في الوقت الذي تبحث الجزائر فيه عن موارد مالية إضافية لتغطية العجز الناجم عن خسائر المحروقات يعد تدنى أسعار النفط الحد الأدنى من المدنية أن نحافظ على طبيعة المدن الساحلية السياحية وجاذبية مثل دلس وتيغزيرت وشرشال وتنس وبجاية والقالة وغيرها. إن الله منحها بهجة وحسنا وآثرتها الطبيعة بمناظر تستهوي قلوب السائحين من كل فج عميق. فكيف ونحن لم نستطع أن نجعل منها مزارا للأجانب عمدنا إلى تدميرها والحط منها بجهالة وسوء تدبير للأمور ولا وعي يشبه أن يكون إجراما بحق مدن كانت بالأمس قبلة للسائحين والزوار يأتونها من الداخل والخارج ويدرون على الأهالي وعلى خزينة البلدية والدولة ملايير اليورو سنويا؟ السياحة في البحر الأبيض المتوسط أكبر وجهة سياحية في العالم والجزائر لها 1600 كلم من السواحل البحرية والشواطئ التي تجذب بطبيعتها وتاريخها السياحة الدولية ويمكنها أن تنسي البلاد مآسي انهيار أسعار السوق التفطية. لا ننسى أن وزن السياحة في البحر الأبيض المتوسط الاقتصادي ثقيل فقد تولد هذه السياحة المتوسطية سنويا مائتي مليار يورو كان على الجزائر أن تنال منها على الأقل عشرات مليارات يورو عوضا من أن تخرج كل سنة وكل صيف صفر اليدين. كما أن السياحة في البحر الأبيض المتوسط تنشئ ما يقارب الخمسمائة ألف منصب عمل دائم ومباشر في يلد مثل تونس أو اليونان - وتشكل جموع السياح التي تأتي لقضاء العطلة والاستجمام مصدر رزق هام لسكان البحر المتوسط. كيف يتاح في الجزائر لمسؤولين لا حظ لهم من التسيير ولا حس لديهم من المدنية ولا الحضارة ولا الثقافة التاريخية والسياحية أن يلعبوا بمدن تعد من التراث الجزائري والإنساني؟ بل كيف يسمح لبعض أشباه رؤساء البلديات أن يضعوا الرفيع ويرفعوا الوضيع ويقدموا الخبر ويؤخروا رؤوس الناس والمسائل ليخربوا ما تبقى من الجاذبية للبلاد ثم نذهب نشير بالأصابع إلى المؤامرات الخارجية واستهداف الجزائر؟ دفتر شروط يلتزم به رؤساء البلديات إن الجزائر تمر بأزمة لا سابق لها في سالف عهدها والقطاعان اللذان تعهدا بإخراج البلاد من الأزمة هما اثنان لا ثالث لهما : الزراعة والسياحة. أما الزراعة فإنها وحدها لا تكفي لتغطية حاجات البلاد. وأما السياحة فإنها تدور في نقطة الصفر. إذا نظرنا إلى خمسة ملايين سائح سنويا إلى تونس وثلاثة ملايين سائح إلى المغرب فإننا لا نجد ما نقول بصفة جادة. لا مجال إلى التستر ولا إلى التخفي من حقائق واضحة للعيان لا يساجل فيها إلا مكابر. فالمغاربة والتوانسة لهم مسؤولين أكثر إيغالا في الثقافة السياحية والجزائر مسيروها لا يقدرون على تسيير عائلاتهم فتتاح لهم المدن والبلديات ليعيثوا فيها فسادا من دون دفتر شروط ولا أهداف تسطرها لهم الدولة مسبقا. إن تسيير مدينة مثل شرشال أو دلس أو القاله – وهي مدن سياحية بامتياز – ليس كتسيير مدن في تيسمسيلت أو آفلو أو ضاية لبخور الداخلية. إنها مدن جذبت السائحين منذ القدم ولها ثقافات خاصة ونوعية من الناس ممن يؤمونها للمزيد من التثقيف والتحضر والتمدن. مدن مثل هذه ينبغي على الدولة أن تضع لها دفتر شروط يلتزم به رؤساء البلديات. لقد عرفنا صاحب مقهى في حي شعبي بالعاصمة يتولى منصب "مير" ورأينا أيضا بائع خضر ومسوق قازوزة وعون أمن يصبحون "أميار" في بلديات جزائرية ولكن على الدولة أن تنتقي وتشترط في تنصيب "أميار" المدن ذات الأهداف الإستراتيجية التي يمكنها أن تدر أموالا طائلة لخزينة الدولة كل صيف. هل أن إمام مسجد يصلح أن يصبح ميرا في مدينة ساحلية يؤمها السياح الأجانب؟ طبعا لا. هل أن واحدا ممن كان يسكب القهوة للزبائن أن يسير بلدية استراتيجية مثل الجزائر العاصمة أو شرشال أو تيغزيرت؟ لا أيضا. رئيس بلدية في نيويورك أو باريس أو لندن هو مترشح لرئاسة الدولة بامتياز إن رئيس بلدية في نيويورك أو باريس أو لندن هو مترشح لرئاسة الدولة بامتياز. فمن استطاع تسيير بلدية مثل باريس أو لندن كفؤا أن يكون رئيسا للبلاد. أما بالجزائر فالحال يُضحك ربات الحجال البواكي لو كان ينفع الضحك ولكنه ضحك بمنزلة البكاء. البلدية هي أصغر تمثيل للدولة على المستوى المحلي ورئيس البلدية في مفهومه البسيط هو ممثل للدولة وخليفة لرئيس الدولة أمام المواطنين المحليين. الكلام عن جميع أو بعض المدن الساحلية يستغرق مجلدات ولكننا نكتفي بواحدة: شرشال -زرناها في الماضي وزرناها في الحاضر فبكينا على ما آلت إليه عاصمة روما القيصرية في الشمال الإفريقي. من طبيعة المغتربين والأجانب أن يؤموا شرشال في الصيف لقضاء العطلة ولكن أيضا لمدراسة تاريخ البلاد فهي تزخر بمعالم أثرية ومعمارية لا غنى عنها للدارس والمتعلم مثل المتحف وقبر كليوبترا سيليني ومتحف الفسيفساء الرومانيو غير ذلك. ومن عادات المغتربين والأجانب أن يكتروا لهم منازل في ضاحية شرشال المسماة "مهام" حيث تكثر الفيلات وحيث أكثر أصحابها يعيشون على هذا النوع من المتاجرة. غير أنك إذا ذهبت هذه الأيام إلى "مهام" فمن كثرة الحفر والطرق المكسرة والتراب والوحل إنك تفكر في الرحيل عنها بالمرة من غير أن تنوي العودة إليها. أشغال تتطلب يومين من العمل تستغرق أشهرا أشغال تتطلب يومين من العمل تستغرق أشهرا وتباطؤا في تنفيذ أدنى الخدمات للمواطنين وغياب ميداني مرير للمنتخبين المحليين وإذا غامرت أن تقابل "المير" فإنك ينبغي أن تتحلى بالصبر الجميل. "أولاد البلاد" يشتكون من كون "المير" اسم بلا صوت ولا صورة وأنه من أهل "الجوامع" ولا علاقة له بالتسيير لا من قريب ولا من بعيد. ودليلهم على هذا الحالة المزرية للمدينة وحالة الإهمال والفوضى والتقهقر التي أرجعت المدينة إلى القرون الوسطى. من رأى المدينة في الثمانينات ثم عاد إليها اليوم أصابه الفزع والهلع ثم الإحباط واليأس. كأن الرجوع بها إلى القرون المظلمة أصبح أحد أهداف الأميار المتعاقبين على تسييرها. الطرق المؤدية إلى المدينة والمخرجة منها التي ورثت من الاستعمار لا تزال هي هي متسببة في فوضي اكتتاظ السيارات من صبر عنها مرة لن يتمنى أن يراها مرة أخرى ولا أن يصبر عنها مجددا. وهذا أخف الأضرار إذا ذكرنا أن شرشال لا تزال خمسا وخمسين سنة بعد الاستقلال لا شركة فيها ولا عمل لا للشباب ولا للفتيات ولا للجامعيين وأصحاب الشهادات والبطالة فيها ضاربة أطنابها بشكل مريع. فلولا البحر لمات الناس جوعا. فالبحر هو شرشال وشرشال هي البحر. منها الصيد والسمك والعمل في البحر والعيش منه. فهناك صناعة واسعة تتمحور حول البحر وتعيل الآلاف من العائلات. أما خارج إطار البحر فالحياة مريرة فاليد العاملة كلها تمضي إلى خارج شرشال للعمل إما إلى الجزائر العاصمة وإما إلى البليدة وإما إلى تيبازة أو تنس. وهذه مفارقة في حد ذاتها ومأساة بطعم مرير في حق مدينة أعرق في التاريخ وأوغل في الحضارة من أي مدينة أخرى بالجزائر. السكان يستنجدون بوزير الداخلية والجماعات المحلية بحسب سكان "مهام" و"الدي آن سي" فإن الطرقات أصبحت لا تطاق وغير صالحة للاستعمال وكم من سائق أتلف سيارته في محاولة "الصعود" إلى أعلى الحيين. واستنجد سكان "مهام" برئيس البلدية قبل يومين فاطلع بنفسه على الحالة الكارثية للحي فقال أنه لا بد من انتظار توقف الأمطار للشروع في العمل. ويتساءل آخرون كيف أن رئيسا للبلدية الذي من مهامه أن يكون