المتأمل في دين الإسلام يجد فيه نظرة شمولية للحياة, تشمل الدين والدنيا, وإن من شؤون الحياة العامة التي للإسلام حكم فيها, والتي جاء في الإسلام تنظيم لها وعناية بها, هي البيئة وذلك بهدف تحقيق الاستفادة المثلى منها وتأمين السعادة للبشرية من خلال استغلال مواردها الطبيعية استغلالا مثاليا. وفي الأمر بالحفاظ على الموجود على هذه الأرض نصوص لا يتسع المقام لذكرها. الإفساد في الأرض نوعان: إفساد معنوي وإفساد حسي الإفساد المعنوي: يكون بالذنوب والمعاصي, فكم دمرت الذنوب والخطايا صروحا من النعم لا تعد ولا تحصى, وعلى هذا فالتوبة المستمرة والاستغفار الدائم وصلاة الاستسقاء هو من السعي في إصلاح الأرض. والإفساد الحسي: يكون بإتلاف ما على الأرض والبيئة بغير حاجة, أو الإساءة إليها بما يتلفها. فالإنسان مطالب بالإحسان للبيئة كما هو مطالب بالإحسان لغيرها, في الحديث عنه. والبيئة جزء من كل شيء, والإحسان له معنيان: الإتقان والإحكام, والعطف وتقديم الخير والنفع للآخرين. والإحسان للبيئة بأن لا يتصرف فيها إلا: محسن للتصرف, عارف ماذا يفعل ومدرك لعواقب تصرفه ولو كان تصرفا بسيطا, وعطوف على الكائنات التي تقوم على هذه البيئة ولو كانت حشرات صغيرة. ومن التصرف في البيئة القتل للكائنات الحية, والقطع للأشجار والنباتات, وهذا تصرف لا غنى للإنسان عنه, ولكن لابد من الإحسان فيه, والإحسان هنا: 1- أن يكون بقدر الحاجة, 2- وفي المكان والوقت المناسبين. ولكي نحفظ مظاهر الحياة في بيئتنا فلا بد من أن يجعل كلٌ منا من نفسه جزءا من البيئة, يحس بإحساس كائناتها ونباتاتها فيرحمها ويحميها من كل عبث, ويعد العدة لحمايتها كما يعد العدة للتمتع بها. وأن نحيي الألم في نفوس أفرادنا تجاه التصرفات الخاطئة من قبل بعضنا تجاه بيئتنا. ولا ألم أشد من ألم شجرة اجتثت أو قطع بعض أغصانها. ويزيد السوء سوءا والألم ألما حينما تشاهد آثار نار قد أوقدت في أصل الشجرة تذريا بها عن الهواء! فإن سلم الجذع فإن الجذور هالكة. ومن المشاهد المؤلمة التي يجب أن تحز في النفوس ويتألم لأجل مرآها: مشاهد النفايات التي غزت البر والبحر, التي كان بالإمكان تلافيها لو اعتنى المتنزه بجمعها, ثم نقلها أو حرقها أو دفنها. وما أشد الألم اليوم على كل زائر للبرية, حينما يرى النفايات التي يصعب تحللها كالبلاستيك والزجاج ونحوها وبقايا الأطعمة ومخلفات عدة ملقاة في كل مكان وبالأخص أماكن الجلوس, فلا يملك المرء إلا الحسرة, وقد تنطلق منه دعوة تجاه ملقيها عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ) أبو داود. والنفايات لا تزول من نفسها, والبيئة لا تنظف نفسها, وهذه النفايات تحرم الناس المتعة وتجلب سخطهم ودعواتهم. لقد ابتلينا بفئات من الناس شيبا وشبانا لا يلقون للصحراء وزنا, يأخذون ولا يبذلون, متعتهم تدمير البيئة وتشويهها. ثم يفتخرون بأنهم من أهل البر وما هم في الحقيقة إلا عدو وليس أهلاً. إن للصحراء ولزوارها من غيرنا وللأجيال القادمة حقا علينا أن نحسن العمل في نزهتنا, ولسكانها من طيور وبهائم وحيوانات برية وحتى الحشرات حق في العيش بسلام فيها. والإحسان واجب علينا. البيئة كسائر النعم التي ننعم بها, هي معارة لنا وليست ملكا, نتمتع بها وسنحاسب على الإساءة إليها, ما كان موجودا من شجر أو حيوان أو طير فلنحافظ عليه, وما كان مفقودا فلنعمل على إيجاده. البيئة عبارة عن كائنات يكمّل بعضها بعضا, وإن أزيل أحدها تضررت جميعها. ونحن بعض منها, فلنحافظ عليها لنحفظ لنا بعضنا. أسأل الله أن يمن علينا بغيث عميم يعيد للأرض حياتها وإشراقتها, وأن يلهم زوار البرية الرأفة والرحمة بها فتبقى نضرة مزهرة لتكون ذخرا للمتعة في قادم الأيام وزادا لقادم الأجيال.