هي امرأة لا تعرف المستحيل في عملها، تخطت جميع العوائق التي واجهتها في حياتها لتحقق آمالها وطموحاتها بإكمال مشوارها في مجال الهندسة المدنية. أولا نشكرك سيدتي على استقبالنا في منزلك لإجراء هذا الحوار معك، فهل لك أن تعرفينا بنفسك؟ أنا السيدة مهدية عليلوش، ولدت في بوزريعة سنة 1960، وأنا من عائلة مكونة من أربعة أفراد، ولي أخت واحدة، انتقلت أنا وعائلتي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما كنت في ال15 من عمري بحكم عمل والدي، في البداية واجهت بعض الصعوبات في الدراسة هناك بحكم اختلاف المنهج الدراسي بين الجزائر وأمريكا بالإضافة إلى ضرورة إتقان اللغة الإنجليزية، ولكني قررت أن أتحدى هذه المشكلة وتكونت في مركز ثقافي هناك حتى أصبحت أتقن هذه اللغة وأصبحت من بين المتفوقين واندمجت بسرعة معهم في المدرسة هناك، بعدها تحصلت على شهادة البكالوريا بتقدير جيد وقررت أن أتخصص في مجال الهندسة الكهربائية، لأن حلمي منذ أن كنت صغيرة هو أن أتقلد مهنة صعبة، ثم تحصلت على الماجستير في الهندسة المدنية في ألمانيا بعدها، وهناك تعرفت على زوجي الذي كان يدرس معي في نفس الجامعة، ولكن في تخصص آخر، وهو من الإمارات العربية المتحدة، ورزقت بثلاثة أطفال. ما هي ردة فعل والديك عندما علما أنك ستتخصصين في الهندسة المدنية؟ في البداية، عارض أبي فكرة أن أتخصص في هذا المجال، لأنه كان يفضل أن أصبح طبيبة بالإضافة إلى أنه أخبرني أن هذا المجال صعب ويتطلب جهدا كبيرا خصوصا أنه نادرا ما نجد امرأة تمارس هذه المهنة، ولكني أصررت على اختياري، لأنه حلمي منذ أن كنت صغيرة، حينها تقبل هذا الأمر عندما أخبرته أني قادرة على مواجهة جميع الصعوبات في هذه المهنة. هل بإمكانك أن تخبرينا أكثر عن طبيعة عملك؟ أنا أشرف على إنشاء الأعمدة الكهربائية ذات الضغط العالي والمنخفض التي تساعد على إيصال الكهرباء للعديد من المناطق، بالإضافة إلى إنجاز وتركيب أعمدة الاتصالات التي تنقل الشبكة إلى الهواتف النقالة وقد يصل طول العمود إلى 40 مترا أو أكثر. هل واجهت صعوبات في حياتك المهنية؟ نعم، في بداية عملي، لأن هذا المجال يتطلب التعامل بشكل كبير مع الجنس الخشن، وهذا يتطلب التحلي بشخصية قوية بالإضافة إلى التحلي بالصبر خصوصا أن طريقة التعامل تختلف بين الرجل والمرأة بالإضافة إلى أن هذا المجال يتطلب الدقة في العمل وجهدا كبيرا. ما هي ردة فعل بعض العاملين من الرجال تجاهك خصوصا أنك كنت المرأة الوحيدة بينهم؟ عندما كنت أعمل في الخارج، لم أواجه أي مشكلة مع زملائي في العمل من الرجال، بل كان معظمهم يحترمني، ولكني عندما عملت في الجزائر في بداية عملي استغرب الكثير منهم هذا الأمر خصوصا أن هذا المجال صعب واعتقدوا أني غير قادرة على هذا العمل، ولكني بعد ذلك برهنت أني قادرة على النجاح في هذا المجال، وكنت أساعدهم في جميع الأعمال كنقل الحديد وترتيب البراغي الحديدية، كما أساعدهم في تحضير خلطة الرمل والإسمنت، وكنت أتعامل معهم ببساطة وكأنني عاملة منهم، وعندما شاهدوا النجاحات التي حققتها في إنجاز العديد من الأعمدة غيروا نظرتهم تجاهي وأصبحت الثقة متبادلة بيننا، ومعظمهم يأخذون نصائحي قبل أن يبدأوا في العمل بحكم خبرتي الطويلة في هذا المجال. كم تقضين من الوقت في عملك؟ يتطلب هذا العمل الكثير من الوقت أحيانا يصل إلى 14 ساعة، وأحيانا أخرى يأخذ هذا العمل كل وقتي حسب المنطقة التي سأعمل فيها وطبيعة العمود الكهربائي الذي سأنجزه، ففي بعض الحالات يتطلب مني إنجاز المشروع في منطقة بعيدة قضاء الليلة هناك. هل عارض زوجك العمل في هذا المجال خصوصا أنه يتطلب منك الكثير من الوقت؟ اتفقت معه على هذا الأمر قبل زواجنا، وكان متفهما كثيرا معي، وبالعكس فقد شجعني كثيرا على مواصلة مشواري المهني، لأنه يحب المرأة الطموحة. قلت أنك عملت في الكثير من البلدان، فما هي المشاريع التي أنجزتها داخل الوطن وخارجه؟ شاركت في إنجاز العديد من المشاريع في بلدان أجنبية كالهند وألمانيا بالإضافة إلى الإمارات وسويسرا، وحققت نجاحا كبيرا هناك، وحصلت على شهادات خبرة وشرفت بلدي هناك، بالإضافة إلى إنجازي للعديد من الأ،عمدة الكهربائية بمناطق صعبة بالجزائر كحاسي مسعود وغرداية بالإضافة إلى مناطق جبلية في تيزي وزو والشريعة والمدية. بحكم عملك مع شركات أجنبية، هل تتقنين لغات أخرى غير الإنجليزية؟ تعاملت كثيرا مع شركات تركية وبرازيلية وإيطالية في الجزائر، لذلك أردت أن أتعلم اللغة التركية والإسبانية، وأنا أتقن أيضا اللغة الروسية التي تعلمتها عندما كنت أحضر لنيل شهادة الماجستير بألمانيا، وهذا كله استفدت منه في عملي، لأنه جعلني أتصل بسرعة بأصحاب الشركات الأجنبية وقد استغربوا عندما علموا أني جزائرية، وأتقن لغاتهم بطريقة جيدة، وهذا جعلني أفتخر كثيرا أمامهم بالإضافة أني كنت أترجم لزملائي في العمل ما يقوله الأجانب لهم دون أن نحتاج لمترجم. ما هي المواهب التي تتميز بها مهدية غير الهندسة؟ بالإضافة إلى دراستي في الهندسة، كنت أمارس رياضة السباحة والبالي وتحصلت على ميداليات وجوائز، فقد حققت نجاحا كبيرا في هذا الميدان أيضا.
هل تمكنت من التوفيق بين عملك وأسرتك؟ نعم، أنا دائما أعطي الأولوية لأولادي، فعندما أنجبتهم قررت أخذ عطلة للعناية بهم، ثم تابعت عملي عندما كبروا، وأنا الآن أخصص لعائلتي يومين في الأسبوع لأهتم بهم وبزوجي، لأن الأيام الأخرى أقضي معظم الساعات في عملي. وبالرغم من ذلك، فإن الساعات المتبقية أحاول أن أخصصها لبيتي للتوفيق بين العمل والبيت. كيف تتعاملين مع أسرتك بعد قضاء يوم شاق في العمل؟ وهل يؤثر التعب الذي تشعرين به في العمل على حياتك الأسرية؟ بالرغم من الجهد الكبير الذي أبذله في العمل والتعب الذي أشعر به، إلا أن هذا لا يؤثر علي، بل على العكس عند دخولي إلى البيت، أشعر بالراحة عند رؤيتي لأولادي، وأنا بطبعي إنسانة حنونة وأحاول دائما الفصل بين ما أواجهه في العمل من مشاكل وبين بيتي، وأنا دائما أظهر لأولادي أني سعيدة. هل أنت ربة بيت ماهرة؟ بالطبع، فأنا أقوم بجميع الأشغال المنزلية، وأنا أجيد الطبخ التقليدي الخاص بالجزائر، بالإضافة إلى أني أجيد إعداد العديد من الأطباق الإماراتية التي تعلمتها من والدة زوجي، وقد تعلمت فنون الطبخ الغربي في مدرسة خاصة بتعليم الطبخ بأمريكا، وتعلمت العديد من الحلويات والمعجنات التقليدية من والدتي. ما هي الصفات التي تتوفر فيك وترين أنها ساعدتك على النجاح في مشوارك المهني؟ أنا أعترف أن لدي بعض الصفات السلبية ومنها العصبية والعناد، ولكني أتمتع بشخصية قوية، بالإضافة إلى تمسكي بالإرادة والثقة بالنفس، وأنا نشيطة وأتحلى أيضا بالصبر، وهذه الصفات ساعدتني كثيرا في عملي. وما هو سر النجاح الذي حققته في عملك؟ إنني عندما أصر على فعل شيء أكمله وأتحدى جميع العوائق لأصل إلى ما أريد، وأنا دائما أخطط لما أريد قبل البدء في أي مشروع، وأحدد الهدف أولا، وشعاري هو إتقان العمل واحترام المواعيد وهذا هو سر نجاحي. هل ترين أنك حققت جميع طموحاتك؟ أظن أني مازلت في بداية الطريق، وأنا سعيدة، لأني شاركت في إنجاز العديد من المشاريع التي ساعدت في إيصال الكهرباء إلى المدن والقرى والنائية، وبالرغم من أني تلقيت عروضا كثيرة للعمل في الخارج بحكم خبرتي الطويلة في هذا الميدان، إلا أنني رفضتها، لأني فضلت المساهمة في مساعدة بلدي على التطور، وكان طموحي هو فتح شركة خاصة بي والحمد لله سيتم افتتاحها الأسبوع المقبل وسأسميها باسم ابنتي نرمين، وأتمنى أن تكون لها شهرة عالمية في المستقبل وسأوظف فيها عمالا من الجزائر، وأيضا من ألمانيا، لأنني لاحظت أنهم يملكون خبرة كبيرة في هذا الميدان، لأنني لاحظت أن العمال الجزائريين يستغرقون مدة طويلة في إنجاز المشروع خلال احتكاكي بهم، لذلك أردت أن يستفيدوا من خبرة الأجانب وسرعتهم في هذا الميدان لنطور بلدنا. كيف هي نظرة المجتمع لك، خاصة وأن عملك يتطلب منك التعامل مع الرجال؟ لم أجد أي مشاكل مع زوجي أو أسرتي، ولكني كنت أواجه صعوبة في التعامل مع بعض الرجال الذين عملت معهم في هذا المجال، لأنهم كانوا ينظرون إلي باستغراب لنظرتهم الخاطئة التي ترى أن المرأة لا تستطيع تحمل مسؤولية الأعمال الصعبة، وأن مكانها الوحيد هو البيت، بالإضافة إلى أنني عندما عملت في بعض المناطق القروية النائية لاحظت أنهم ينظرون لي باستغ،راب خصوصا عندما كنت الوحيدة بين العمال من الرجال بالإضافة إلى أني كنت أتولى سياقة الجرار والشاحنة عندما لا أجد من يقودها من العمال لإتمام المشروع بسرعة، لأني تحصلت على رخصة سياقتها بالخارج، وهذا ما زاد من استغرابهم، ولكني أردت أن أبرهن لهم أن الأعمال الصعبة لم تعد حكرا على الرجال من خلال ما حققته من نجاحات في مشاريعي داخل وخارج الوطن، وأن المرأة قادرة أن تنافسهم في مجالات عديدة، وأن تحقق ما لم يحققه بعض الرجال. ما هي رسالتك للمرأة الجزائرية؟ أنا أظن أن المرأة الجزائرية هي ربة بيت جيدة، وفي نفس الوقت قادرة على تقلد مناصب صعبة في المجتمع، وأنصح كل امرأة أن تغير نظرة المجتمع تجاهها وأن تتمسك بإرادتها القوية، وأن تتحدى جميع المشاكل والعوائق لتحقق آمالها في الحياة لتنال مرادها، وأظن أن المرأة الجزائرية استطاعت أن تحقق النجاح في جميع الميادين المهنية وبرهنت لبعض الرجال الذين يرون أن قدراتها محدودة أن نظرتهم تجاهها خاطئة، وأنها قادرة على منافستهم في الميادين الصعبة وقادرة على فعل ما لم يحققه الكثير من الرجال.