الطريق السيّار شرق غرب اختفت قرى وبلديات كثيرة من ولايات مثل البويرة وبرج بوعريريج، عن المحطات الواجب عبورها سابقا من قبل المسافرين القاصدين لأقصى الشرق، وبدا خط مشروع الطريق السيار، وهو أكبر مشروع يراهن عليه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قد غير خارطة المدن والقرى، ففك العزلة على بعضها ولكنه زاد من عزل العشرات منها أيضا. ولاحظت ''الخبر'' على طول الطريق المؤدي إلى عنابة ذهابا وإيابا، تغيرا كبيرا في منحى الطريق الشرقي، بعدما كان هذا الجزء هو الأصعب بالنسبة للسلطات من حيث عمليات الإنجاز تبعا للطبيعة التضاريسية وكذا على المسافرين من حيث حركة المرور وحجم الخسائر في الأرواح بسبب حوادث السير، كما أن المسالك القديمة ما هي إلا مقاطع موروثة عن الفترة الاستعمارية تقطع عشرات القرى والتضاريس الصعبة عبر البويرة أساسا وبرج بوعريريج ثم سطيف وصولا إلى قسنطينة. ورغم تفاعل العدالة في هذه الأيام مع ملف قضائي ضخم، يتعلق بقضية ''فساد'' بسبب ''عمولات'' رافقت المشروع وأدت إلى سقوط عدة مسؤولين في وزارة الأشغال العمومية، إلا أن وتيرة الأشغال تبدو متسارعة مع ضغط يمارسه الرئيس بوتفليقة على الوزير عمار غول لتدارك التأخر المسجل في مقاطع احتارت شركات أجنبية في إيجاد حل لها لصعوبة تضاريسها وطبيعتها الصخرية. ويجتنب الطريق السيار، في اتجاه الشرق، أغلب قرى ولاية البويرة، وعند مداخل مدينة ''الأخضرية'' التي تنطلق منها أولى المقاطع الجاهزة للاستعمال، يميل الطريق بمستعمليه عن وسطها، ودفعت ''القادرية'' إلى العزلة أيضا و''محطة عمار'' القرية الواقعة عند سفح جبال ذراع الميزان أهم معقل لقيادة التنظيم الإرهابي''القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي''، وترى الحكومة أنها حققت هدفين، تحرير السيولة المرورية وتقديم أكبر تأمين للمارة. وقبل سنوات قليلة، شهدت الالتواءات عبر المسالك القديمة، مئات الحواجز الأمنية المزيفة وهجمات على رجال الأمن من قبل إرهابيي التنظيم، وتفرض مصالح الأمن طوقا مشددا على كبرى المشاريع المنجزة ضمن الطريق، ويحرس جسر البويرة، الأكبر إفريقيا ''طوله نحو 744 متر وارتفاعه 185 متر''، العشرات من رجال الأمن، ولاسيما أن نهاية الجسر تتقاطع مباشرة مع نفق كبير يقطع هضبة في أعالي البويرة على طول 1300 متر، زود ب16 كاميرا مراقبة مرفقة بكاميرات متحركة. ويقول شاب من قرية بني سليمان التي يقطعها الطريق السيار ل''الخبر''، كان يعرض سِلال الفاكهة المنتجة محليا للبيع ''عانينا العزلة منذ الاستقلال ولما قدم المشروع لم يتوان أفراد العائلة في بيع أجزاء من أراضي فلاحية للحكومة يعبرها الطريق السيار اليوم''، وتابع ''لم نعد نعاني.. في وقت سابق توفيت حوامل في طريقهن إلى أقرب مستشفيات ولادة والحالة التي عشناها سابقا تعرفها قرى أخرى اختفت من خارطة الطريق''. وسابقت شركات صينية الزمن لإتمام إنجاز أكبر المقاطع على طول المشروع بأكمله، وذلك إلى غاية ولاية برج بوعريريج، ولم يعد ممكنا منذ أقل من شهر المرور عبر قرى ''المهير'' و''المنصورة''، وتقلص بشكل كبير عدد رواد القريتين، واختفت تجارة كانت متنامية على مرمى الطرقات التي تقطعها، بل وتقلص حجم الطلب على مواد كانت تنتجها ''اليشير'' في ولاية برج بوعريريج، وبدأ عدد من تجار اللحوم والمطاعم في تغيير النشاط والخروج إلى مدن أكبر حيث تزدهر التجارة. وعلى الأقل يستمر الجزء المفتوح بين البويرة والبرج، من الأخضرية إلى غاية الكيلومتر الخامس من الطريق السريع القديم بين برج بوعريريجوسطيف، ويتجنب المسافرون أجزاء كثيرة من الالتواءات المعروفة بداية من منطقة ''مايو'' كما هي معروفة ومنعرجات كثيرة باتجاه برج بوعريريج، لكن السؤال يبقى مطروحا حول بقية المقاطع نحو ولاية سطيف، ولاسيما أن ثاني جزء قد فتح للمسافرين لا يتعدى طوله 22 كلم بين تاجنانت وشلغوم العيد في ولاية ميلة، ومقطع آخر لا يتجاوز طوله الخمسة كيلومترات عند منطقة عين اسمارة في المدخل الجنوبي لقسنطينة. محور قسنطينة-الحروش.. النقطة السوداء في الجهة الشرقية مئات شاحنات مجمع ''كوجال'' تتحرك عبر محور قسنطينة إلى غاية ولاية عنابة.. قواعد كثيرة للعمال وحركية مستمرة، لكن لا مقطع من الطريق السريع شمال قسنطينة يبدو أنه قريب التدشين، ويتوزع مئات العمال الصينيين والمصريين والجزائريين عبر قاعدتين نصبتا عند سفح ما يعرف ب''التوميات'' على بعد كيلومترات فقط من دائرة الحروش بولاية سكيكدة، حيث يجري العمل على فتح نفق عملاق تحت تضاريس صخرية استمر العمل فيها لسنوات، لكن النتيجة لا تبدو ظاهرة أو قريبة للحل، والواضح أن ال155 كلم التي تفصل قسنطينة عن عنابة لم يدشن منها أي كلم واحد من الطريق السيار، لذلك لا تبدو وتيرة فتح مقاطع من الطريق السيار في اتجاه الشرق، في نفس مستوى تطلعات مستعملي الطريق الوطني. ورغم الانتظار نحو فتح جميع الأجزاء، بدأت أسئلة جديدة تطرح حول التوقيت الذي ستبدأ فيه شركة ''نافطال'' في فتح محطات الخدمات المتعددة المرافقة لمحطات البنزين والمقدر عددها ب12 التي تقيمها على الطريق السيار شرق-غرب، ولاسيما أن الشركة أعلنت بدايات التسليم في غضون 2010 مع ضمان المقاييس الدولية في هذا المجال، مع توفير كافة المستلزمات في محطات الخدمات التي لا تتضمن فقط على محطات بنزين، بل على كافة المرافق التي تحترم المقاييس الدولية كما وعدت ''نافطال''.