تقضي النساء الماكثات بالبيت معظم أوقاتهن في مشاهدة التلفزيون بعد انتهائهن من أشغال المنزل؛ ولعل أكثر ما يستهوي الجنس اللطيف في البرامج التلفزيونية مؤخرا هي المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية والأفلام الهندية التي اكتسحت الفضائيات العربية منذ فترة لا بأس بها، إلا أنها مازالت تلقى نفس الرواج لدى المشاهدة الجزائرية خصوصا، التي أصبحت ترى فيها أحلامها وهي تتجسد في قصص هذه المسلسلات والأفلام. بل وبلغت درجة ولوعهن بالمسلسلات التركية والأفلام الهندية إلى حد عشقهن لأبطالها، بل وأكثر من ذلك يتمنين أن يحظين بفارس أحلام يشبه ذلك البطل الوسيم، الجذاب، العاشق الرومانسي الذي يقدر فعلا قيمة المرأة ويحبها لذاتها، وهو ما يفتقد إليه الكثير من الجزائريين، خاصة الأشخاص المعروفين بعصبيتهم الزائدة وعدم تعبيرهم عن مشاعرهم وعواطفهم للمرأة التي يحبونها خوفا من أن تقلل من احترامهم، وأن تتكبر عليهم حسب تفكيرهم، هذا التفكير الخاطئ والسائد لدى الجنس الخشن، جعل من تلك النسوة يعتقدن أن أبطالهن الذين يشاهدنهن خلال الحلقات اليومية للمسلسلات التركية أو من خلال عرض فيلم هندي هم الرجال الذين تحلم بهم أي امرأة وتعيش معهم السعادة الحقيقية. وقد أضحى هذا الإعجاب عند بعض النساء هوسا كبيرا، حيث أصبحن لا يفوتن أي حلقة دون مشاهدتها، بل ويتعلمن الرقص الهندي ناهيك عن متابعة نجومهم الأتراك والهنديين المفضلين عبر مواقع الانترنت. وقد احتل «مهند» بطل مسلسل «نور» الصدارة في قلوب الجزائريات اللواتي أغرمن كثيرا إن صح التعبير بصاحب العيون الخضراء والشعر الأصفر والعضلات المفتولة، الذي بدا من خلال حلقات المسلسل رومانسيا من الدرجة الأولى، وهو ما جذب أنظار النساء والفتيات الجزائريات إليه، اللواتي يحتجن إلى الكثير من الأحاسيس الجميلة الغائبة في محيطهن. ومن الجانب الهندي، نجد «سلمان خان» الذي أسر قلوب الجزائريات من خلال شهامته وعروضه الجميلة التي يقدمها. وتوالي ظهور الأبطال الأتراك والهنديين في المسلسلات والأفلام زاد إعجاب الجزائريات بهم. ولكن السؤال المطروح في هذا الموضوع: ما الذي تبحث عنه السيدات في النجوم الأتراك والهنديين؟ وما الذي تجده من خلال تتبعها للدراما التركية والهندية؟ ورغبة منا في معرفة الدافع الحقيقي لتلك السيدات والذي جعلهن يتركن كل شيء في كثير من الأحيان في سبيل التسمر أمام شاشة التلفزيون والاستمتاع بمشاهدة هؤلاء الأبطال، أجرينا استطلاعا مع نساء من مختلف الأعمار مراهقات، شابات وحتى ربات بيوت، وكانت معظم إجاباتهن تصب في نفس الاتجاه، وتركز على نفس النقطة التي نتعرف عليها من خلال تصريحاتهن. «أمال» 17 سنة، قالت لنا أنها ومنذ أن ظهرت المسلسلات التركية لأول مرة عبر الفضائيات وبالضبط بمسلسل «نور» وهي منذ ذلك الحين لا تفوت مشاهدة أي مسلسل جديد يعرض في أي قناة، حيث تقول أن بطل هذه المسلسلات هو من يجذبها لأن تشاهدها، فكل ما يفعله من أجل إسعاد البطلة أمر لا يمكن لأي كان القيام به، وهنا قاطعنا «آمال» قائلين أنه مجرد مسلسل وأن البطل فيه مجرد ممثل يقوم بالدور الذي منحه له المخرج لا غير، فأجابت أنها تعلم بالأمر إلا أنها ترى من خلال تصرفات البطل مع من يحبها كل ما تحلم أن تلقاه مع شريك الحياة فتقول ضاحكة: «علينا الحلم أيضا؟»وواصلت «أمال» قائلة عن درجة تعلقها بالممثل التركي «مهند» أنها أصبحت تتبع أخباره عبر الانترنت وتشتري صوره التي ملأت جدران غرفتها. تصريحات «أمال» إنما تنم عن جانب من طيش الشباب، واعتبرناها مظهرا من مظاهر المراهقة ليس إلا. ولكن وبمجرد حديثنا إلى «فريدة» 35 سنة، تراجعنا عن نظرتنا هذه، إذ أنها ربة بيت وأم لولد، إلا أنها تعشق مشاهدة معظم أبطال المسلسلات التركية، ناهيك عن الأفلام الهندية، حيث تقول أنها لا تمل أبدا من مشاهدتهم يوميا، بل وإعادة مشاهدة المسلسل أو الفيلم من أجل التفرج ثانية على هؤلاء الأبطال، وتضيف «فريدة» أنها وصلت إلى حد نشوب خلافات بينها وبين زوجها بسبب الدراما التركية والهندية، إذ تعتقد انه أصبح يغار من نجومها المفضلين على الرغم من أنهم موجودون في التلفاز فقط على حد قولها، وواصلت قولها بأنه في كثير من الأحيان أحرقت طبخها وهي تشاهد إحدى حلقات المسلسل. «إيزل» أيضا واحد من النجوم الذين أسروا قلوب السيدات لتمتعه بالكثير من الصفات التي تمزج بين القوة والانتقام والعنف من جهة، وبين الحب والحنان والخوف على الحبيبة من جهة أخرى، وهي الشخصية التي جسدها في مسلسل يحمل نفس الإسم. وخلال استطلاعنا لبعض السيدات من فئات عمرية تقل عن 35 سنة، فقد أكدن أن الفتاة تطمح لتوفر هذه الصفات في فارس أحلامها فتسبح في الخيال علّها تجدها، لأنها تدرك جيدا أنه مجرد بطل في قصة يختفي مباشرة بعد إسدال الستار عليها، إلا أنهن يأبين الاعتراف بذلك، خاصة وأن تفاصيل نهاية القصة تصب غالبا في منحى يشعرهن بالسعادة بسبب ارتباط البطل والبطلة، وهي النهاية التي تتمناها كل واحدة لنفسها، في حين بلغ إعجاب بعض السيدات المتزوجات بهذا البطل حد مدحه على مسامع أزواجهن ما قد يدفعهم إما إلى السخرية من الزوجة عندما تطلب من زوجها التمتع ببعض صفاته أو إلى حرمانها من مشاهدته ثانية، في حين تأخذ الأمور منحى آخر، فقد يتسبب هذا التصرف في نشوب الخلافات بين الزوجين والتي قد تعكر حياتهما الزوجية. وعلى الرغم من أن موضة هذه المسلسلات والأفلام قد مر على ظهورها فترة لا بأس بها، إلا أن النساء الجزائريات مازلن يهتممن بمشاهدتها كثيرا مع ظهور نجوم جدد، أو بعرض مسلسلات جديدة أبطالها هم نجومهن المفضلين الذين اعتادوا مشاهدتهن عبر الفضائيات، والأغرب في الأمر، أن النساء الكبيرات في السن أصبن بعدوى متابعة المسلسلات التركية على غرار «خالتي وردية» 65 سنة التي تقول أنها لا تفهم ما يقولونه باللهجة السورية، إلا أن حفيدتها هي من تترجم لها، وهي لا تكف عن الاستفسار لفهم كل ما يحدث من تطورات،وقد أعجبت كثيرا بالقصص التي تعالجها هذه الدراما، وكما قالت أن أبطال وبطلات هذه المسلسلات يتمتعون بقدر كبير من الجمال. خالتي «مسعودة» التي تجاوز سنها الستين، تقول أيضا أنها مولعة بمتابعة المسلسلات التركية ولا تفوت أي حلقة منها، لدرجة أنها لا تتزحزح من أمام التلفزيون عند بدء المسلسل، وتطلب من ابنتها تفقد أمور المطبخ بين الفينة والأخرى، كما أنها لا تشعر بالملل في إعادة متابعة حلقات أحد المسلسلات عبر قنوات فضائية أخرى، أما عن أسباب ولعها بهذه المسلسلات، فتؤكد أنها ماكثة بالبيت ولم تجد وسيلة لقتل الروتين أفضل من التلفزيون، وأنها تعجب بالقصة أكثر إذا كان فيها مكائد وحيل تحاك ضد البطلة، فهي تسعى لمعرفة كيفية تخلص البطلة منها، وهذا ما يدفعها لمتابعته حتى آخر حلقة وفي حال تضييعها لأي حلقة بسبب غيابها عن البيت فإنها تستفسر عن تفاصيل ما حدث من ابنتها أو زوجة ابنها أوحتى حفيداتها. أما بالنسبة للأفلام الهندية، فقد خففت دبلجة الكثير منها إلى اللهجة الخليجية من معاناة السيدات اللواتي يجدن صعوبة في القراءة وحتى المتعلمات اللواتي يعجزن عن التدقيق في تفاصيل القصة وقراءة ما هو مكتوب في أسفل الشاشة في آن واحد و»سمية» صاحبة ال22 سنة وهي طالبة جامعية، واحدة من المهووسات بهذه الأفلام، فقد أكدت أنها لا تفوت أي فيلم من هذه الأفلام التي تعرض في مختلف القنوات الفضائية، وتضيف أنها تحفظ أغلب أسماء الأبطال والبطلات رغم صعوبة نطق بعضها وذهبت إلى أبعد من هذا، فهي تتقصى أخبارهم الشخصية وتعرف الكثير عن تفاصيل حياتهم من خلال إجراء الأبحاث عنهم عبر مواقع الانترنت ما جعل صديقاتها يلجأن إليها في حال رغبن في معرفة أي شيء حول فيلم من الأفلام الهندية أو عن أحد أبطاله. وقد أكدت بعض السيدات اللواتي تحدثنا إليهن أن الفراغ العاطفي هو الذي دفعهن للولع بمتابعة هذه المسلسلات التي تحظى فيها البطلة بقدر كبير من الحب والحنان والرعاية والاهتمام، وأرجعن هذا الفراغ إلى انشغال كلا الزوجين بمشاغل الحياة، حيث أصبحا يعملان لتوفير حياة أفضل للأبناء ولو على حسابهم. إن غياب الحوار بين الزوجين داخل الأسرة وعدم اهتمام أي طرف بمعرفة انشغالات ومشاكل الطرف الآخر وكذلك السعي وراء ضروريات الحياة جعل الكثير من السيدات يلتففن حول مشاهدة المسلسلات التركية والأفلام الهندية،بحثا عن المتعة من جهة والتنفيس عما يجول في خاطرهن من جهة أخرى، في حين جعل المراهقات اللواتي يتيقن أنها مجرد خيال للترويح عن النفس يسعين للحصول على زوج يعاملهن نفس معاملة أبطال المسلسلات التركية للبطلات.