يقف المواطن مدهوشًا حين يرى أنه في بلد تزيد مساحته عن مليوني كلم مربع، و بتحديد المساحة التي تبلغ 2.381.741 كم مربع تزداد حسرته، وهو لا يملك شقة بمساحة 72 مترا مربعا، بل ليس له شقة يأوي إليها ولو في الفضاء الخارجي من الأبراج المشيّدة في عمارات المحظوظين. هذا المواطن الذي يعيش في شعب بعدد مواطني قرية في الصّين، حينها يدرك أنه يضرب الأخماس بالأسداس، وأنه بلغ الخمسين سنة (نصف قرن) دون أن يدري، ليجد أبناءه كبروا هم الآخرون ليتقاسموا معه ال 72 متر مربع, وهم بلا عمل ولا مال، في الوقت الذي تحكي حكومته اليوم عن الملايير من الدولارات، و تتشدق بأرقام فلكية مكدسة في البنك المركزي والبنوك السيادية وبمصطلحات اقتصادية لم يفهم منها إلاّ أنه تحت خط الفقر، بل إن الفقر يقاسمه الشقة والأولاد والحياة وهذا الزمن الضائع من عمر الاستقلال، ومن عمره المتآكل تحت وطأة هذه المشاكل، وفي زمن الأثرياء الجدّد الذين تنمو ثرواتهم نمو الفطريات بلا معايير ولا رقابة، و أبناؤه بلا عمل ولا زواج ولا مستقبل في زمن الخطط الثلاثية والخماسية, وبرامج فخامتهم منذ الاستقلال. وهذه المدلولات العجيبة لم تصنع منه مواطنا محترما طيلة هذه المدة من عمره وعمر الاستقلال، بل إنّ مشاريع القرن والملايير التي تنفق على الأوهام والأحلام من أجل غد أفضل، ولا أمل في يوم جديد أفضل لهذا المواطن المطحون الذي ينتحر أبناؤه بالمشانق المنصوبة هنا وهناك برا، وبالمهلوسات المتعددة من مخدرات وسموم الموت المتنوعة، وبحرا برحلة العذاب نحو بلاد مساحتها لا تزيد عن مساحة الدشرة أو الدوار الذي يسكنه ليبحث فيها عن الجنة المفقودة وعن الكرامة المهدورة في وطنه وعن لقمة العيش التي لم يوفرها حتى ريع النفط، بعيدا عن نار ظلم ذوي القربى والمشاريع التي لا تغني ولا تسمن من جوع. مواطن الاستقلال يعيش أمام المفارقات العجيبة حتى اليوم في خمسينية الحرية! وهذه المفارقات المتكررة مع كل حكومة جديدة مازالت تقض مضجعه في كل يوم حيث ينام على المشاكل لينهض أمام مشكلة جديدة وحكومة جديدة، ولتبقى حلول هذا المواطن مؤجلة إلى إشعار آخر وبرنامج رئاسي آخر ليأمل في أن يعيش خمسينية أخرى ربما لا يجد فيها حتى القبر الذي يضم رفاته في رحلته إلى الآخرة.