقابل تأجير سجله للتجاري للمتهم "ل .كمال " ،"أ.محمد" منح سجله التجاري لذات المتهم مقابل مبلغ 10 ملايين سنتيم وسيارة ،"ع .رضا" استفاد من مبلغ 80 مليون سنتيم ووُعد بالحصول على شهادة حسن التنفيذ ،"ز.حمد" استعمل سجله التجاري في الفوز بمشروع بقيمة 550 مليون سنتيم واستفاد المعني من نسبة 10 بالمئة ،"م.عمر " منح سجله التجاري لخاله "ل .كمال " مقابل أن يكون شريكا له ، ونفس السيناريو تكرر مع كل من " ل .سعدي" ،"س .بن يوسف" ،"ل .فؤاد"، "ح.رشيد"و"ب .علاوة " التمس النائب العام تشديد العقوبة في حق اطارات بريد الجزائر وعامين حبس للمشاركين في تبديد المال العام على أن يفصل في القضية نهائيا في غضون الأسبوعين القادمين