تُعد الخطوة التى أقدمت عليها حركة المقاومة الاسلامية حماس من إعلانها برنامجاً سياسياً جديداً سابقة فى تاريخ حركات التحرر، وذلك لا يفاجىء أى متتبع لسياق مسيرة حركة التحرر الفلسطينية منذ بدء الصراع الفلسطينى الاسرائيلى، ولكن الاستثناء الجديد هنا يكمن فى كون حركة حماس فصيلاً لا يمثل إلا منتسبيه ضمن عدة فصائل فى حركة التحرر الفلسطينى، ولا تحظى بأى اعتراف دولى إضافة إلى رفضها الدخول لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي هي المظلة الشرعية الوحيدة المعترف بها محلياً وإقليمياً ودولياً . ووثيقة حماس السياسية وبكل ما تحتويه خاصة من القبول بدولة فلسطينية بحدود 67 وأنها حركة وطنية مستقلة ولا علاقة لها بأى امتدادت خارجية لم تحدث أى تغيير دراماتيكى فى موقف الحركة من الصراع الفلسطينى الاسرائيلى إلا أنها في نفس الوقت تعتبر نقطة تحول هامة تُدشن الحركة من خلالها وبشكل رسمى مسيرة التحول من تنظيم عسكرى مقاوم رافض لأى حل سلمى إلى حزب سياسى يسعى للحصول على قبول إقليمي ودولي، وما يجدر الاشارة إليه أن الوثيقة بشكل عام موجهة للإقليم وللعالم وليس للداخل الوطنى أو حتى التنظيمى ، وهذه الخطوة تأتى قبيل بدء تصلب حالة البلازما التى تجتاح المنطقة والشرق الأوسط في محاولة منها لإيجاد مكان ما للحركة ضمن خارطة التسوية للصراع الفلسطينى الاسرائيلى والتى تُرسم بوتيرة متسارعة بعيداً عن الأنظار فى دوائر صنع القرار الدولى والاقليمى، وهنا يتوجب على حركة المقاومة الاسلامية حماس أن تدرك جيداً أن الشرعية الاقليمية والدولية التى تسعى للحصول عليها ستحتاج استحقاق وطنى باهظ جداً إن حصلت عليها منفردة نظراً لأنها تحكم قطاع غزة الذى أصبح إقليم منفصل جغرافيا وسياسيا بسبب الانقسام والذى قارب على عامه العاشر، وعليه فإن عليها اليوم وعقب إصدار هذه الوثيقة السياسية أن تبدأ بمراجعة عملية على الأرض وليست نظرية لما حدث قبل عشر سنوات فى غزة، وأن تبدأ فى إنهائه بشكل عملى وليس نظرى وأن تدرك أن الشرعية الاقليمية والدولية التى ترغب فى الحصول عليه ستكون بأقل تكلفة لو أنها حصلت عليها من خلال المظلة الشرعية والعنوان الرسمى للشعب الفلسطينى الممثل بمنظمة التحرير الفلسطينية، وإن كانت ستضطر لتقديم تنازلات آنية مؤلمة لها فى هذا الصدد لكنها ستحقق مكاسب استراتيجية على مستواها الداخلى والخارجى، وهو تماماً عكس ما قد يحدث لو أنها حصلت على تلك الشرعيات عبر أى جهة أخرى . وهنا التساؤول الأكبر الذى يجب طرحه هل اسرائيل وحلفائها تقبل بحركة حماس بوثيقتها الجديدة دون نزع سلاحها وتقديمها لجملة من التنازلات الاستراتيجية . إن أى تنظيم سياسى يستمد شرعيته من شعبه بالانتخاب الديمقراطى وبقدر انجازاته الاقتصادية والسياسية فى دولته، وقد تزيد أو تنقص شعبيته وشرعيته ولكنها تبقى هى الأساس لباقى الشرعيات الاقليمية والدولية، أما حركات التحرر الثورية فتستمد شرعيتها من نضالها ضد المحتل وتزيد شرعيتها وتنقص بقدر إنجازها السياسى من نضالها. إن الخلط بين مفهومى الدولة والثورة والعسكرى والسياسى يحتاج لقادة عباقرة يجيدون فن السير على حبل معلق فى الهواء دون السقوط، فالسقوط يعنى حدوث الكارثة الوطنية وهذا ببساطة التوصيف الصحيح لحالتنا الوطنية . وحالة النهوض الوطنى لن تكون بوثائق وبرامج سياسية جديدة بل بإنهاء الانقسام والاتفاق على استراتيجية وطنية موحدة تجمع الكل الفلسطينى تحت مظلة منظمة التحرير الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى .