يستغرب البعض كيف تتحوّل العلاقة الأبوية إلى علاقة متوترة يملأها الحقد والضغينة لدرجة تجعل الابن ينتقم من أبيه على شاكلة جريمة القتل التي شهدتها ورشة الخياطة بحي سانبيار بولاية وهران . تلقت مصالح الأمن بتاريخ 17 أوت من سنة 2008، بلاغا بحدوث جريمة قتل بورشة خياطة، وتنقل عناصر الشرطة إلى عين المكان أين أحيط مسرح الجريمة لمنع الفضوليين من الدخول، وتمت معاينة جثة كهل التي تعرض لطعنات عميقة بأداة حادة، ولكن تبيّن أنه لم يمت ليحوّل إلى مصلحة الإستعجالات الطبية، وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرا بجروحه.
الجاني:" أريد دخول السجن على البقاء في البيت"
باشر المحققون تحرّياتهم ولم يكن صعبا تحديد هوية الجاني الذي يشتغل مع الضحية في ذات الورشة، ولكن المفاجأة أنه ابنه "ح.ا" في العقد الثاني من العمر، الأخير تم توقيفه وإحالته على التحقيق أين اعترف بالجرم المنسوب إليه وذكر أنه فقد اعصابه ولم يكن يدرك ماذا كان يفعل طالبا ايداعه السجن لأنه الأفضل بالنسبة له من المكوث بالبيت، قدم الجاني أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة الاختصاص الذي أمر بإيداعه رهن الحبس المؤقت عن جناية القتل العمدي للأصول مع سبق الإصرار والترصّد. مثل المتهم أمام محكمة الجنايات بمجلس قضاء وهران للمحاكمة بالجرم المنسوب إليه وتبرير أسباب الجريمة الشنعاء، دخل رجال الشرطة إلى جلسة المحاكمة وهم يقتادون الجاني مكبلا قبل أن تفك قيوده ويقدم أمام الحاجز الخشبي ليجيب على استفسارات القاضي. بدى الجاني مضطربا نفسيا، ولكنه تذكر الوقائع بحذافيرها، ففي تاريخ الوقائع كان يحرس ورشة الخياطة التي يملكها والدها كما جرت العادة، فهو مكلف بذلك بعد نهاية ساعات العمل من الساعة السابعة مساء إلى السابعة صباحا. ( يصمت الجاني قليلا ثم يواصل ) " لقد نشبت مناوشات كلامية بيني وبين والدي .. كان يحتجزني داخل الورشة ليلا نهار كالحيوان ويأتي له بالطعام وبدلو لقضاء حاجتي". امتأت القاعة بحضور من محامين جاؤوا لمتابعة أطوار القضية والوقوف على الأسباب الحقيقية التي جعلت المتهم يزهق روح والده. تطورت المناوشات بين الوالد وابنه بعدما احتج الأخير على قلة الطعام الذي يقدم له وهو الذي يقضي كل وقته بين جدران الورشة، ولكن الوالد لم يتفهّم الأمر وبقي يعامل ابنه بطريقة سيئة جعلته للحظة يفقد أعصابه، ونسي الذي أمامه هو والده، ليمسك مقصا كان فوق إحدى ماكنات الخياطة ووجه لأبيه ست طعنات. وخلال جلسة المحاكمة، كشف الابن عن خلفيات علاقته بأبيه منذ وفاة والدته وهو في سن الرابعة وزواجه بامرأة أخرى حرمته من كل شيء، وحسب ما تبيّن من تصريحات الجاني فإن والده كان يعامله معاملة سيئة منذ طفولته، حيث ترك مقاعد الدراسة في سن ال 12 وأجبره والده على بيع الفول السوداني في الشارع، وكان كل ما يجينه يذهب لصالح الوالد الذي فتح محل لبيع الماء الصالح للشرب، ثم فتح أبوه ورشة للخياطة كُلف بحراستها ليلا حتى الصباح، وأصبح الابن حبيس تلك الورشة ما ولد الحقد والضغينة في نفسه.
الإبن سبق أن حاول قتل أبيه بمفك براغي
تبين من تقرير التحقيق الإجتماعي أن المتهم مريض ويعاني من بعض الاضطرابات النفسية والعصبية، حيث سبق له أن تعرض لأبيه في سن المراهقة وطعنه خمس طعنات بواسطة مفك براغي، وأودع حينها لمدة 18 شهرا خلالها بسجن الأحداث بعدما أدين بخمس سنوات حبسا نافذا.
محامي الدفاع :" الشاب مريض نفسيا ويجب أن يعالج"
من جهته استند دفاع المتهم خلال المرافعة على التقرير النفسي الذي يؤكد أن المتهم فعلا يعاني من بعض النوبات العصبية، وطالب ببراءته مع تحويله إلى مؤسسة علاج الأمراض العصبية، إلا أن النيابة العامة اعتبرت ما رواه الجاني محاولة لكسب استعطافها والتملص من المسؤولية الجنائية ملتمسا توقيع أقصى عقوبة في حقه وهي الإعدام.
بعد المداولات القانونية، سلطت محكمة الجنايات بمجلس قضاء وهران بتاريخ ال22 فيفري من السنة الفارطة عقوبة السجن المؤبد في حق الإبن.