أبدى وزير الخارجية الفرنسي استياءه من المقالات التي تضمنتها يومية "لو موند" والتي كشفت بالتفاصيل العمليات العسكرية الفرنسية التي تقودها القوات الخاصة في ليبيا. وكانت الجريدة الفرنسية كشفت أنها كانت على علم منذ مطلع فبراير بأن القوات الفرنسية تقود عمليات سرية ضد "داعش" في التراب الليبي. وقالت الصحيفة أن المديرية العامة للأمن الخارجي "الدي جي آس أو" قد تقود عمليات تحت غطاء الجيش الفرنسي لأنها لا يمكن أن تعمل بالوجه المكشوف وكانت نيتها القضاء على كوادر التنظيم التابع للبغدادي وذكرت أن مقتل أبي نبيل أحد إطارات "داعش" بضربة طائرة دون طيار أمريكية كان من معلومة فرنسية للقوات الخاصة الأمريكية. أول اعتراف رسمي من باريس ماذا تفعل القوات الفرنسية في ليبيا .. ؟ في اول تصريح رسمي فرنسي بعد مقتل الجنود الفرنسيين قرب بنغازي الاحد الماضي قال الرئيس فرانسوا أولاند إن "ليبيا تشهد حالة من عدم الاستقرار المخيف في هذه الفترة.. حيث تقوم القوات الفرنسية بعمليات استخباراتية صعبة في ليبيا". ويعد هذا التصريح أول اعتراف رسمي من باريس بتواجد قوات عسكرية خاصة لها في ليبيا. من جانبها اكتفت وزارة الدفاع الفرنسية بنعي الجنود الثلاثة الذين قتلوا واكتفت بالقول انهم "كانوا في مهمة خاصة في ليبيا" مشيرة ان "القوات الخاصة الفرنسية تقوم يوميا بعمليات خطيرة ضد الارهاب". وحتى الكشف عن مقتل الجنود الفرنسيين الثلاثة، كانت فرنسا تكتفي بالإعلان عن وجود طائرات استطلاع لها تحلق في سماء ليبيا "لاغراض استخباراتية". غير ان هذه الاعلانات الرسمية الفرنسية كانت منذ شهر كانون اول- ديسمبر الماضي على المحك، حيث نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية آنذاك تسريبات مفادها ان فرنسا تمهد لتدخل عسكري في ليبيا عبر المعطيات التي تجمعها طائرات الاستطلاع. القوات الفرنسية هناك تقوم بعمليات عسكرية غير رسمية "ضربات جوية محدودة ودقيقة" نشرت صحيفة "لوموند" تسريبات من وزارة الدفاع الفرنسية تكشف عن تواجد عسكري فرنسي سري في ليبيا، وتؤكد ان القوات الفرنسية هناك تقوم بعمليات عسكرية غير رسمية من بينها "ضربات جوية محدودة ودقيقة". غير ان التسريب الاهم والادق جاء منذ حوالي شهر حين نشر موقع "هافينغتون بوست" تقريرا كشف فيه عن وجود قاعدة عسكرية غربية قرب بنغازي لدعم الجنرال خليفة حفتر، وبالتحديد في منطقة "بنينة" العسكرية، حيث يتمركز بها ما لا يقل عن 40 جنديا فرنسيا وعدد من القوات البريطانية والايطالية بجانب قوات عربية من دولة الامارات والاردن. وحول مهمة القوات الفرنسية ذكر التقرير انها استخباراتية بالأساس وتقدم دعما استشاريا ولوجستيا لقوات حفتر، وهو ما اكده جزئيا في وقت لاحق الناطق باسم الجيش الذي يقوده حفتر، حيث صرح ان هناك قوات اجنبية غربية تقدم استشارات عسكرية لهم. غير ان مصادر عسكرية عليمة ومقربة من "مجلس شورى ثوار بنغازي" كما من "سرايا الدفاع عن بنغازي"، المناوئين لحفتر، اكدوا جميعا في تصريحات خاصة للاناضول ما هو ابعد من عمليات الاستطلاع والدعم اللوجستي مشيرين أن "القوات الفرنسية ضالعة فعليا في القتال في بنغازي الى جانب القوات الموالية لحفتر"، وان الطائرة العسكرية التي تم اسقاطها يوم الاحد الماضي بصاروخ سام 7 ما أسفر عن مقتل 3 جنود فرنسيين، كانت في "مهمة قتالية" ضد قوات "سرايا الدفاع عن بنغازي". المصادر لم تكتف بذلك بل أشارت أيضا إلى بعد آخر للقضية يتمثل في "مبيعات أسلحة وذخائر وتجهيزات عسكرية فرنسية لقوات حفتر حققت من ورائها باريس مكاسب مالية ضخمة ونقلتها إلى ليبيا من خلال دولة مجاورة وبالتنسيق معها". بعد مقتل الجنود واضطرارها للاعتراف بتواجدها العسكري في ليبيا الرئاسة والحكومة في فرنسا في مأزق أوضح جيروم جليز، الاستاذ الجامعي والخبير السياسي الفرنسي، ان "الرئاسة والحكومة في فرنسا تجد نفسها اليوم في مأزق بعد مقتل الجنود واضطرارها للاعتراف بتواجدها العسكري في ليبيا، اذ ارتفع عدد من الاصوات الفرنسية التي تستهجن هذا التدخل بدون الرجوع الى البرلمان، واعلامه بالامر". عدد آخر من المحللين الفرنسيين فسر في تصريحات إعلامية هذا التكتم الرسمي على طبيعة التواجد العسكري في ليبيا موضحين أن الرئيس أولاند وحكومته كانوا قطعا لو سيتوجهون الى البرلمان للنظر في الامر وربما لتوسيع عملياتهم العسكرية في ليبيا أكثر، لو لم يكن هناك رفض جزائري شديد لمبدا التدخل الأجنبي في ليبيا.. ففضلت بالتالي باريس خيار العمل العسكري السري المحدود، شرقي ليبيا. ردود الفعل من الجانب الليبي على الاعتراف الرسمي الفرنسي بالتواجد العسكري لم تتاخر كثيرا، حيث اجمعت المؤسسات السياسية المنبثقة عن عملية الحوار السياسي على اعتبار التدخل الفرنسي امر مرفوض وانه يمثل "تطاولا على السيادة الوطنية"، فيما ذهبت رئاسة عدد من الاطراف السياسية والتشكيلات المسلحة إلى وصفه ب"اعلان حرب". عدد من المراقبين للشان الليبي اكدوا ان فرنسا فقدت مصداقيتها بهذا التورط العسكري في ليبيا سيما ان الامر مناف تماما لقرارات مجلس الامن التي تحظر تقديم اي دعم عسكري لاي طرف ليبي. العضو في المجلس الاعلى للدولة منصور الحصادي من جانبه قال في تصريحات اعلامية ان "فرنسا تقول في العلن انها تدعم الاتفاق السياسي، وسبق وان زار وزير خارجية فرنساطرابلس والتقى المجلس الرئاسي مؤكدا دعم بلاده القوي للاتفاق السياسي وسعيها لانجاحه، ولكن الحقيقة انها على الارض تدعم طرف لا تعترف بالاتفاق السياسي بل وتعمل على اسقاطه، وهو ما يجعل فرنسا تساهم في زعزعة الوضع في ليبيا وليس في الدفع الى الاستقرار". وحول اولى تداعيات الاعتراف الفرنسي الرسمي بتواجدها العسكري في ليبيا الى جانب حفتر دون ارادة جزء كبير من القوى السياسية والعسكرية الليبية، يقول رئيس مركز الدراسات حول العالم العربي في جنيف، حسين العبيدي، في حديثه لاحد المواقع السويسرية "ان فرنسا خسرت كذلك رصيدها المعنوي في ليبيا الذي حصلت عليه في 2011 عندما وقفت مع ثورة 17 فيراير في ذلك الوقت (ضد نظام معمر القذافي)". مجلس ثوار بنغازي يعلن النفير العام لمقاتلة القوات الفرنسية والأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية المعلن والخفي من وجود فرنسا في ليبيا أعلن "مجلس ثوار بنغازي" (أكبر تنظيم مسلح في شرق ليبيا) النفير العام لمقاتلة القوات الفرنسية والأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية. وفي بيان أصدره، وصف المجلس الوجود العسكري الفرنسي في ليبيا بأنه "عدوان سافر وغزو صليبي"؛ متعهدا بالعمل من أجل "صد هذا العدوان وكل عدوان آخر". من جانبها، أكدت فرنسا وجود وحدات عسكرية مقاتلة في ليبيا، بعد قتل ثلاثة جنود فرنسيين كانوا على متن مروحية عسكرية أسقطها مقاتلو "غرفة عمليات تحرير مدينة أجدابيا"، وبثوا صورا لحطام المروحية وللجثث، تثبت وجود عناصر بملامح أجنبية ضمن من كانوا على متن المروحية، التي تم إسقاطها خلال المعارك مع الجيش الوطني الليبي. ووجد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند نفسه مجبرا على الاعتراف للمرة الأولى بوجود قوات فرنسية خاصة تعمل في ليبيا؛ لكنه أكد أن مهمتها هي جمع معلومات استخبارية؛ حيث قال هولاند إن حالة انعدام الاستقرار التي تعيشها ليبيا تهدد أوروبا. لذا، فإن بلاده تقود حاليا عمليات استخبارية محفوفة بالمخاطر. وتحدثت وسائل إعلام فرنسية عن أن العناصر الثلاثة، الذين قضوا في تحطم المروحية الليبية، هم من وحدة التدخل التابعة للإدارة العامة للأمن الخارجي؛ وهي وحدة النخبة في مصلحة الاستخبارات الفرنسية. وترجح معلومات مصادر عسكرية فرنسية، أوردتها "إذاعة فرنسا الدولية"، أن يعود سبب إسقاط المروحية الليبية، التي كان الجنود الفرنسيون يستقلونها، إلى أن المروحيات العسكرية، التي يستخدمها "جيش الكرامة"، تَقصف بذخائر بدائية الصنع، تتطلب اقتراب المروحيات من الهدف كي تتمكن من ضربه. ووضع إعلان فرنسا عن وجود قوات عسكرية في ليبيا الحد لجدل استمر وقتا طويلا حول مدى صحة المعلومات المتداولة، التي تحدثت عن أن هناك وحدات عسكرية غربية تقاتل في ليبيا منذ فترة، وخاصة من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة. لكن هذا الاعتراف لم يقطع الشك باليقين في نوعية الدور الذي تلعبه الوحدات الغربية في ليبيا. فعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي أكد دور العناصر الفرنسية هو فقط جمع معلومات استخبارية للاحتراز من التنظيمات الإرهابية، فإن هناك اتهامات توجَّه إليها بدعم الفريق خليفة حفتر عسكريا واستخباريا؛ وهو الذي يرفض حتى الآن الاعتراف بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. وفي الواقع، تخشى فرنسا على غرار باقي الدول الغربية من خطر التنظيمات "الجهادية" في ليبيا مثل تنظيم "داعش"؛ وهي تقدم الدعم اللوجستي والاستخباري إلى حكومة الوفاق الوطني من أجل اجتثاث التنظيم من مدينة سرت معقله الأهم. وتشير معلومات استخبارية فرنسية إلى أن تدفق المقاتلين الفرنسيين إلى ليبيا محدود، مقارنةً بهجرة الجهاديين إلى سوريا. وتقلل هذه المعلومات من حجم الخطر الذي يشكله الإرهاب في ليبيا على الاتحاد الاوروبي في المرحلة الحالية. غير أن الأكيد هو أن فرنسا تدعم بشكل قوي الفريق خليفة حفتر، وهي تمتلك وحدات عسكرية متخصصة في حرب العصابات، التي يقودها حفتر حاليا ضد المجموعات المناوئة له في شرق ليبيا، وسبق لها أن أرسلت مستشارين عسكريين بشكل سري إلى المجلس الوطني الانتقالي للمساعدة في قتال قوات معمر القذافي عام 2011.