طغت فضائح قطاع الطاقة في الجزائر، من سوناطراك إلى سونلغاز، على النقاش الذي من المفترض أن يدور حول سياسة الجزائر الطاقوية والبلد على مشارف جفاف حقول النفط والغاز ونهاية "عهد البركة". ويبدو أن الموضوع لا يثير لا فضول ولا اهتمام الطبقة السياسية من أحزاب وبرلمانيين الذي تركوا المجال هنا إلى الحكومة كي تسير الملف كيفما تشاء رغم حساسية الوضع وخطورة الموقف الذي يهدد مستقبل الجزائر والأجيال القادمة. وبالرجوع إلى ما أعلن عنه سلفا من إستراتيجية طاقوية مستقبلية للجزائر، نجد أن القائمين عن الملف إما "منعدمي البصر والبصيرة" وإما "متواطئين حتى النخاع ضد مستقبل الوطن" فلا يجب أن تكون داهية في الاقتصاد لتقتنع أن كل ما تنوي الحكومة القيام به في مجال تنويع مصادر الطاقة هو مجرد تبريرات لاستنزاف الموارد الطبيعة للجزائر بتمويل من الموارد المالية للجزائر. قبل أشهر، أطل علينا مسؤولي سوناطراك ليصرحوا لنا أنهم اكتشفوا "تكنولوجيا جديدة" (بهذا المصطلح!) ستسمح للجزائر بتمديد عهد "الريع" معتبرين أن الغاز الصخري هو مستقبل الجزائر الطاقوي. أي استخفاف هذا بعقول الجزائريين وبموارد الأمة؟ لن ندخل هنا في النقاش العقيم حول الانعكاسات البيئية والأخطار التي تحوم حول استغلال هذه الطاقة وتكلفته الباهظة، لكننا سنكتفي بما هو ثابت ومتفق عليه باعتراف مسؤولينا. فأولا، الغاز الصخري ليس بطاقة متجددة وهو بالتالي لا يشكل أي بعد استراتيجي يبرر تخصيص مبالغ مالية خيالية من أجل استغلاله وهو ليس حتى بطاقة مربحة مقارنة بتكاليف استخراجه لكن الأخطر من ذلك أن عملية استكشاف واستخراج الغاز الصخري تتطلب تجنيد كميات هائلة من المياه علما أن كل حقول الطاقة في الجزائر تقع في الجنوب، فيكف ستحل الحكومة هذه المعضلة وهي التي تعجز عن توفير الماء للجزائريين في السهوب والهضاب والتلال والسواحل؟ قضية الغاز الصخري تشبه في عدة جوانب لجوء الجزائر سنوات الثمانينات وعودتها مؤخرا إلى الغاز المميع الذي يتفق كل الخبراء أن لا جدوى اقتصادية منه اللهم إذا كان موجها للتصدير إلى دول متباعدة لا يمكن ربطها بالقنوات. وللعلم، فإن إنتاج 1 م3 من الغاز المميع يتطلب 1.33 م3 من الغاز العادي أي أن إنتاج 100 م3 من الغاز المميع يستدعي توفير 133 م3 من الغاز ولكم أن تتخيلوا حجم الخسائر عندما يتعلق الأمر بملايين الأمتار المكعبة من الغاز المميع. قضية الغاز الصخري تشبه أيضا السخافة التي دونت كمشروع استراتيجي والمتعلقة بتزود الجزائر بمحطات نووية بداية من سنة 2020 رغم أن كل الدول النووية تقوم حاليا بتفكيك محطاتها النووية لأنها ببساطة أصبحت من الأرشيف الطاقوي ولا يمكن أن تكون بديلا مستقبليا للعهد القادم، رغم أن مسؤولينا يحاولون إقناعنا بأن الطاقة النووية طاقة متجددة دون أن يفسروا لنا كيف لهم أن يجددوا "اليورانيوم" اللازم لتشغيلها، هذا طبعا دون حتى الحديث عن نسبة التلوث الذي تسببه والأخطار التي تشكلها؟ نحن اليوم نضيع الكثير من الوقت والجهد والمال في مشاريع جربتها الدول المتطور في القرن العشرون وتخلت عنها اليوم لتتجه نحو مصادر الطاقة المتجددة بعد أن جربتها واقتنعت أنها كانت ملائمة لظرف زمني معين. نفس هذه الدول تحثنا اليوم على استغلال الغاز الصخري والنووي والغاز المميع حتى نوفر لها حاجياتها من مصادر الطاقة التقليدية في انتظار أن تطور هي مصادر طاقة أخرى سنستوردها نحن منها غدا!