أثبتت الانتخابات التشريعية السابقة تقهقرا خطيرا للحركة الإخوانية بالجزائر. فما عدا حركة مجتمع السلم التي – بالرغم من تقهقرها – بقيت في المرتبة الثالثة بعد حزب جبهة التحرير الوطني و التجمع الديمقراطي لقيت الأحزاب الأخرى نتائخ مخزية لا تؤهلها حتى لملء قاعة صغيرة بالأنصار. فتلك الصدمة كانت حافزا لمحاولة لم الشمل و التموقع لإحراز نتائج تبقيهم على الأقل في المشهد السياسي و تحفظ لهم ماء الوجه أمام الشعب، بناءا على هذا استبق إخوان الجزائر الانتخابات التشريعية بعد التشكيك في نزاهتها، رغم نيتهم المشاركة فيها بالتحاف و التوحد. وأعلنت خمسة أحزاب إسلامية في الجزائرقرارها بالاندماج في حزبين، وخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بقائمتين انتخابيتين فقط. ويخص الاندماج الأول كل من "حركة مجتمع السلم"، أكبر حزب إسلامي في البلاد، و"جبهة التغيير"، التي يقودها عبدالمجيد مناصرة، والثاني بين "جبهة العدالة والتنمية"، و"حركة النهضة"، و"حركة البناء الوطني ". و بالمشاركة فيها فإن حركة مجتمع السلم ستجر قاطرة جميع الأحزاب الأخرى التي هي من نفس التيار الإخواني مثل النهضة و الإصلاح و أحزاب عبد المجيد مناصرة و عبد الله جاب الله و بن عبد السلام. و شهدت الساحة السياسية في الجزائر حراكا كبيرا داخل التيار الإسلامي، توج بالإعلان عن تحالف اندماجي ووحدوي، بعد سنوات من الانقسام والتشرذم. وأثارت هذه التحالفات تساؤلات عدة، عن ما إذا كان هذا الحراك توجها تكتيكيا، أملته الظروف الراهنة على الساحة، أم أنه خيار استراتيجي له علاقة باقتناع الإسلاميين في الجزائر بضرورة لم شملهم، بعد تراجع حظوظهم وشعبيتهم بسب الانقسامات التي عانوا منها في العقدين الأخيرين. وتعود الخلافات والصراعات التي كانت قائمة بين قيادات التيار الإسلامي الجزائري، ولازالت، بدليل الصراع العلني القائم بين كل من زعيم جبهة "العدالة والتنمية"، عبدالله جاب الله، وعبدالرزاق مقري، رئيس "حركة مجتمع السلم" (حمس)، إلى سنوات الثمانينات، وتعتبر سنوات الظهور الأولى لهذا التيار، حين رفضت قيادات "التيار الإخواني" في الجزائر الانضمام إلى "التيار السفلي"، المعروف في الساحة السياسية في الجزائر ب"جبهة الإنقاذ" المحظورة، بسبب مسألة الزعامة. وأكد القيادي في "حركة مجتمع السلم" أكبر تنظيم لجماعة "الإخوان المسلمين" في الجزائر، عبد الرحمن سعيدي أن "الإكراهات" التي شهدتها الساحة السياسية في الجزائر، وأبرزها قانون الانتخابات الجديد، أجبرت الأحزاب الإسلامية على إعادة التموقع، خشية من الاندثار، رغم أن هذا التحالف كان مطروحا بقوة خلال فترة تولي أبو جرة السلطاني رئاسة حركة "مجتمع السلم"، مشيرا إلى أن تلك الفترة شهدت إعداد وثيقة مرجعية، سميت ب"بداية مسعى التقارب بين حمس والتغيير"، وطوي بعدها هذا الملف، وتم إحياؤه أخيرا بسبب التطورات التي هدتها الساحة السياسية في الجزائر، كالمادة "73" الواردة في قانون الانتخابات الجديد، والتي تشترط الحصول على نسبة 4 بالمائة من الأصوات في الانتخابات السابقة لقبول الترشيح، وتخص الأحزاب التي شاركت في الانتخابات الأخيرة. ومن جهته، قال القيادي في حركة النهضة الجزائرية، محمد حديبي "إن التحالف الذي أبرمته الحركة مع كل من "جبهة العدالة والتنمية" و"حركة البناء الوطني" هو تحالف استراتيجي، لا علاقة له بالانتخابات البرلمانية المقبلة، ولا يعتبر تحالفا ظرفيا كما يشاع في الساحة الإعلامية، فكوادر التيار الإسلامي اقتنعوا بضرورة لم شملهم، وتوحيد صفوفهم، والتكتل وتجاوز الخلافات والحسابات الضيقة، التي كانت وراء انقسام أبناء التيار الإسلامي في السابق، والتوجه إلى النضال لخدمة الجزائر، خاصة في الظرف الصعب الذي تمر به، وحماية الدولة الجزائرية من التحديات الخارجية والداخلية التي تمر بهما.